
توفيت الفنانة التشكيلية المغربية نجوى الهيتمي يوم 12 أغسطس 2025 عن عمر يناهز 46 عامًا، مخلفة إرثًا فنيًا غنيًا ومميزًا في المشهد التشكيلي الوطني والعربي. اشتهرت الهيتمي بأسلوبها الفريد الذي جمع بين الرسم والنحت، مع حضور بارز للضوء والبساطة الرمزية في أعمالها، والتي عرضت في العديد من الفضاءات الفنية داخل المغرب وخارجه، منها رواق محمد الدريسي بطنجة ومعرض “كينت” وأثناء مشاركاتها في فعاليات موسم أصيلة الثقافي الدولي.
كانت نجوى من الأسماء الرائدة في الفن التجريدي المعاصر بالمغرب، حيث شكلت أعمالها جسرًا بصريًا بين العالم المادي والبعد التأملي، مستخدمة لغة تشكيلية خاصة تجمع بين الاختزال اللوني والثراء الرمزي. تمثل أعمالها انصهارًا بين موروث التقاليد الفنية والحداثة، حيث كان الضوء والرموز عنصرين جوهريين في تصوراتها الفنية، ما جعل لوحاتها ومنحوتاتها تحمل رسالة روحية وتأملية عميقة.
وقد مثلت الراحلة المغرب في محافل فنية دولية في فرنسا وسويسرا وإيطاليا، وشاركت في معارض كبرى مثل معرض “ذاكرة وحوار” ومتحف الفن المعاصر بطنجة. كما أن مسيرتها الفنية التي انطلقت أواخر التسعينيات، كانت شاهدة على إبداع مستمر وتجديد في المشهد الفني، حيث تركت الراحلة بصمة لا تمحى كواحدة من أيقونات الفن التشكيلي المغربي.
برحيلها، تخسر الساحة الفنية المغربية والعربية فنانة عصامية وجدت في الرسم لغةً حرة للتعبير عن الروح والجمال، وفتحت من خلال أعمالها آفاقًا جديدة للتأمل الفني والرمزي، تاركة خلفها إرثًا فنيًا خالدًا يستمر في إلهام الأجيال القادمة. نسأل الله الرحمة والمغفرة للفقيدة، ونسأل أن يلهم ذويها ومحبيها الصبر والسلوان، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
ونعى الفنان والناقد التشكيلي محمد خصيف بصفحته على الفيسبوك ،المرحومة بما يلي:
بقلوب يملؤها الحزن والأسى، ودّع المشهد الفني المغربي والعربي الفنانة التشكيلية **نجوى الهيتمي**، التي رحلت عن عالمنا تاركةً وراءها بصمة جمالية وروحية لا تُمحى.
وُلدت نجوى الهيتمي سنة 1978 في مدينة طنجة، المدينة التي احتضنت طفولتها وشهدت على نضجها الفني، حيث عاشت وعملت حتى آخر أيامها.
بعد أن درست في المعهد العالي الدولي للسياحة، كرّست سنوات عدة لصناعة السياحة، مدفوعةً بشغفٍ بالسفر ورغبةٍ في اكتشاف العوالم البعيدة. هذا الشغف قادها لاحقًا إلى التعمق في علم التنويم الذاتي (السوفولوجيا)، قبل أن تفتح لها الأقدار باب الاكتشاف الأكبر: **الرسم**، الذي غدا منذ ذلك الحين لغتها الخاصة وأداتها الأسمى للتعبير والتواصل.
كانت نجوى فنانة عصامية، لا تأسرها مدارس الفن أو تياراته، بل كانت تسير بخطى حرة في فضاءات الإبداع. حملتها الريشة إلى عوالم الخط العربي والياباني، حيث كانت تلتقط بدقة متناهية نبض الحروف، وتحيلها إلى منحنيات تنبض بالحياة. في معظم أعمالها، كان الخط كائنًا حيًّا، يعكس ذاتها، ويتيح مساحات لا نهائية من التركيبات متعددة الأبعاد.
لوحاتها كانت بوابات إلى عالمها الروحي، مسارات تأملية وبحوث داخلية تُبقي الناظر مأخوذًا بسحرها. هناك، تتشابك الحروف والمنحنيات في حوار صامت، لكنها تنطق بقوة سامية. تنوّعت أعمالها بين عبق التقاليد المقدسة وإشراقات الحداثة، وجسّدت الأشكال بتدرجات ضوئية يلفّها أحيانًا غموض شفيف، يمنحها هالة من السحر والسكينة.
رحلت نجوى الهيتمي، لكن أعمالها ستظل شاهدة على روحٍ كانت ترى في الفن رسالة، وفي الحروف نبضًا، وفي الضوء صلاةً صامتة.
…
وداعًا الفنانة نجوى الهيتمي، التي تركت أثرًا عميقًا في المشهد الفني المغربي والعربي من خلال لوحاتها التي تمزج بين الخط العربي والياباني، وتعكس رحلة روحية تأملية فريدة.
كانت نجوى مثالًا للفنانة العصامية التي اختارت التعبير الحر بعيدًا عن القيود، مستخدمةً الرسم لغةً للتواصل وسيلةً لاستكشاف الذات. رحمها الله، وستبقى أعمالها منارات فنية تحمل رسائل الجمال والسكون، شاهدة على موهبة نادرة ونظرة فنية تنبض بالحياة والروح.