
تعيش الطريقة القادرية البودشيشية، إحدى أبرز الطرق الصوفية المغربية، حالة توتر وصراع داخلي على رئاسة المشيخة بين الأخوين منير ومعاذ البودشيشي، مما دفع مجموعة من مريدي الطريقة إلى التوجه بنداء رسمي إلى جلالة الملك محمد السادس، طالبين تدخله للحفاظ على وحدة الزاوية وتطبيق وصية الشيخ حمزة التي نصت على تسليم المشيخة لمنير البودشيشي.
ونشر مريدو الطريقة، عبر صفحتهم الرسمية في فيسبوك، بيانًا أكدوا فيه تمسكهم بثوابتهم الراسخة التي تجمع بين حب الله والوطن والملك، معربين عن بالغ قلقهم من أن الخلافات تهدد وحدة المريدين وتؤثر سلبًا على المسيرة الروحية للزاوية.
وجاء في البيان أن تدخلات من جهات داخلية وخارجية أثرت على مسار المشيخة وأدت إلى إعلان تنازل منير البودشيشي عن المشيخة لصالح شقيقه معاذ، وهو ما ينفيه عدد من المريدين ويصفونه بأنه يخالف الوصية الشرعية والروحانية للزاوية.
كما أوضح البيان أن الطريقة القادرية البودشيشية ليست مجرد مؤسسة دينية بل تحمل أبعادًا اجتماعية وثقافية ووطنية، معتبرين أن الحفاظ على وحدة المشيخة وصون إرثها الروحي واجب وطني مقدس يستدعي الحسم السامي.
تنتمي الطريقة القادرية البودشيشية إلى الفروع الحديثة للطريقة القادرية التي أسسها الشيخ عبد القادر الجيلاني في القرن الخامس الهجري (القرن الثاني عشر الميلادي). تنامت في المغرب في منتصف القرن التاسع عشر، ويقع مقرها في قرية مداغ بإقليم بركان شمال شرق المملكة.
سُميت البودشيشية نسبة إلى لقب “بودشيش” الذي أطلق على أحد أجداد الشيوخ الذين كانوا يوزعون طعام “الدشيشة” التقليدي في أوقات المجاعة، مما منح الطريقة اسمها الفريد. أسسها العباس بن المختار القادري البودشيشي، الذي رغم عدم اطلاعه على العلوم الشرعية، أسس طريقة روحية انتشرت ونمت عبر أجيال من خلفائه.
وتميزت الطريقة بتجديدها في الذكر والتنظيم من قبل شيوخها، خاصة الشيخ حمزة القادري البودشيشي، الذي جعلها من أبرز الطرق الصوفية في المغرب بانتشار واسع للعلماء والنخب. إلا أن الطريقة شهدت تطورات وتوترات عبر الزمن، كان آخرها الخلافات الحالية على المشيخة بين الأخوين في سياق سياسي وروحي واجتماعي.
يعكسالصراع الحالي بين منير ومعاذ البودشيشي هذه الأبعاد المعقدة، حيث لا تقتصر الخلافات على القيادة الروحية فقط، بل تمتد إلى النفوذ السياسي والاجتماعي داخل الزاوية، وهو ما يجعل تدخل الملك محمد السادس أمرًا ذا أهمية بالغة للحفاظ على استقرار الطريقة ووحدتها.
وجاء في البيان :
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وآله وصحبه
إلى المقام السامي بالله،
مولانا أمير المؤمنين، صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده،
مولاي صاحب الجلالة،
نحن أبناؤكم المخلصون، مريدو الطريقة القادرية البودشيشية، الذين نشأنا في كنف الزاوية المباركة، وتربينا على يدي شيوخنا الأجلاء؛ سيدي الحاج حمزة قدس الله سره، وسيدي جمال الدين قدس الله سره، وشيخنا الجليل سيدي مولاي منير رضي الله عنه.
لقد علمتنا طريقتنا المحمدية أن الوطن أمانة في أعناقنا، وأن حب الملك جزء من عقيدتنا، وأن وحدة الصف سبيلنا إلى صون الدين وحماية الوطن.
كبرنا على ثوابتنا الراسخة: الله، الوطن، الملك، وبايعنا جلالتكم على السمع والطاعة في المنشط والمكره، وفاءً لبيعتنا الشرعية، وصدقًا لعهدنا معكم.
مولاي، إن قلوبنا تغمرها الغيرة على بلدنا ووحدته، وعيوننا تسهر على صفاء هذا النبع الروحي الذي جمع أبناءه على ذكر الله وحب الوطن. لكننا نرى، بألم وحسرة، أن مسيرة الزاوية الشريفة أوكلت لمن لا نرى فيه الأهلية باطنًا وظاهرًا، الأمر الذي يهدد وحدتها ويزرع التفرقة في صفوف مريديها.
وإذ نحن أبناءكم البررة، نرفع إلى مقامكم العالي بالله هذا الاستعطاف، ملتمسين من جلالتكم التدخل السامي، بما منحكم الله من حكمة ورؤية ثاقبة، لصون هذا الصرح الروحي العريق، وحماية وحدته، وحفظ إرثه المبارك الذي يخدم الدين والوطن تحت رايتكم المظفرة.
حفظكم الله يا مولاي بما حفظ به الذكر الحكيم، وأدامكم تاجًا على رؤوس المغاربة، وحصنًا للدين والوطن، وأقر عينكم بولي عهدكم الأمير الجليل مولاي الحسن، وشد أزركم بصنوكم السعيد الأمير مولاي رشيد.
والسلام على مقامكم العالي بالله ورحمة الله وبركاته.
خادم الأعتاب الشريفة
[مريدي الطريقةالقادريةالبودشيشية]