موضوع «الطُّهور شطر الإيمان»، خطبة يومه الجمعة 21 ربيع الآخر 1446هـ، الموافق لـ25 أكتوبر 2024م.
خطبة يومه الجمعة المنشورة كاملة على موقع الوزارة
“الخطبة الأولى
الحمد لله الملك القدُّوس السَّلام، له الحمد في الأولى والآخرة بكل ما يليق بجلاله وجماله على الكمال والتَّمام، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أنَّ سيِّدنا محمداً عبده ورسوله، أطيبُ الخلق وأطهرُهم نفساً ونسباً، وأزكاهم خُلقاً وعَملاً، عليه من الله تعالى أزكى الصَّلوات وأطيب التَّسليمات دوماً وأبداً، وعلى آله الطَّيبين الأطهار، وصحبه الميامين الأخيار، وعلى التَّابعين لهم بإحسان إلى يوم الدِّين.
أمَّا بعد، أيها الإخوة المؤمنون، فقد سبقت الإشارة إلى أهمية ودور أركان الإسلام في ترسيخ الإيمان في القلوب، لذا فرضها الله تعالى لتحقيق هذه الغاية المثلى في حياة النَّاس حتى يعيشوا حياةً طيبةً كما أرادها الله تعالى، ووعد بها أولياءه بشرط الإيمان والعمل الصَّالح، وحديثُنا اليوم عن الطَّهارة التي هي شرطٌ في صحة الصَّلاة، وعن مكانتها في الإيمان، انطلاقاً من قول النَّبي صلى الله عليه وسلم: “الطُّهُور شطر الإيمان“[1].
عباد الله، في هذه الجملة البليغة بيَّن الرَّسول صلى الله عليه وسلم حقيقةَ الطَّهارة ومنزلتَها من الإيمان، و”الطُّهُور” يعني: منظومة الطَّهارة في حياة المسلم، وإن كان المتبادر إلى الذِّهن الطَّهارة المائية والترابية لاستباحة الصَّلاة، على أهميتها ولزومها لصحة الصَّلاة، فهي تشمل كذلك:
أولاً: الطَّهارةَ القلبية، وهي الأساس، لكونها شرطاً في الباقيات، وطهارةُ القلوب تكون بتخليصها من الشِّرك، والنِّفاق، والحسد، والكبر، والرِّياء وغيرها من أنجاس القلوب، كما قال الله تعالى: ﴿إِنَّمَا اَ۬لْمُشْرِكُونَ نَجَسٞ فَلَا يَقْرَبُواْ اُ۬لْمَسْجِدَ اَ۬لْحَرَامَ﴾[2].
والمراد هنا في الآية: النَّجاسة المعنوية. وهذا معنى نستخلصه من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في وصف المؤمن حيث قال: “سبحان الله إنَّ المؤمنَ لا ينجس“[3].
ثانياً: الطَّهارةَ المائية حال الوضُوء والغُسل، وهي تقوم بتنقية الجوارح من الذُّنوب أكثر ممَّا تنقِّيها من الأدران، كما قال النَّبي صلى الله عليه وسلم: «إذا توضأ العبد المسلم، أو المؤمن، فغسل وجهه خرج من وجهه كلُّ خطيئة نظر إليها بعينيه مع الماء، أو مع آخر قَطْر الماء، فإذا غسل يديه خرج من يديه كلُّ خطيئة كَانَ بَطَشَتْهَا يداه مع الماء أو مع آخر قَطْر الماء، فإذا غسل رجليه خرجت كل خطيئة مَشَتْهَا رجلاه مع الماء، أو مع آخر قَطْرِ الماء، حتى يخرج نَقِيّا من الذنوب»[4].
فهذا الحديث كافٍ شافٍ في أهمية الوضوء ودورِه في تنقية المسلم من الذُّنوب، وتحليتِه بالطَّهارة المادية والمعنوية.
ثالثاً: طَهَارةَ المنكح وسلامة العِرْض، : طَهَارةَ المَنْكَحِ وسلامة العِرْض، والنَّسب، والشَّرف، فهذه الطَّهارةُ كذلك لا تقلُّ أهميةً عن سابقتها، إذ المحافظة على الطهارة بهذا المعنى، أي: العفة؛ من مقاصد الإسلام، ومن أمارات الإيمان، لقول الحقِّ سبحانه في وصف عبادة المؤمنين:
﴿وَالذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَٰفِظُونَ﴾[5].
وتحقق هذه الطَّهارة لا يكون إلا بالنِّكاح الشَّرعي، وبشروطه الضَّامنة لإحصان الزَّوجين وحِفظِ نسلهما وصِيانةِ العِرْض وشرف النَّسب. وحماية المؤمنين والمؤمنات من ألسنة السُّوء وظنون الخَرَّاصين.
نفعني الله وإيِّاكم بالقرآن المبين، وبحديث سيِّد الأولين والآخرين، وغفر لي ولكم ولسائر المسلمين، آمين، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربَّ العالمين.
الخطبة الثانية
الحمد لله ربِّ العالمين، والصَّلاة والسَّلام على أطيب خلق الله وأشرفهم نسباً وحسباً، وعلى آله الطَّيبين الطَّاهرين، وصحابته الغرِّ الميامين، والتَّابعين لهم بإحسان إلى يوم الدِّين.
عباد الله، بعد ذكر معاني الطَّهارة، أي: الطَّهارة القلبية، والطَّهارة المائية، وطهارة المنكح وهي: العفَّة. نأتي على ذكر المعنى الرابع، وهو:
طهارةُ المأكلِ والمشرب، لقول الله تعالى:
﴿يَٰٓأَيُّهَا اَ۬لذِينَ ءَامَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَٰتِ مَا رَزَقْنَٰكُمْ وَاشْكُرُواْ لِلهِ إِن كُنتُمُۥٓ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَۖ﴾[6].
ففي هذه الآية الكريمة إباحة لأكل الطيبات من الرزق، وأمْرٌ بشكر الله المنعم بما لا يمكن عده وحصره من النعم؛ لأن الانقياد لأمر الله بالامتثال والسمع والطاعة من أكبر تجليات صدق العبودية، ومن شرائط الإيمان.
ودلالةُ الطَّهارة هنا تشمل طهارةَ الطَّعام والشَّراب من النَّجاسات المادية، والنَّجاسات المعنوية، فلا يحلُّ أكل الميتة والخنزير وما أُهِل به لغير الله، وما تفرَّع عنها كما في سورة المائدة. كما لا يحلُّ أكل أموال النَّاس بالباطل عن طريق السَّرقة، أو الغَصْب، أو الرَّشْوَة، أو الغِش في البيع والشِّراء وسائر المعاملات؛ لقول الله تعالى:
﴿يَٰٓأَيُّهَا اَ۬لذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَاكُلُوٓاْ أَمْوَٰلَكُم بَيْنَكُم بِالْبَٰطِلِ﴾[7].
وقول النبي صلى الله عليه وسلم:
“لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ إِلَّا بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ”[8].
وأما المعنى الخامس؛ فهو طهارةُ المجتمع من العداوة والبغضاء وكلِّ أسباب الفتن، وطهارةُ البيئة ممَّا يلوِّثها ويقتل فيها مادَّة الحياة التي تعيش عليها الكائنات المختلفة.
وبهذا، أخي المسلم أختي المسلمة، تكون الطهارةُ الإيمانيةُ بهذه الشمولية ساريةً في كلِّ حركات المسلم وسكناته، مُسعدةً له في ظاهره وباطنه، فيصبح مجافياً لكلِّ ما لا يناسب حاله من قول أو فعل أو سلوك، وتلك هي الحياة الطَّيبة المنشودة والموعودة.
هذا وخير ما نختم به الكلام، أفضل الصَّلاة وأزكى السَّلام على سيِّدنا محمد، فاللهم صل وسلم على سيدنا محمد بما هو أهله، وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحابته الغر الميامين، والتَّابعين لهم بإحسان إلى يوم الدِّين، وعمنا معهم بفضلك ورحمتك يا ربَّ العالمين.
وانصر اللهم عبدك الخاضع لجلالك وسلطانك، مولانا أمير المومنين جلالة الملك محمداً السَّادس، نصراً عزيزاً تعز به الدِّين، وترفع به راية الإسلام والمسلمين. اللهم احفظه بحفظ كتابك، وأقر عين جلالته بولي عهده المحبوب صاحب السمو الملكي الأمير الجليل مولاي الحسن، وشد أزر جلالته بشقيقه السعيد، الأمير الجليل مولاي رشيد، وبباقي أفراد الأسرة الملكية الشريفة، إنك سميع مجيب.
وارحم اللهم بواسع رحمتك وكريم عطائك الملكين الجليلين مولانا محمداً الخامس ومولانا الحسن الثاني، اللهم ارفع مقامهما في أعلى عليين، واجزهما خير ما جزيت محسنا عن إحسانه.
اللهم طهر قلوبنا من كل ما يَشِينها، وحَلِّها بكل ما يزينها، واجعلنا من عبادك الطاهرين المُطَهَّرين، واغفر لنا وللمومنين والمومنات والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات، ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيء لنا من أمرنا رشدا. سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.
[1] – صحيح مسلم كتاب الطهارة باب فضل الوضوء، رقم الحديث: 223. رقم الحديث بالمنصة: 293
[2] – سورة التوبة، الآية: 28.
[3] – صحيح البخاري باب الجنب يخرج ويمشي في السوق، رقم الحديث: 285. وصحيح مسلم باب الدليل على أن المسلم لا ينجس، رقم الحديث: 371، واللفظ له. رقم الحديث بالمنصة: 491
[4] – صحيح مسلم كتاب الطهارة باب خروج الخطايا مع ماء الوضوء. رقم الحديث: 244 رقم الحديث بالمنصة: 320
[5] – سورة المومنون، الآية: 5، وسورة المعارج، الآية: 29.
[6] – سورة البقرة، الآية: 171.
[7] – سورة النساء الآية: 29.
[8] – مسند الإمام أحمد رقم الحديث: 20695.
https://www.habous.gov.ma/images/2024/%D8%AE%D8%B7%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D8%AC%D9%85%D8%B9%D8%A9/%D8%A7%D9%84%D8%B7%D9%91%D9%8F%D9%87%D9%88%D8%B1_%D8%B4%D8%B7%D8%B1_%D8%A7%D9%84%D8%A5%D9%8A%D9%85%D8%A7%D9%86_%D9%85%D8%B5%D8%AD%D8%AD%D8%A9.pdfالخطبة المنبرية: الطُّهور شطر الإيمان