المسؤولية القانونية للمؤطرين داخل المخيمات الصيفية بين النصوص القانونية وواقع التطبيق

إعداد: حكيم السعودي
*مقدمة*
تشكل المخيمات الصيفية فضاءات تربوية وترفيهية تستقبل آلاف الأطفال والشباب سنوياً وتُعد فرصة ثمينة لبناء الشخصية وتعزيز قيم المواطنة والانفتاح والتواصل غير أن هذه الفضاءات ليست دائماً آمنة كما يُفترض خصوصاً في ظل وجود مؤطرين أو مسؤولين يفتقرون إلى الوعي القانوني والتربوي بمسؤولياتهم. وفي غياب التكوين المستمر والمراقبة الفعالة من طرف الجمعيات المنظمة قد تتعرض فئات من الأطفال لأضرار جسدية أو نفسية نتيجة الإهمال أو سوء المعاملة ما يفتح الباب أمام مساءلة قانونية وأخلاقية حقيقية.
*أولاً: الإطار القانوني لمسؤولية المؤطرين داخل المخيمات*
ينص الفصل 85 مكرر من قانون الالتزامات والعقود المغربي على أن موظفي التربية، بما فيهم مؤطرو المخيمات مسؤولون عن الأضرار التي يتعرض لها الأطفال أثناء فترة خضوعهم لرقابتهم. وهذه المسؤولية تقوم بمجرد إثبات الإخلال بواجب الرقابة، ما لم يثبت المؤطر أنه قام بكل ما يلزم من عناية وانتباه.
*1.الدولة كمسؤول مدني بديل*
يحمل القانون الدولة المسؤولية المدنية نيابةً عن المؤطرين والموظفين العموميين بحيث تُقام الدعوى ضد الدولة مع احتفاظها بحق الرجوع على الموظف إذا ثبت وجود خطأ شخصي جسيم.
*2.نطاق تطبيق الفصل 85 مكرر*
يشمل هذا الفصل كافة المتدخلين في العملية التربوية داخل المخيمات سواء كانوا مؤطرين، ممرضين، مدربين أو مسؤولين إداريين طالما أن العلاقة التربوية قائمة،+ والفعل الضار وقع أثناء فترة الرقابة.
*3. الخطأ في الرقابة كأساس للمسؤولية*
يقوم هذا النوع من المسؤولية على إثبات وجود تقصير في الرقابة، أي عدم اتخاذ الإجراءات الاحترازية اللازمة، وهو ما يقع عبء إثباته على المتضرر أو وليه الشرعي.
*ثانياً: تجاوزات ميدانية وسلوكات لا تربوية داخل بعض المخيمات*
رغم وضوح النصوص القانونية ووجود مرجعيات تربوية واضحة فإن الواقع يشهد اختلالات جسيمة منها ما يرتقي إلى مستوى العنف أو الإهمال أو الاستغلال. نذكر من بينها:
*الامتناع عن الأكل أو رفض الذهاب إلى المرحاض*: يعاني بعض الأطفال من الإمساك المزمن أو حالات نفسية تجعلهم يرفضون التوجه إلى المرافق الصحية دون أن يتم التعامل معهم بطريقة تراعي وضعهم النفسي أو الصحي ما يضاعف معاناتهم.
*التعنيف المتبادل بين الأطفال*: دون تدخل تربوي فعال أو آليات حل النزاعات قد يتطور سلوك بعض الأطفال إلى عنف ضد أقرانهم، وهو ما يتطلب يقظة تربوية متخصصة.
*تدخين المدربين أمام الأطفال*: يُعتبر ذلك سلوكاً مضراً يُشكل قدوة سيئة للأطفال ويخالف قواعد الصحة العامة ويضرب في عمق الرسالة التربوية للمخيم.
*استغلال أدوات التجميل الخاصة بالأطفال*: تلجأ بعض المدربات إلى استخدام أدوات أو مستحضرات تخص الأطفال من الإناث وهو سلوك غير مهني يثير تساؤلات حول احترام الخصوصية وحدود العلاقة التربوية.
*التحرش الجنسي أو الإيحاءات غير الأخلاقية*: رغم التكوينات والبرامج الوقائية ما زالت تُسجل حالات تتطلب حزمًا ومسؤولية قانونية صارمة.
*العنف الجسدي واللفظي*: بعض المؤطرين يعتقدون أن الصراخ أو الضرب وسيلة لضبط النظام متناسين أن هذه الأساليب تشكل اعتداءات صريحة ومجرَّمة.
*هروب الأطفال من المخيم*: والذي يُعد مؤشراً خطيراً على الإحساس بعدم الأمان أو عدم الانسجام داخل المخيم ويتحمل فيه المؤطرون والإدارة مسؤولية مضاعفة
*ثالثاً: المقاربة التربوية والنفسية للمسؤولية*
لا ينبغي التعامل مع مسؤولية المؤطرين فقط من الزاوية القانونية بل يجب إدماج مفاهيم من علوم التربية وعلم النفس التربوي والصحة النفسية. فقد أشار “ماسلو” إلى أهمية تلبية الحاجات الأساسية للطفل في بيئة تربوية آمنة واعتبر أن الأمن النفسي شرط أساسي لتحقيق النمو الشخصي كما أن النظريات السلوكية تؤكد على دور القدوة في تشكيل سلوك الطفل، ما يجعل سلوك المؤطر عاملاً حاسماً في بناء أو تهديم شخصية الطفل.
إن غياب الحس التربوي والجهل بأساسيات التواصل التربوي الإيجابي يؤديان إلى تدهور العلاقة التربوية، ما قد يُحوّل المخيم إلى بيئة منفرة بدلاً من أن تكون محفزة.
*رابعاً: الإطار القانوني الموسع للمساءلة*
لا يقتصر الأساس القانوني على *الفصل 85* مكرر فقط بل يتسع ليشمل:
*الفصل 77 من قانون الالتزامات والعقود*: “كل فعل يرتكبه الإنسان عن بينة واختيار ومن غير أن يسمح به القانون فيضر بغيره، يُلزم مرتكبه بتعويض الضرر…”
*الفصل 78:* “كل شخص مسؤول عن الضرر المعنوي أو المادي الذي أحدثه لا بفعلِه فقط ولكن بخطئه أو بإهماله أو عدم تبصره.”
*الفصل 400 من القانون الجنائي*: يجرم العنف ضد الأطفال ويشدد العقوبة إن تعلق الأمر بقاصر تحت رعاية المعتدي.
اتفاقية حقوق الطفل التي صادق عليها المغرب سنة 199، وتقر بحق الطفل في الحماية من العنف والإهمال والاستغلال.
*خامساً: الدعوى المدنية ومساطر التعويض*
يمكن للمتضرر أو أوليائه اللجوء إلى القضاء على أساس إثبات ثلاثة عناصر:
*1.وجود خطأ في الرقابة*.
*2. حدوث ضرر فعلي.*
*3. علاقة سببية بين الخطأ والضرر*.
وتسقط هذه الدعوى بالتقادم بعد مرور ثلاث سنوات كما ينص الفصل 106 من قانون الالتزامات والعقود.
*سادساً: التوصيات من أجل حماية فعالة للأطفال داخل المخيمات*
1.إخضاع جميع المؤطرين لتكوين إجباري في القانون و الجانب التربوي، علم النفس التربوي، وحقوق الطفل.
2.إحداث لجنة يقظة داخل كل مخيم تضم متخصصين في التربية، الصحة النفسية(طلاب كلية علوم التربية) وممثلين عن أولياء الأمور.
3.اعتماد ميثاق أخلاقي للمخيمات يُوقع عليه جميع المتدخلين.
4.تشديد العقوبات الإدارية والتأديبية بحق من يثبت تورطه في الإهمال أو العنف أو أي سلوك لا تربوي.
5.توفير قنوات سرية وآمنة لتشجيع الأطفال على التبليغ.
*خاتمة*
إن حماية الأطفال داخل المخيمات ليست مسؤولية ظرفية بل التزام مجتمعي وأخلاقي وقانوني دائم. المؤطر ليس مجرد مرافِق، بل هو حامل لرسالة نبيلة تتطلب منه الوعي، الإخلاص والالتزام. إن أي تقصير في هذا الباب لا يُعد فقط إخلالاً بالواجب بل جريمة أخلاقية وقانونية قد تؤثر على مستقبل طفل بأكمله. لذلك فإن إدماج التربية القانونية، علم النفس ومبادئ حقوق الإنسان داخل منظومة التكوين والتأطير هو الضامن الأنجع لبناء مخيمات آمنة تُنبت مواطنين أصحاء نفسياً، واثقين في محيطهم ومنتمين لقيمهم ومجتمعهم.