
يشهد المغرب أزمة صحية واجتماعية متفاقمة بسبب نقص أو انعدام أدوية اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه (ADHD)، التي يعاني منها آلاف الأطفال وأسرهم، مما يضعهم في مواجهة معاناة مستمرة تهدد استقرارهم النفسي والاجتماعي ومستقبلهم الدراسي.
تتزايد شكاوى الأسر المغربية التي تجد نفسها محرومة من أدوية حيوية مثل “ريتالين” و”كونسيرتا”، التي لم تحصل على الترخيص من وزارة الصحة، ما يجعل توفرها في الصيدليات أمراً مستحيلاً. وفق مصادر برلمانية، يؤثر هذا النقص على مئات الأسر بشكل مباشر، حيث يعاني الأطفال المصابون من تراجع في التحصيل الدراسي وصعوبات في الإدماج الاجتماعي، إضافة إلى معاناة نفسية متزايدة بسبب انقطاع العلاج.
توضح شهادات حية، كيف أن انقطاع الدواء يهدد الاستقرار النفسي لعدد من الأطفال ويجعلهم عرضة للتنمر المدرسي، مما قد يؤدي إلى هدر مدرسي مبكر.
ووفقاً لتقارير صحية، يقدر عدد الأطفال المصابين باضطراب فرط الحركة في المغرب بعشرات الآلاف، ما يجعل الأزمة قضية وطنية ملحة.
وفي هذا السياق ،أكد محمد عريوة، الكاتب العام للمنظمة الديمقراطية للصحة، أن هذه الأدوية تصنف ضمن المنشطات العصبية الضرورية لاستقرار الحالة النفسية والسلوكية للأطفال، مشيراً إلى أن الأزمة ليست مقتصرة على أدوية فرط الحركة فقط، بل تشمل أدوية أخرى ضرورية، وأن التغيير المؤسساتي في تدبير قطاع الأدوية تسبب في اضطراب سلاسل الإمداد.
ودعت جمعيات الصحة النفسية إلى توفير بيئة علاجية متكاملة تشمل الدعم النفسي والتربوي، مشددة على أن العلاج الدوائي يشكل جزءاً أساسياً من خطة التدخل التي تساعد الأطفال على الاندماج السليم في المجتمع.
وفي إطار متابعة الأزمة، تقدم النائب محمد العربي المرابط عن دائرة المضيق الفنيدق بسؤال شفوي إلى وزير الصحة والحماية الاجتماعية، طالباً توضيح الأسباب الحقيقية وراء هذا النقص الخطير، والإجراءات الاستعجالية التي تنوي الوزارة اتخاذها لضمان توفر هذه الأدوية الحيوية بشكل دائم في الصيدليات، حمايةً لكرامة الأطفال وحقهم الدستوري في العلاج.
المرابط أكد أن هذا السؤال ليس مجرد استفسار شكلي، بل هو صرخة مدوية تعبر عن قلق عميق يعتمل في نفوس الأسر التي ترى أطفالها محرومين من علاج ضروري، مضيفاً أنه سيواصل متابعة الملف عن قرب والدفاع عن حقوق الأطفال وأسرهم في الحصول على علاجات مستدامة تحترم كرامة المواطن المغربي.
كما أن نوابا آخرين من بينهم رشيد حموني وعبد الله بوانو وصفوا الوضع بـ”التقصير الخطير”، مطالبين بتسريع إدخال هذه الأدوية للسوق الوطنية وتوفيرها بأسعار معقولة تراعي القدرة الشرائية للمواطنين.
غياب الأدوية لا يقتصر على الجانب الصحي فقط، بل يمتد ليؤثر على تحصيل الأطفال الدراسي وسلوكهم الاجتماعي، مما يزيد من معدلات الهدر المدرسي والتوتر الأسري، ويهدد اندماج الأطفال في المجتمع.
وفي هذا الصدد ،تدعو الجمعيات المهنية والهيئات الصحية إلى ضرورة إصلاح شامل في السياسة الدوائية المغربية، يضع مصلحة المرضى في صلب الأولويات، ويضمن توفير الأدوية الحيوية بشكل دائم ومستدام. كما تؤكد أن الأزمة تعكس خللاً عميقاً في تدبير قطاع الأدوية، وتدعو إلى تضافر جهود الوزارة والوكالة المغربية للأدوية وجميع الفاعلين لضمان عدم تكرار هذه الأزمة التي تهدد صحة الأجيال القادمة.
إن أزمة نقص أدوية اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه في المغرب ليست مجرد نقص في الدواء، بل هي أزمة إنسانية وصحية واجتماعية تتطلب تحركاً سريعاً وحاسماً من وزارة الصحة والوكالة المغربية للأدوية، لضمان حق الأطفال في العلاج والحفاظ على كرامتهم ومستقبلهم الدراسي والاجتماعي. كما تستدعي هذه الأزمة إصلاحاً شاملاً في منظومة توفير الأدوية الحيوية، وتحقيق تكامل بين الدعم النفسي والتربوي والعلاج الدوائي، ليتمكن الأطفال من العيش بكرامة والاندماج الكامل في المجتمع.
هذه الأزمة تضع على عاتق الجميع مسؤولية وطنية، تستوجب تضافر الجهود من أجل حماية حقوق الأطفال وأسرهم، وبناء مستقبل صحي ومزدهر للمغرب.