معركة تحالفات بين اليمين والاشتراكيين بعد انتخابات تشريعية تميزت بحالة من الضبابية السياسية
تشير النتائج الأولية للانتخابات التشريعية الإسبانية إلى فوز اليمين المحافظ وشبه هزيمة الاشتراكيين، ومن المحتمل أن يشارك اليمين المتطرف في ائتلاف حكومي مع المحافظين، ما يراه المحللون لن يكون سهلا مع ما يتمتع به الاشتراكيين من دعم حزبي الباسك والكاتالونيين وربما قد تعاد الانتخابات
وكالات
بعد تقدم غير حاسم لليمين لعدم حصوله على الأغلبية في الانتخابات التشريعية التي أجريت أمس الأحد في إسبانيا،تتيح له تشكيل حكومة، وفق نتائج رسمية شبه نهائية؛ تمكن الحزب العمالي الاشتراكي بزعامة بيدرو سانشيز ،مع إمكانية الحصول على دعم حزبي الباسك والكاتالونيين، اللذين يعتبران غريمان لحزب فوكس اليميني ،من احتفاظه بالسلطة وبقائه في قيادة الحكومة ..
فقد حصل حزب الشعب (PP) الذي يتزعمه المحافظ ألبرتو نونيز فيخو على 136 مقعدًا من إجمالي 350 في مجلس النواب وحزب فوكس اليميني المتطرف، حليفه المحتمل الوحيد، على 33 مقعدًا.
أما الحزب الاشتراكي بقيادة سانشيز فقد حصل على 122 مقعدا، فيما حصل سومار، حليفه اليساري الراديكالي، على 31 نائبا.
ونشرت وكالة “فرانس بريس” تصريحا لنشطاء اشتراكيين تجمعوا خارج مقر الحزب العمالي الاشتراكي (المناهض للفاشيين وعرف في حقبة الحرب الأهلية (1936-1939)، مرددين شعار “لن يمرّوا” ، .. “إن الكتلة الرجعية لحزب الشعب وفوكس هزمت”. مضيفين: “هناك الكثير منا ممن يريدون أن تواصل إسبانيا المضي قدمًا”.
وأكد سانشيز أمامهم قدرته على الاستمرار في تولّي السلطة..و أن “الكتلة الرجعية للحزب الشعبي ولحزب فوكس هُزمت”، وأضاف “نحن الذين نريد أن تواصِل إسبانيا التقدم، عددنا أكبر بكثير”.
وقال المحلل أنطونيو باروسو لوكالة فرانس برس“إنها مفاجأة حقيقية، لقد صمد الحزب الاشتراكي بشكل أفضل بكثير مما كان متوقعا. السيناريوهات المحتملة هي الحفاظ على سانشيز في السلطة، أو انتخابات جديدة أخرى”.
من جهته،اعتبر الحزب الانفصالي الكتالوني الفوز غير الحاسم للحزب الشعبي اليميني في الانتخابات النيابية الإسبانية فرصة لتحقيق استقلال كتالونيا، وسط حالة من الضبابية السياسية تخيم على إسبانيا وتحمل في طياتها احتمال إجراء دورة اقتراع جديدة.
وقال الأمين العام للحزب الانفصالي الكتالوني “معا لأجل كتالونيا” جوردي تورول اليوم الاثنين، إن الحزب سيسعى لاستغلال “الفرصة” التي أتاحتها الانتخابات العامة في إسبانيا لتحقيق استقلال كتالونيا.
وأضاف في مقابلة مع محطة الإذاعة المحلية “آر إيه سي1” أن إجراء استفتاء في كتالونيا وصدور عفو سياسي أمران رئيسيان لحل الصراع السياسي هناك.
وبدأ كل من سانشيز وخصمه المحافظ ألبرتو نونييس فيخو مداولات اليوم الاثنين لتشكيل تحالفات تتيح لأحدهما تولي السلطة وتجنّب اقتراع جديد.
سيحتاج تحالف الحزب الاشتراكي وحزب سومر إلى دعم تشكيلات إقليمية مختلفة مثل “إي آر سي” الكتالونية، أو “بيلدو” الباسكية التي تعد بمثابة وريثة الواجهة السياسية لتنظيم “إيتا”.
إلا أنه سيحتاج أيضا إلى امتناع عدد من الأحزاب الصغيرة عن المشاركة في جلسة التصويت، بعدما توعدت هذه التشكيلات بأنها لن تسمح لسانشيز بالاستمرار في السلطة من دون مقابل.
واستطاع سانشيز أن يحد من مكاسب المعارضة اليمينية وأن يحتفظ، خلافا لكل التوقعات، بفرصة للبقاء في السلطة قد توفرها له لعبة التحالفات.
وفي حال توافرت كل العناصر، يمكن سانشيز أن يحصل على 172 نائبا مواليا له في البرلمان، أي أكثر مما سيتوفر لزعيم الحزب الشعبي، مما سيكون كافيا في دورة ثانية من التصويت على تسميته رئيس الحكومة، إذ تكفيه غالبية بسيطة للخروج فائزا.
وإذا لم يتم ذلك، ستجد إسبانيا نفسها بعد إجرائها 4 انتخابات عامة بين عامي 2015 و2019، أمام أزمة انسداد في الأفق السياسي، ويرجح أن تكون مرغمة على الدعوة إلى دورة اقتراع جديدة من أجل الخروج من الأزمة.
ومع خروجه متفوقا نسبيا في انتخابات الأحد، شدد نونييس فيخو على أحقية اليمين بتشكيل الحكومة المقبلة.
وقال أمام مقر الحزب في مدريد، إن الحزب الشعبي “فاز في الانتخابات”، مضيفا “بصفتي مرشح الحزب الذي حصل على أكبر عدد من الأصوات، أعتقد أن من واجبي” محاولة “تشكيل حكومة”.
وأكد فيخو أنه سيشرع “في حوار” مع القوى الممثلة في البرلمان من أجل “تشكيل حكومة”، داعيا الاشتراكيين إلى عدم عرقلة جهوده.
وتابع “سنتحدث كثيرا خلال الأيام والأسابيع المقبلة”، مشددا في الوقت عينه على أن المرحلة “لن تكون سهلة”.
وفي ظل عدم حصوله و”فوكس” على الغالبية المطلقة، يرغب فيخو في تولي السلطة من موقع الأقلية. لكن لتحقيق ذلك، يحتاج إلى أن يمتنع الاشتراكيون عن المشاركة في تصويت منح الثقة في البرلمان، هو ما سبق لهؤلاء التأكيد أنهم لا يعتزمون القيام به.
وجعل سانشيز (51 عاما) الذي دفعته هزيمة اليسار في انتخابات محلية أواخر أيار/مايو للدعوة إلى هذه الانتخابات العامة المبكرة، من التحذير من وصول اليمين المتطرف إلى السلطة محور حملته الانتخابية.
وسجلت هذه الاستراتيجية نجاحا في عملية الاقتراع، إذ ناهزت نسبة المشاركة 70 بالمئة، أي بزيادة 3,5 بالمئة عن الانتخابات الأخيرة التي أجريت في تشرين الثاني/نوفمبر 2019.
وأثارت انتخابات 2023 اهتماما واسعا خارج إسبانيا بسبب احتمال وصول تحالف يميني يضم الحزب الشعبي و”فوكس” إلى السلطة في بلد أوروبي يعد رائدا في مجال حقوق النساء ومجتمع الميم.
وكان من شأن سيناريو كهذا، في حال حصوله، أن يعيد اليمين المتطرف إلى السلطة في إسبانيا للمرة الأولى منذ نهاية ديكتاتورية فرانكو عام 1975.
ويذكر أنه بعدما ارتفعت نسبة الإقبال 2,5 بالمئة في منتصف النهار، بلغت عند الرابعة بعد الظهر بتوقيت غرينيتش 53,12 بالمئة في مقابل 56,85 بالمئة في انتخابات 2019، ويُفسَّر التراجع بإقبال الناخبين على التصويت في ساعات الصباح تجنبا للحرارة.
ولا تشمل النسبة 2,47 مليون ناخب من أصل 37,5 مليونا صوتوا بواسطة البريد، وهو رقم قياسي بسبب إجراء الانتخابات للمرة الأولى في عز موسم الصيف.
ومن المرجح أن تواجه إسبانيا أسابيع من المفاوضات الائتلافية، والتي قد تؤدي حتى إلى ما يسمى بـ “بلوكيو”، وهو مأزق سياسي حدث مرتين من قبل بعد انتخابات 2015 و .2019 وفي كلتا الحالتين، اضطر الناخبون إلى الإدلاء بأصواتهم للمرة الثانية لحل المأزق.