بوحمرون في المغرب بين صمت المسؤولين وتفاقم الأزمة الصحية
حكيم السعودي
تفاقم انتشار مرض بوحمرون في المغرب أثار قلقاً متزايداً بين المواطنين خاصة مع تصاعد الحالات في عدة مناطق وسط صمت الجهات المعنية والمسؤولة. هذا المرض الذي يعتبر من الأمراض الفيروسية الخطيرة كان قد شهد تراجعاً ملحوظاً بفضل جهود التلقيح خلال العقود الماضية لكن عودته تثير تساؤلات حول كفاءة النظام الصحي ومدى استعداده لمواجهة مثل هذه الأزمات.بدأت الظاهرة بالظهور تدريجياً في المناطق النائية التي تعاني من غياب البنية التحتية الصحية وضعف التغطية بالتلقيحات الأساسية للأطفال حيث تجد الأسر في تلك المناطق نفسها عاجزة عن الوصول إلى الخدمات الصحية الضرورية في وقت تزداد فيه الشائعات حول مخاطر اللقاحات مما أدى إلى تراجع نسب التلقيح وترك الأطفال عرضة للإصابة.و يعكس المشهد العام حالة من التخبط واللامبالاة،ك حيث لا وجود لخطة وطنية واضحة تعالج الظاهرة بشكل جذري.
على الصعيد الرسمي تبدو الصورة غامضة اما وزارة الصحة المعنية الأولى بالتصدي للأمر لم تصدر بيانات كافية أو شفافة حول الوضعية الراهنة،و غياب المعلومات الدقيقة وحملات التوعية أدى إلى تفاقم حالة القلق بين المواطنين،ك بينما يستمر المرض في الانتشار دون مؤشرات واضحة على وجود تدخل عاجل.و الجهات المنتخبة التي من المفترض أن تكون صوت المواطن في مثل هذه الأزمات اكتفت بدورها بالمراقبة من بعيد دون تقديم مبادرات حقيقية على أرض الواقع.
اثار في جلسة برلمانية حديثة أحد البرلمانيين الموضوع موجهاً تساؤلاته إلى وزير الصحة حول غياب استراتيجية وطنية واضحة لمحاصرة المرض ومنع انتشاره. هذا التساؤل يعكس شعوراً عاماً بالإحباط من الأداء الرسمي حيث أشار البرلماني إلى أن المناطق النائية التي تعد الأكثر تضرراً تعاني من إهمال مستمر يجعل سكانها في مواجهة مباشرة مع المرض دون أي دعم.الأسر المتضررة تعيش بين ألم الفقد والخوف من المستقبل ،و في بعض الحالات أودى المرض بحياة أطفال لم يتلقوا اللقاحات الأساسية بينما تواجه عائلاتهم صعوبات مالية تجعلها عاجزة عن تغطية تكاليف العلاج.ان الوضع الراهن يكشف عن هشاشة المنظومة الصحية وافتقارها إلى العدالة في التوزيع الجغرافي للخدمات. أما من الناحية الاقتصادية فإن انتشار المرض يزيد من الضغط على القطاع الصحي المنهك أصلاً مع تزايد الحاجة إلى الأدوية والموارد البشرية لمعالجة المصابين، هذه الأعباء الإضافية كان يمكن تجنبها لو تمت مواجهة الظاهرة في بداياتها عبر برامج تلقيح شاملة وإجراءات وقائية فعالة. لكن غياب التخطيط الاستراتيجي ترك الباب مفتوحاً أمام المرض للتوسع، ليصبح أزمة وطنية تهدد الصحة العامة.رغم كل هذه المؤشرات المقلقة يبقى الأمل معقوداً على تدارك الوضع قبل أن يتحول إلى كارثة صحية.و الحاجة أصبحت ملحة إلى حملات تلقيح شاملة تنطلق من المناطق الأكثر تضرراً مع تعزيز التوعية المجتمعية حول أهمية التلقيح ودحض الشائعات المنتشرة. كما أن تحسين البنية التحتية الصحية وضمان توزيع عادل للخدمات الطبية يجب أن يكونا أولوية وطنية في المرحلة القادمة.
بوحمرون ليس مجرد مرض عابر بل اختبار حقيقي لقدرة الدولة على حماية صحة مواطنيها وضمان حقهم في العيش بكرامة،و استمرار الصمت أو التعامل البطيء مع الوضع قد تكون عواقبه وخيمة، ليس فقط على المصابين بل على النظام الصحي ككل الذي سيجد نفسه في مواجهة تحديات أكبر مستقبلاً.وفي ظل غياب تدخل فعّال وواضح من الجهات المسؤولة يبقى التساؤل قائماً حول مدى استعداد المنظومة الصحية لمواجهة تحديات مشابهة في المستقبل. إن استمرار صمت المسؤولين يفتح المجال أمام تفاقم الظاهرة حيث يتزايد عدد الإصابات بشكل يومي دون أي مؤشرات على وجود استراتيجية طارئة لاحتواء المرض. هذا الصمت لا يعكس فقط غياب الشفافية بل يعكس أيضاً غياب رؤية شمولية لحماية صحة المواطنين خاصة في المناطق النائية التي تفتقر إلى أبسط مقومات الرعاية الصحية.
المجتمع المدني الذي كان دائماً ركيزة أساسية في مواجهة الأزمات يبدو في هذه المرة عاجزاً عن التدخل بسبب نقص الموارد والوسائل. الجمعيات المحلية التي كانت تقدم خدمات صحية وتوعوية في الماضي أصبحت مثقلة بالمسؤوليات في ظل غياب دعم حقيقي من السلطات. هذه الفجوة تبرز الحاجة الملحة إلى تعزيز الشراكة بين الدولة والمجتمع المدني لتوحيد الجهود وضمان وصول الخدمات الصحية إلى الفئات الأكثر هشاشة.على الجانب الآخر تعيش الأسر المتضررة في قلق مستمر غير قادرة على مواجهة هذا الوباء بمفردها. هذه المعاناة اليومية تعكس ضعف السياسات الصحية التي غالباً ما تركز على المدن الكبرى وتتجاهل القرى والمناطق المهمشة. فكيف يمكن لدولة تطمح إلى تحقيق تنمية شاملة أن تتجاهل الأساسيات التي تشكل حجر الزاوية لأي تقدم، وهي صحة المواطن؟
إن مواجهة بوحمرون تتطلب ما هو أكثر من مجرد تصريحات إعلامية أو جلسات برلمانية عابرة.ك،و المطلوب هو خطة وطنية شاملة تعالج أصل المشكلة وتضع حداً لتكرار مثل هذه الأزمات. هذه الخطة يجب أن تشمل تعزيز برامج التلقيح و توفير خدمات صحية متساوية لجميع المواطنين وإطلاق حملات توعية فعالة لمكافحة الشائعات والمعلومات الخاطئة.من المهم أن يدرك المسؤولون أن صحة المواطن ليست قضية هامشية أو مؤجلة بل هي جوهر التنمية، وأي تأخير في اتخاذ الإجراءات اللازمة سيؤدي إلى خسائر لا يمكن تعويضها سواء على المستوى البشري أو الاقتصادي.
“بوحمرون” ليس فقط مرضاً فيروسياً بل هو مرآة تعكس واقع المنظومة الصحية والسياسات العامة في البلاد،و الحل ليس مستحيلاً لكنه يتطلب إرادة حقيقية من الجميع بداية من الجهات الرسمية مروراً بالمجتمع المدني، وصولاً إلى الأفراد الذين يجب أن يكونوا جزءاً من الحل عبر الالتزام بالتلقيح والتوعية.إن استمرار الصمت لا يعني سوى تضخيم الأزمة وإطالة أمد المعاناة.و المطلوب الآن هو تحرك سريع وشامل يعيد الثقة للناس ويؤكد أن صحة المواطن ليست مجرد شعار،ك بل مسؤولية وطنية على الجميع تحملها.