أخبار

التنمية الترابية ودورها في بناء الجهوية بالمغرب 

عبد الواحد بلقصري 

باحث في علم الاجتماع السياسي 

1-التنمية الجهوية مستوى متقدم في الفكر التنموي

تندرج مختلف الانماط التنموية السابقة دكرها في إطار ترابي بهدف تنمية و الرفع من قدرته التنافسية وعلى هذا الاساس تعتبر التنمية الترابية او المجالية اليوم كاطار مرجعي لتأهيل برامج الاستثمارات العمومية و استراتيجية الفاعلين المحليين بالوسط القروي وتندرج التنمية الترابية في اطار مشروع التنمية يتميز بكونه يبلور الاستثمارات العمومية و استراتيجية الفاعلين المحليين بالوسط القروي وتندرج التنمية الترابية في إطار مشروع للتنمية التمييز بكونه يبلور قوة رقعة ترابية محددة ويحوزها الفاعلون الاقتصاديون والاجتماعيون لهدف يتبنى موارد التنمية الخاصة بتلك الرقعة الترابية عبر معرفة الإمكانيات المتاحة والحاجيات المرتقبة والمشاكل المطروحة و ليعمه في مشروع التنمية الترابية على مقاربة معمقة تدمج مختلف القطاعات التي تشكل التراب في إطار مقاربة تعاقدية تبني جميع الفاعلين مما يخفي طابع الشمولية على أساس رؤية استراتيجية ذات أبعاد تمكن في تحقيقها على المدى البعيد أو المتوسط أو القصير الهدف العام للرفع من مشروع التنمية الترابية هو تقوية الموقع السياسي للتراب وجعله قادرا على تلبية حاجيات الساكنة وتوفير الشروط اللازمة للعيش على جميع المستويات اجتماعية اقتصادية ثقافية سياسية.

و يعتبر مفهوم التنمية الترابية آخر إنتاج في الأدبيات المرتبطة بتاريخ تحولات استعمالات مفهوم التنمية ككل، وهو مفهوم ينهض، على غرار مفهوم التنمية المحلية، على أساس تجاوز أو تقويم السلبيات المرتبطة بمخططات التنمية الوطنية أو القطاعية، العمودية والأحادية الرؤية والاستراتيجية، ليشير إلى أن مضمون التنمية الترابية ينبع من مبادئ أساسية تتضمن الاهتمام بجميع المجالات الترابية للدولة الواحدة واعتبارها أجزاء مترابطة، إذا نما الجزء منها انتعش الكل. فالتنمية الترابية بهذا المعنى، هي التنمية التي تنطلق من خصوصيات الوسط الترابي وفق رؤية ترابية متكاملة، لا تتم بواسطة تدخل فاعل محلي دون آخر، وإنما تتم بواسطة سياسات متكاملة ومندمجة، تأخذ بعين الاعتبار مكونات المحيط والاعتبارات السوسيو اقتصادية و الخصوصيات الثقافية والتاريخية للوسط، وكذا الاختلالات السوسيو مجالية، وذلك في إطار من التكامل والتشارك بين مختلف المتدخلين في عملية إنماء التراب. ولذلك تركز التنمية الترابية على اعتماد المقاربة المندمجة والمقاربة التشاركية باعتبارهما آليتين تسمحان بتعدد الفاعلين وتدخلاتهم وفقا للتشخيص التشاركي لحاجيات الساكنة المحلية.*1*ولقد عرف العالم اليوم مجموعة من التطورات على الصعيد السياسي والاقتصادي ،الأمر الذي أدى إلى تغيير تبني ظـــــهور أســـــلوب اللامركزية وذلك لتــــــــــــــقريب الإدارة من المواطنين ،وقد اعتبرت هاته الأخيرة كتجربة رائدة على مستوى التدبير المحلي ونموذجا لتـــــــحقيق الديمقراطية المحلية ،واذا كانت العديد من الدول منذ استقلالها راهنت على خيار التنمية كحل للعديد من من الأزمات الداخلية التي تعاني منها .

2-الإطار القانوني للتنمية الترابية والجهوية بالمغرب :

بعد دسترة نظام الجهوية بالمغرب في دستور 2011حيث خصص الدستور للجماعات الترابية 12 فصلا باعتبارها آليات وأدوات ووسائل قانونية ومالية لها دور منوط ومحرك أساسي للتنمية ،وبالرغم مع أن الجهة كمفهوم وشكل للتنظيم الإداري لم تر النور إلا مع ظهير16يونيو 1971 كإطار اقتصادي أملته عوامل اقتصادية مرتبطة بالعجز في التنمية الذي ساهم في تقليص الفوارق المجالية ،بالإضافة إلى دمقرطة *2*المؤسسات الجهوية وعوامل اجتماعية تهدف إلى تجاوز الاختلالات العميقة التي كرسها المستعمر بين المغرب النافع والمغرب غير النافع ،ولقد ظهرت رغبة إشراك أوسع للفئات الاجتماعية في تدبير الشأن المحلي واضحة من خلال المعطيات القانونية لظهير 1997 الذي جعل الجهة فضاء جديد للتداول والتشاور و الإنجاز ،ولقد أثبتت الجهوية كنموذج للحكامة الترابية والتي أثبتت نجاعتها في الدول السائرة في طريق النمو تتبناها باعتبارها الإطار الأمثل لتدبير الموارد وتنفيذ المشاريع التنموية لتجاوز معضلة التخلف و الفقر وتقليص الفوارق المجالية .*3*

وشكلت الجهوية مرجعية أساسية في الخطابات الملكية ففي خطاب العرش لسنة 2011 يقول جلالة الملك محمد السادس نصره الله”مولين عناية قصوى في هذا المجال للجهة والجهوية التي نعتبرها خيارا استراتيجيا وليس مجرد بناء إداري ،وننظر أنها صرح ديمقراطي أساسي لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية”.

ولهاته الاعتبارات بوئها دستور 2011مركز الصدارة بالنسبة للجماعات الترابية وحجر الزاوية في طور تكريس لامركزية متقدمة و تنمية ترابية ،ووفقا لأحكام الدستور الجديد يرتكز التنظيم الجهوي الذي يعتبر الإطار العام الذي ينظم اختصاصات الجهة ونظامها المالي على مايلي :

– مبدأ التدبير الحر *4*

– التعاون والتضامن بين الجهات وفيما بينها وبين الجماعات الأخرى 

– إشراك الجماعات في تدبير شؤونهم 

– الرفع من مساهمة المواطنين في التنمية المندمجة المستدامة 

– مساهمة الجهة في إعداد سياسات ترابية من خلال ممثليها في مجلس المستشارين 

– تيسير مساهمة المواطنين والمواطنات من خلال آليات تشاركية للحوار والتشاور 

– تمكين المواطنين من تقديم العرائض وجمعيات المجتمع المدني من تقديم ملتمسات في مجال التشريع *5*

كما تمت دسترة صندوق التضامن بين الجهات وتجاوز التوزيع غير المتكافئ للموارد قصد تقليص الفوارق الاجتماعية والترابية وكذا التفاوت بينهما طبق للفصل 142 من الدستور .*6*

مما سبق نستنتج أن المغرب راكم تجربة مهمة في مجال اللامركزية لكن هذا التطور لم يصاحبه تطور على المستوى المالي .

3-القوانين التنظيمية المنظمة للتنمية الترابية والجهوية

يستنذ اهتمام الجماعات الترابية لقضايا التنمية على مجموعة من النصوص القانونية الواردة نجد من أهمها :

– ظهير 30شتنبر 1976 المعتبر بمثابة قانون يتعلق بالتنظيم الجماعي كما وقع تعديله بمقتضى ظهير 03اكتوبر 2002القاضي بتنفيذ القانون رقم 78.00المتعلق بالتنظيم الجماعي والذي يعتبر شكل صريح للدولى عللى تمكين المجلس الجماعي من مسؤوليات ضمن مجالات معظم مجالات التنمية الترابية 

– ظهير 1.08.53الصادر بتاريخ 18 فبراير 2009 القاضي بتنفيذ القانون رقم 17.08وقد تم إدخال عدة تعديلات عليه تمحورت عموما تمحورت عموما حول تقوية آليات الحكامة الترابية ودعم وحدة المدينة وتحسين اليات تدبير المرافق العمومية بالتجمعات الحضرية الكبرى 

– القانون رقم 45.08 المتعلق بالمالية المحلية ومجموعاتها 

– القانون رقم 79.00الذي يهدف إلى جعل العمالات والأقاليم في نفس مرتبة الجماعات الحضرية والقروية (الجمــــــــاعات التــــــــرابية حاليا ) والجهات .

بالإضافة إلى القوانين التنظيمية للجماعات الترابية الثلاث:*7*

– القانون التنظيمي رقم 111.14 المتعلق بالجهات 

– القانون التنظيمي 112.14المتعلق بالعمالات والأقاليم 

– القانون التنظيمي 113.14 المتعلق بالجماعات 

نستنتج مما سبق أن القوانين التنظيمية الثلاث التي جاءت سنة 2015أعطت للجماعات الترابية مجالا أوسع و أدوارا جديدة حيث أنه في ظل مبدأ التدبير الحر منحتها صلاحيات التدخل في شتى الميادين الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية ، وذلك بغية الوصول إلى تنمية ترابية حقيقية تخدم المواطن على المستوى المحلي والإقليمي والجهوي 

4-أهداف ومرتكزات التنمية الترابية والجهوية بالمغرب

 

تعتبر الجماعات الترابية أحد أسس العملية التنموية وذلك بحكم قربها من الساكنة والأدوار التمثيلية التي يمثلها المنتخبين نيابة عن الساكنة 

وبالنظر إلى الأدوار التي يمثلها المنتخبون فإنه إجمالا يمكن إبراز أهداف التنمية الترابية في الأهداف التالية :

– تحقيق العدالة المجالية

– الحد من الهجرة القروية من الأرياف إلى المدن 

– تحقيق اللا تمركز الإداري وخلق مناطق جذب سكاني *8*

– زيادة القدرة المالية للهيئات المحلية مما يساهم في استقلالها وتحقيق مبدأ التدبير الحر 

– تكثيف أواصر التعاون والشراكة بين الجماعات الترابية 

خلق مشاريع وفق تشخيص ترابي مجالي جهوي مبني على التخطيط والحكامة الترابية 

– التنسيق الإداري وخلق التقائية بين جميع الفاعلين المحليين المتدخلين في المجال الترابي الجهوي 

– خلق قيادات محلية قادرة على الترافع وفق مبادئ التسويق الترابي 

– جذب استثمارات صناعية واقتصادية للمناطق والمجتمعات المجالية 

– التسويق الترابي للمجال المحلي والإقليمي والجهوي *9*

محاربة التفاوتات المجالية عبر مبدأالعدالة التوزيعية المبنية على اللاتمركز الإداري 

 

 

 4-مبادي التنمية الترابية

إذا كانت التنمية الترابية تهدف إلى تحقيق العدالة المجالية المبنية على تحقيق التنمية الاقتصادية الفاعلة والتنمية المستدامة فإنها ترتكز على المبادئ التالية :

 

1-4-التشخيص الاستراتيجي الترابي :

حيث يعرف بكونه طريقة تسمح بتحديد التوافق بين الأهداف المعلنة بالنسبة للتراب والموارد التي يتوفر عليها لتحقيق تلك الأهداف،كما أنه يتوخى إعطاء انطلاقة لعملية التنمية عبر تعبئة مختلف فاعلي التراب ،إضافة لكونه يعمل على حصر الوسائل الموجودة القابلة للاستغلال المالية والبشرية والتقنية مع تحليل ملائمتها وتوافقها والأهداف المنشودة .*10*

2-4 – استشراف التراب:

ويقصد به استشراف المستقبل للمجال الترابي ،أخذا بعين الاعتبار إمكانياته واكراهاته الآنية ويتميز كونه يحدد مختلف السيناريوهات الممكن استغلالها وإعطاء تصورات حول الانتقال نحو التغيرات والتحولات كما أنه يعمل على أخذ القرار العمومي خلال المدى البعيد وذلك وفقا لإستراتيجية للتنمية على المدى البعيد عبر تكوين رؤية واضحة لطموحاتهم .

 

3-4- التسويق الترابي :

 التسويق مصطلح أنجلو- سكسوني أدخل إلى فرنسا في الخمسينيات، ويــعرف بأنه كل ما يساهم في جذب واستقطاب أكبر عدد ممكن من الزبائن الجدد والحفاظ على ولاء زبائن المؤسسة، والتسويق هو مجمل الوسائل التي تستخدمها المؤسسة بفعالية لبيع سلعها: «إنه مسعى يرتكز على الدراسة العلمية لرغبات المستهلكين، ويسمح للمؤسسة، في الوقت الذي تحقق فيه أهداف المردودية المنشودة، بعرض سلعة أو خدمة نهائية في سوقها المستهدفة.*11*

ويمكن تعريف التسويق الترابي بأنه مجموعة من الأنشطة التي يقوم بها الخواص أو الجماعات نفسها بغاية توسيع شبكة الوحدات الإقتصادية المتواجدة بالجماعة عبر جلب أنشطة إقتصادية جديدة. كما يعرف بأنه منهجية تدبيرية حديثة لجلب المقاولات لتراب الجماعة، و كذا تسهيل أنشطة المقاولات و تسويق صورة جديدة عن الجماعة المعنية بالأمر، وهو ما يساعد على وضع استراتيجية تنموية و تشكيل شخصية اقتصادية للجماعة.

ويعرف فانسون كـــــــــــــــــولان التسويق الترابي على أنه «الجهد المراد به تقييم التراب وإمكاناته في الأسواق التنافسية، لجعله – أي التراب – ذو مؤهلات جذب فعالة، وهذا النشاط يدبر عموما من طرف وكالات التنمية لصالح السلطات العمومية والقطاع الخاص*12*

وتكمن أهمية التسويق الترابي في كونه يجعل من الجماعات المحلية مقاولات حقيقية ذات مردودية مباشرة تمكن من مجاورة الدولة في حل الرهانات المطروحة عليها، وهذا لن نصل إليه إلا باعتماد مقاربات أكثر نضجا وفعالية في صياغة مفهوم نموذجي للمجال ومظاهره، غير أن أهمية تدبير التسويق الترابي لا يجب أن تقف عند هذا الحد، بل عليها أن تنخرط في مسلسل التفاعلات العالمية وما يطبعها من استقطاب الرساميل، لذا فإنه يجب أن يراعى في تدبير التسويق الترابي السهر على تأهيل الجماعات المحلية، وذلك بإظهار مالها من مؤهلات طبيعية، خاصة وأن المغرب يشهد تنوعا قل نظيره من شواطئ، غابات، جبال، شلالا، وواحات…؛ وتقنية كتوفر المطارات والموانئ، الطرق السيارة…؛ وكذلك العنصر البشري وتحديدا اليد العاملة النشيطة.

كما أن التسويق الترابي يتقاطع مع مفهوم الجماعة المقاولة من خلال: 

أولا: التشخيص الحقيقي لواقع التراب المحلي ومعرفة حاجيات وانتظارات المواطن الزبون، كما يجب عليها

 ثانيا: أن تأخذ موقفا إيجابيا للملتمسات، فهي مدعوة لوضع رقم أخضر أو موقع إلكتروني يسمح بتطوير سياسة القرب.*13*

 فبفضل التسويق الترابي تتحسن إمكانية التواصل داخل التراب المحلي الذي ينبغي تحقيق هدفين موضوعيين هدف خارجي (اقتصادي) يركز على تنمية الجماعات الترابية لجذب المستثمرين، وهدف داخلي (سياسي) يفسر ويشرع لعمل المجالس الجماعية. وهو بذلك يطال الذكاء الترابي للجماعة الترابية – الذي يعتبر بمثابة استراتيجية عمومية جماعية لدعم الإنتاج المشترك للتنمية الترابية بواسطة المقاولة – تستعمله كأداة للتحليل العملي من أجل تدبير جيد وتحسين عرض التراب، وهو أيضا آلية للإعلام الجغرافي، فيدخل إذن ضمن استراتيجية التنمية المحلية، ويتعلق الأمر بالتموقع الفعال للمجال المحلي داخل السوق الدولي لهدف جذب الاستثمارات الصناعية والسياحية والتجارية.*14*

ان تطوير التدبير الترابي و إخضاعه للمبادئ الحديثة للتدبير المعتمدة في القطاع الخاص يحتم على الجهة والجماعات الترابية اعتماد ما يعرف “بالتسويق الترابي”، الذي يهدف إلى إبراز مؤهلات ومميزات المجالات الترابية الاقتصادية والاجتماعية لجذب الاستثمارات و رؤوس الأموال. الأمر الذي يجعلها أكثر تنافسية وقادرة على تنفيذ التزاماتها وبرامجها التنموية. ويتطلب ذلك إعتماد مفاهيم السوق المعمول بها لبيع “المنتوج الاستهلاكي” و دفع الجماعات الترابية أن تتعامل مع ترابها “كمنتوج” يحتاج إلى تسويق لدى المستثمر، بما يجعله الإطار الأكثر إجرائية لتنفيذ السياسات العمومية الترابية. وذلك بناء على ما يتوفر عليه من خصائص و إمكانيات، الأمر الذي يساعد على وضع مخطط إستراتيجي تنموي وتشكيل شخصية أو “هوية” اقتصادية للجماعات، وخاصة مجالس الجهات التي نص قانونها التنظيمي في المادة 80 منه على من مهام الجهة “تحسين جاذبية مجالها الترابي وتقوية تنافسيته الاقتصادية”

وفي هذا السياق نصن المادة 80من القانون التنظيمي للجهات على أهمية اعتماد التدابير والإجراءات المشجعة للمقاولة ومحيطها والعمل على تيسير توطين الأنشطة المنتجة للثروة والشغل. 

وهكذا فان التسويق الترابي قد يمثل وسيلة هامة لتوفير موارد مالية هامة وتجاوز إشكالية ضعف الإيرادات الذاتية وضعف أو غياب التجهيزات و الخدمات العمومية الأساسية ومحدودية مساهمتها في التنمية المحلية.*15*

وهو ما يتطلب بذل جهود كبيرة من الجماعات الترابية وتحديدا مجالس الجهات على مستوى التخطيط التنموي و التنظيم الداخلي وتثمين الموارد، فإعداد مجالات تنافسية يستوجب قدرا هاما من حسن التنظيم وجودة التدبير و القدرة على التشخيص الحقيقي للحاجيات.

مما يحتم استحداث منظومات جهوية للمعلومات تستهدف الدقة والموثوقية، للإحاطة بمختلف المعطيات الاقتصادية والاجتماعية، بما يساعد المسؤولين الجهويين والمركزيين على اتخاذ القرار، حيث ان المعرفة المعمقة بالواقع تسهل عملية ايجاد الحلول الملاءمة.

كما أن منطق التسويق يفرض الانتقال من مجرد العمل على تقديم الخدمة للمواطن الى استهداف الجودة في ذلك، من خلال تحديث بنيات الاستقبال و تطوير آليات التواصل وتقديم المعلومة للمواطن، وهو معطى طبيعي اذا ما أرادت مجالس الجهات الانخراط في مسار عصرنة منظومة تدبيرها على غرار ما هو معمول به في القطاع الخاص.

4-5 – التقطيع الترابي :

اهتم الجغرافيون منذ عهد الحماية بمسألة التقطيع الترابي وعملوا وبالأخص التقطيع الترابي الجهوي وعملوا على تقسيم التراب المغربي إلى عدة جهات استنادا إلى معايير ومرجعيات جغرابية مختلفة تعكس في الواقع إشكالية التحديد المجالي الدقيق لحدود الجهات ومجالها الترابي ونذكر من هؤلاء الباحثين جون سليري هذا الباحث الذي قام بمراجعة التقسيم الذي اقترحه هاردي سنة 1922إذ أضاف جهتين جديدتين وسط المغرب وجبال الأطلس ليصل عدد الجهات إلى ثمانية ونجد كذلك الباحث رانيال الذي اقترح سنة 1952تقسيما جهويا مستمدا من نمط العيش فهذا الباحث حاول أن يوظف معطيات أعطيت فيها الأسبقية لمعايير تهيئة المجال القروي وتشكيل المشهد من هذا المنظور عرفت الجهة بكونها مجموع الظواهر البشرية التي ترتبط بعلاقات محددة داخل إطار مجالي .*16*

نجد كذلك بيغات في تحديد حدود الجهات الذي اعتمد على الاستقطاب الجغرافي فقد اعتمد على التجاذبات والإشعاعات والتدفقات التي تهيكل عبرها المدن مجالها الجهوي والمحلي بغية تحديد مجالات متجانسة وظيفيا وانتهى به المطاف إلى تقسيم التراب الوطني إلى تسع جهات .

مما سبق نستنتج على أنه بالرغم مع أن الباحثين الكولونياليين اهتموا بالتقسيم الجهوي انطلاقا من محددات مختلفة تبدو في أغلبها وبالرغم من واقعيتها يسيطر عليها منطق هيمنة الاستعمار المبني على الاستغلال والتفاوتات المجالية ،كل هذا جعل المغرب المستقل يرث مجالا جغرافيا تطبعه التفاوتات والتباينات بين المناطق التي رسمها الاستعمار .

إن التخلص من المغرب النافع والمغرب الغير النافع التي تبناها المستعمر في تعامله مع المجال باعتباره مجالا للتأطير القانوني والاقتصادي والاجتماعي كان الهدف منه الأساسي هو توحيد البلاد وضمان الاستقرار باعتباره مدخلا لإرساء أسس حديثة تسمح بمباشرة الإشكاليات التنموية .*17*

كل هذا جعل الدولة تراهن على إشكال التدبير المجالي لتنفيذ توجهاتها الاقتصادية والأمنية رغبة منها في فرض هبة الدولة ، وبعد الاقتناع بعدم قدرة الإقليم على تحقيق توازن مجالي واقتصادي واجتماعي انصب الاهتمام على التقسيم الجهوي سعيا وراء تصحيح الاختلالات التي تطبع التراب الوطني ،وكانت أشكال التقسيم الجهوي على الشكل التالي :*18*

– سنة 1971 تم تقسيم المغرب إلى تسع جهات وهي :

– الجهة الوسطى الشمالية

– الجهة الوسطى الجنوبية 

– الجهة الشرقية 

– جهة تانسيفت 

– الجهة الشمالية الغربية 

– الجهة الجنوبية 

 وقد اعتمد هذا التقسيم على المعايير التالية:

المعيار الديموغرافي 

المعيار الطبيعي 

معيار البنية التحتية 

 وقد تم تغييب المعيار التاريخي والاجتماعي 

أما التقسيم الجهوي لسنة 1997فقد تم تقسيم التراب الوطني إلى ستة عشر جهة واعتمد على المعايير التالية :

المعيار التاريخي 

المعيار البيئي 

معيار الاندماج الوطني والاقتصادي 

معيار الاستقطاب الجغرافي والتكامل الطبيعي 

 بالإضافة إلى البعد الاستراتيجي وقد تم تصنيف الجهات إلى خمسة مجموعات وهي:

المجموعة الأولى تضم خمسة جهات وهي وادي الذهب الكويرة ،العيون بوجدور الساقية الحمراء ،كلميم السمارة .

المجموعة الثانية وتضم خمسة جهات وهي :

جهة الغرب الشراردة بني احسن 

جهة الشاوية ورديغة 

جهة مراكش تانسيفت 

جهة سوس 

الجهة الشرقية 

3 – المجموعة الثالثة تتكون من :

جهة الدار البيضاء الكبري 

جهة الرباط- سلا –زمور زعير 

وتضم جهتين وهما :

جهة تازة- الحسيمة- تاونات 

جهة طنجة- تطوان 

وبعد الارتقاء لمستوى جماعة محلية في ظل دستور 1992 و1996 وصدر القانون التنظيمي للجهات 96.47 ونص على الاختصاصات الذاتية والمنقولة من طرف الدولة والاستشارية وتم التنصيص على موارد مالية للجهات لكن دستور 2011 جعلها مركز الصدارة بالنسبة للجماعات الترابية وحجر الزاوية في طور تكريس لامركزية متقدمة و تنمية ترابية ،ووفقا لأحكام الدستور الجديد يرتكز التنظيم الجهوي الذي يعتبر الإطار العام الذي ينظم اختصاصات الجهة ونظامها المالي على مايلي :

مبدأ التدبير الحر

التعاون والتضامن بين الجهات وفيما بينها وبين الجماعات الأخرى 

إشراك الجماعات في تدبير شؤونهم 

الرفع من مساهمة المواطنين في التنمية المندمجة المستدامة 

مساهمة الجهة في إعداد سياسات ترابية من خلال ممثليها في مجلس المستشارين 

تيسير مساهمة المواطنين والمواطنات من خلال آليات تشاركية للحوار والتشاور 

تمكين المواطنين من تقديم العرائض وجمعيات المجتمع المدني من تقديم ملتمســات في مجال التشريع 

كما تمت دسترة صندوق التضامن بين الجهات وتجاوز التوزيع غير المتكافئ للموارد قصد تقليص الفوارق الاجتماعية والترابية وكذا التفاوت بينهما طبق للفصل 142 من الدستور .

وقد تم تقسيم التراب الوطني في سنة 2011 الى 12 جهة وهي :

جهة الرباط –سلا –القنيطرة 

جهة الدار البيضاء –سطات 

جهة مراكش –تانسيفت 

جهة كلميم –واد نون 

جهة تطوان –الحسيمة 

جهة الشرق 

جهة فاس –مكناس 

جهة درعة –تافيلالت 

-جهة سوس –ماسة 

جهة العيون –الساقية الحمراء 

جهة الداخلة وادي الذهب 

5-اكراهات تنزيل أهداف التنمية الترابية :

يستأثر هذا الموضوع باهتمام خاص من قبل جميع الدول المتقدمة والنامية على حد سواء ،باعتباره القاعد الاساسية لكل تنمية ترابية حقيقية .

ويشكل قرار اعتماد الجهوية في المغرب في تدبير الفعل العمومي تطورا كبيرا ومؤشرا دالا على إعادة تغيير بنية الدولة ،وقد بداالاختيار الجهوي بالمغرب كأساس للتنظيم الترابي خلال عدة محطات كان أبرزها نظام الجهات الاقتصادية لسنة 1971،حيث كانت الرغبة في إحداث جهوية ذات هياكل تشريعية وتنفيذية هي السائدة ،دون أن ننسى أن الانتقال من الجهة من مجرد وحدة ذات بنية إدارية الى وحدة تنموية تعكس تصورا جديدا لدورها كجماعة ترابية في حل إشكالية التنمية المحلية باعتبارها الفضاء الجغرافي الأنسب والتنظيم الغداري الفعال في تدعيم الحكامة المحلية ،ويعتبر برنامج التنمية الجهوية أحد أسس و مرتكزات الجهوية المتقدمة بالمغرب باعتبارها وثيقة تعمل على تشخيص استراتيجي للتراب وتستشرف المسقبل المأمول والممكن للمجال الترابي الجهوي أخذا بعين الاعتبار إمكانيات وإكراهات المجال ، وأن هاته الوثيقة تستطيع تخطيط المسبق وتحديد مختلف السيناريوهات الممكن استغلالها مع إعطاء تصورات حول الانتقال نحو التغيرات والتحولات 

وتعتبر الجماعات الترابية أحد أسس العملية التنموية وذلك بحكم قربها من الساكنة والأدوار التمثيلية التي يمثلها المنتخبين نيابة عن الساكنة *19*

وبالنظر إلى الأدوار التي يمثلها المنتخبون فإنه إجمالا يمكن إبراز أهداف التنمية الترابية في الأهداف التالية :

– تحقيق العدالة المجالية

– الحد من الهجرة القروية من الأرياف إلى المدن 

– تحقيق اللا تمركز الإداري وخلق مناطق جذب سكاني 

– زيادة القدرة المالية للهيئات المحلية مما يساهم في استقلالها وتحقيق مبدأ التدبير الحر 

– تكثيف أواصر التعاون والشراكة بين الجماعات الترابية 

خلق مشاريع وفق تشخيص ترابي مجالي جهوي مبني على التخطيط والحكامة الترابية 

– التنسيق الإداري وخلق التقائية بين جميع الفاعلين المحليين المتدخلين في المجال الترابي الجهوي 

– خلق قيادات محلية قادرة على الترافع وفق مبادئ التسويق الترابي 

– جذب استثمارات صناعية واقتصادية للمناطق والمجتمعات المجالية 

– التسويق الترابي للمجال المحلي والإقليمي والجهوي 

محاربة التفاوتات المجالية عبر مبدأالعدالة التوزيعية المبنية على اللاتمركز الإداري 

وقد أكد لنا الدستور في الفصل 136ملامح التنظيم الجهوي الترابي التي يجب أن ترتكز على مبادئ التدبير الحر والتضامن. *20*

لكن بالنظر الى واقع حال الجماعات الترابية بالمغرب فإنه منذ تعزيز إصلاح النظام اللامركزية في المغرب بموجب دستور 2011فإن التطورات التي عرفها التنظيم الجهوي عرفت مجموعة من الاختلالات والمعيقات التي حالت دون نهج سياسة إعداد ناجحة وفعالة في التدبير ،وإذا كانت مختلف التفاوتات المجالية كانت بسبب التقطيع الترابي الذي يأتي في مقدمة الاختلالات ،فإن متطلبات التنمية الجهوية يجب ان تعتمد على مقاربة دقيقة لحل المشاكل الجهوية والمحلية كما ان هناك عدة آليات لتحقيق التنمية الترابية والجهويةويمكن إجمالها فيما يلي :

– التعاون كآلية لتحقيق التنمية الترابية والجهوية 

– تعزيز الديمقراطية المحلية 

وعلى الرغم من العديد من المبادئ والآليات إلا أن هناك العديد من الاكراهات مازالت تعترض التدبير الجهوي بالمغرب ولعل اهمها :

– ضعف الموارد المالية المخصصة للجهة 

– الإنفاق العشوائي والتبذير المالي لايخذم التنمية المحلية 

– هيمنة الرؤية القطاعية المركزية 

– اشكالية النخب السياسية التي تظل من ابرز الإشكاليات الجوهرية التي تواجه الجهوية المتقدمة 

– هيمنة قيم القرابة والقبيلة وسيادة المحسوبية والبرقطة والمحاباة والوساطة 

– غياب اليات التتبع والمراقبة القانونية 

– غياب ا

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى
error: المحتوى محمي !!