وزارة الدفاع الإسبانية تنفي رسمياً إزالة علمها من جزيرتي الحسيمة وتؤكد ثبات السيادة
بيان رسمي يكشف تفاصيل الهياكل الرمزية ويوضح حقيقة الجدل حول رموز السيادة الإسبانية في البحر المتوسط

في ظل الجدل الإعلامي الذي أثير مؤخراً حول إزالة العلم الإسباني من جزيرتين صغيرتين محتلتين قبالة سواحل الحسيمة المغربية، نفت وزارة الدفاع الإسبانية بشكل قاطع هذه الأنباء وأكدت استمرار سيادتها على الجزر المعنية وهما جزيرتا “إل بار” و”إل بحار”.
وقد شهدت المنطقة جدلاً واسعاً عقب تقارير أشارت إلى سحب العلم الإسباني، وهو ما دفع الوزارة إلى إصدار بيان رسمي في الرابع من أغسطس 2025 لتوضيح الحقائق ووقف التضليل الإعلامي.
وأوضح البيان الرسمي لوزارة الدفاع الإسبانية أن الجزيرتين لم تحملا أعلاماً مرفوعة من قماش أو معدن منذ أكثر من عشرين عاماً، وإنما توجد هياكل معدنية مثبتة على قواعد خرسانية مصبوغة بألوان العلم الإسباني بشكل رمزي يعبّر عن الوجود والسيادة الإسبانية في هذه الأراضي. وأكد البيان أن هذه الهياكل تتعرض باستمرار لعوامل الطقس القاسية والبيئة البحرية التي تؤثر على مظهر ألوانها، وهو ما قد يُفسر خطأً على أنه إشارة إلى إزالة العلم، لكن الواقع ينفي تماماً حدوث أي تغييرات في الوضع القانوني أو السيادي للجزيرتين.
كما شدد نص البيان على أن سيادة إسبانيا على هاتين الجزيرتين مستمرة وثابتة منذ عام 1673 ضمن إطار القيادة العامة لمليلية، وأن أي تقارير مفادها سحب العلم أو التراجع عن السيادة غير صحيحة تماماً.
وأشار البيان إلى أن حالة هذه الهياكل الرمزية التي تتطلب صيانة دورية ليست دليلاً على تغييرات في السيادة أو ملكية الأرض، وأن انتشار مثل هذه الشائعات قد يثير توترات غير مبررة لا تستند إلى الواقع.
وتأتي هذه الخطوة لتضع حداً للالتباسات الإعلامية وتؤكد موقف وزارة الدفاع الإسبانية الثابت من حقوقها السيادية ورموزها الوطنية، منبهة إلى ضرورة التعامل بحذر مع الأخبار التي تتعلق بمناطق حساسة جغرافياً وسياسياً.
وفي ظل هذه التوضيحات يكون الموقف الإسباني قد تمّ توضيحه بوضوح وشفافية، مؤكداً استمرار الحضور والسيادة الإسبانية على الجزيرتين دون أي تغيير أو تنازل.
ردود فعل المغرب لم تتضمن حتى الآن تصريحات رسمية مباشرة من الحكومة المغربية بشأن ما تم تداوله حول إزالة العلم الإسباني من جزيرتي “البر” و”البحر” المحتلتين قبالة سواحل الحسيمة. ورغم الجدل الإعلامي الكبير الذي أثارته الخطوة، لم يصدر أي بيان حكومي صريح يوضح موقف الرباط أو يؤكد وجود أي تغييرات في نظر المغرب تجاه السيطرة الإسبانية على هذه الجزر.
يُتابع الجانب المغربي التطورات بحذر وسط تساؤلات حول أسباب خطوة محتملة تتعلق بتخفيف الرمزية السيادية الإسبانية على هذه الجزر، وهو ما قد يتعلق بحساسيات العلاقات الثنائية بين المغرب وإسبانيا. بعض المراقبين يرون أن عدم صدور تصريحات رسمية حتى الآن يعكس رغبة في تهدئة الأجواء وعدم تصعيد التوترات في ظل حساسية الملف وتاريخه السياسي والدبلوماسي.
كما تشير تحليلات إعلامية إلى أن هذه القضية قد تندرج ضمن محاولات لتعزيز التنسيق بين الطرفين لتفادي أية خلافات أو استفزازات في مناطق الحدود البحرية المتنازع عليها، خاصة في سياق العلاقات الجديدة التي تشهد نوعاً من إعادة ضبط بعد سنوات من التوترات بين البلدين. لكن إلى اليوم، تبقى ردود الفعل المغربية الرسمية غائبة أو محدودة في المضمون التفصيلي حول هذه المسألة.
تاريخ النزاعات حول جزر الحسيمة يمتد إلى عدة قرون، حيث تُعرف هذه الجزر الصغيرة، ومنها صخرة الحسيمة (المعروفة أيضاً بجزيرة النكور)، بأنها تحتل مكانة جغرافية وسياسية حساسة.
أسست إسبانيا سيطرتها على صخرة الحسيمة عام 1559 بعد اتفاق مع العائلة السعدية التي ضمت الأراضي للصالح الإسباني مقابل الحماية من العثمانيين.
وفي عام 1673، بعثت إسبانيا حامية عسكرية لتثبيت وجودها على الجزيرة التي لا تبعد سوى نحو 300 متر عن سواحل مدينة الحسيمة المغربية، مما يجعلها نقطة توتر مستمرة.
لقد شهدت المنطقة توترات عسكرية بارزة خلال حرب الريف في عشرينات القرن العشرين، وكان أبرزها “إنزال الحسيمة” عام 1925، وهو هجوم عسكري منسق وشامل على منطقة ساحلية، حيث قامت القوات بغزو الشاطئ عن طريق البحر (إبرار بحري)، وتقديم الدعم من الجو (إبرار جوي)، مع تقدم قوات برية على الأرض بعد الإنزال.
وفي حالة “إنزال الحسيمة” عام 1925، كانت العملية تتضمن إنزال حوالي 13000 جندي إسباني مدعومين من القوات الفرنسية عبر أساطيل بحرية وطائرات على سواحل الحسيمة بهدف كسر المقاومة الريفية بقيادة عبد الكريم الخطابي، وتم تأمين نقاط الإنزال وتثبيت السيطرة على المنطقة بعد قصف مكثف وعمل عسكري مُخطط بدقة.
وهكذا تعد هذه العملية من أولى العمليات العسكرية التي جمعت بين الهجوم البحري والجوي والبرّي بشكل متزامن في التاريخ العسكري الحديث.
هذه العملية شكلت حدثاً تاريخياً دموياً كان له أثر كبير على السيطرة الإسبانية في المنطقة.
لا يعترف المغرب بشرعية السيطرة الإسبانية على هذه الجزر وعلى مدينتي سبتة ومليلية والجزر الجعفرية المجاورة، ويطالب بمفاوضات لاسترجاعها، واعتبرها جزءاً من معاقل الاستعمار الأوروبي في إفريقيا. ومع ذلك، لم تُدرج الأمم المتحدة هذه المناطق ضمن القوائم الرسمية للأراضي المحتلة، مما يزيد من تعقيد النزاع.
شهد مرور الزمن محاولات دبلوماسية متقطعة وتوترات متكررة بين المغرب وإسبانيا على خلفية هذه القضية التي تتداخل فيها رمزية السيادة والجغرافيا السياسية، مع استمرار وجود قوات عسكرية إسبانية على هذه الجزر الصغيرة التي لاتصيبها بالسكان، لكنها تمثل موقعاً استراتيجياً هاماً على سواحل البحر الأبيض المتوسط.