تنامي ظاهرة التشرميل في المغرب والتعاون بين السلطات والجماعات المحلية يمكنه تعزيز جهود مكافحتها
ظاهرة التشرميل في المغرب تمثل تصاعدًا مقلقًا للعنف، خاصة داخل المؤسسات التعليمية وفي الفضاءات العامة، حيث يتباهى بعض الشباب، من فتيان وفتيات، بأفعال إجرامية عبر شبكات التواصل الاجتماعي، مستعرضين أسلحة بيضاء ومسروقات مثل أموال وهواتف وهوية وعلامات تجارية، إضافة إلى مخدرات ومشروبات كحولية.

المشرملون ينتمون إلى مختلف الطبقات الاجتماعية، من أبناء الميسورين والفقراء، ويستخدمون موسيقى الراي والراب والهيب هوب ولغة خاصة بهم للتعبير عن تمردهم وإثبات وجودهم. هذه الظاهرة تثير قلقًا أمنيًا واجتماعيًا، وتستدعي تدخلات أمنية وتعليمية وثقافية للحد من آثارها السلبية.
يرى المختصون أن التشرميل يعكس إقصاءً اجتماعياً مرتبطًا بالبطالة وضعف التعليم، إضافة إلى تراجع دور الأسرة والمؤسسات التربوية والثقافية، مما يولد فراغًا أخلاقيًا يدفع الشباب نحو العنف والتباهي بالجريمة. المقاربة الأمنية وحدها غير كافية، ويجب تعزيز الحلول التربوية والاجتماعية والثقافية لمواجهة جذور الظاهرة.
تنتشر ظاهرة التشرميل بشكل واضح في عدة مدن مغربية، مما ينعكس على شعور المواطنين بانعدام الأمن ويثير تساؤلات حول جدوى الإجراءات الحكومية الحالية في مواجهتها.
ظاهرة التشرميل تؤثر على المجتمع المغربي من الناحية الاجتماعية والثقافية بعدة طرق سلبية، أبرزها:
إضعاف مناعة المجتمع: التشرميل يعبر عن حالة إحباط وتذمر لدى الشباب، ما يؤدي إلى انتشار العنف والجريمة التي تضعف التماسك الاجتماعي وتزيد من شعور عدم الأمان بين المواطنين.
تدهور القيم الاجتماعية: الظاهرة تعكس انحطاطًا أخلاقيًا، حيث يتبنى المشرملون سلوكيات عدوانية وتباهيًا بالجريمة، مما يؤثر على القيم التقليدية ويخلق بيئة من الفوضى والتحدي للمؤسسات.
تمزيق النسيج الثقافي: المشرملون يخلقون ثقافة فرعية خاصة بهم تشمل لغة وموسيقى خاصة (كالراي والهيب هوب)، ويرتدون ملابس مميزة ويظهرون مظاهر التباهي، ما يساهم في انفصالهم عن الثقافة المغربية الأصيلة ويعزز التمرد الاجتماعي.
تأثير على الهوية الوطنية: الظاهرة مرتبطة بغياب دور الأسرة والمدرسة والبيئة الاجتماعية في التنشئة السليمة، مما يؤدي إلى فقدان الهوية الثقافية وتنامي الشعور بالاغتراب لدى الشباب.
تفاقم الإحساس بالانقسام الاجتماعي: انتشار التشرميل بين مختلف الطبقات الاجتماعية، من الفقراء إلى أبناء الميسورين، يبرز أزمة اجتماعية عميقة تعكس فشل السياسات الاجتماعية والثقافية في احتواء الشباب.
باختصار، التشرميل يهدد الاستقرار الاجتماعي والثقافي في المغرب عبر تعزيز العنف، تآكل القيم، وخلق ثقافة موازية تنفصل عن المجتمع التقليدي، مما يستدعي تدخلات شاملة تشمل التربية، الأمن، والثقافة لمعالجة جذور الظاهرة.
وفي هذا الصدد ،اتخذت السلطات المغربية ،بأمر من الملك محمد السادس، وفق بلاغ لوزارة الداخلية سنة 2014، إبان عهد الوزير محمد حصاد، والوزير المنتدب لديه، الشرقي الضريس، عقد جلسات عمل بمختلف جهات المملكة مع الولاة والعمال ورجال السلطة بمختلف أسلاكها لدراسة الوضعية الأمنية بالبلاد، بهدف اتخاذ الإجراءات اللازمة لضمان أوفر لسلامة المواطنين وممتلكاتهم”.عدة إجراءات لمكافحة ظاهرة التشرميل التي انتشرت في عدة مدن كبرى، وخاصة الدار البيضاء، وتشمل هذه الإجراءات:
تعزيز التدخلات الأمنية: كثفت المديرية العامة للأمن الوطني من حملات ميدانية واسعة، أسفرت عن اعتقال عشرات الآلاف من المشتبه بهم خلال الأشهر الأولى من السنة، مع زيادة ملحوظة في عدد الموقوفين في حالة تلبس بارتكاب جرائم مختلفة، مما يعكس تصعيدًا في جهود الأمن لمواجهة الظاهرة.
زيادة الدوريات الأمنية: تم تعزيز الدوريات في المناطق التي تشهد اعتداءات متكررة، بهدف ردع المشرملين وتأمين سلامة المواطنين، مع مطالبة بعض الجهات الأمنية بالسماح باستخدام السلاح في الحالات التي تستدعي ذلك لحماية الأرواح.
المتابعة البرلمانية: أثارت الظاهرة نقاشًا داخل البرلمان المغربي، حيث طالبت برلمانية من حزب الأصالة والمعاصرة وزير الداخلية باتخاذ إجراءات عاجلة وفورية لمحاربة التشرميل وحماية المواطنين من الاعتداءات.
مراجعة السياسة الجنائية: هناك دعوات لمراجعة القوانين الجنائية المتعلقة بهذه الظاهرة لتعزيز الردع القانوني، بما يتناسب مع خطورة الجرائم المرتبطة بالتشرميل.
التوعية والتدخل الاجتماعي: رغم أن الجانب الأمني هو الأبرز، إلا أن هناك إدراكًا لضرورة التعامل مع الأسباب الاجتماعية والثقافية للظاهرة، مثل الإقصاء والبطالة، عبر برامج توعوية وتربوية.
هذه الإجراءات تشكل جزءًا من استراتيجية شاملة لمواجهة التشرميل، تجمع بين الحزم الأمني والتدخلات الاجتماعية، في محاولة لاستعادة الأمن والاستقرار في المناطق المتضررة.
ويمكن للتعاون بين السلطات المغربية والجماعات المحلية أن يعزز بشكل كبير جهود مكافحة ظاهرة التشرميل من خلال:
تنسيق أمني محكم: تفعيل دور الولاة والعمال ورجال السلطة المحلية في التنسيق بين مختلف المصالح الأمنية لضمان استجابة سريعة وفعالة للوقائع الإجرامية، مما يرفع من نجاعة السياسة الأمنية ويعزز الشعور بالأمن لدى المواطنين.
تبادل المعلومات ومتابعة ميدانية: التعاون المستمر بين الأجهزة الأمنية والسلطات المحلية يتيح رصدًا دقيقًا للمناطق الساخنة، وتنظيم حملات ميدانية مشتركة تستهدف المشرملين، كما حدث في عدة جهات مثل الدار البيضاء الكبرى.
التدخل الاجتماعي والثقافي: الجماعات المحلية قادرة على تنفيذ برامج توعوية وتربوية تستهدف الشباب، بالتنسيق مع السلطات الأمنية، لمعالجة الأسباب الاجتماعية والاقتصادية التي تغذي الظاهرة، مثل البطالة والإقصاء الاجتماعي.
تعزيز دور الإدارة الترابية: عبر تفعيل اختصاصات الولاة والعمال وفق الدستور والظهير الشريف، مما يضمن مسؤوليتهم المباشرة في الحفاظ على النظام العام ومتابعة تنفيذ الإجراءات الأمنية والاجتماعية على الأرض.
تحسين الخدمات المحلية: من خلال تنظيم المجال الحضري وتوفير فرص الشغل والأنشطة الثقافية والرياضية، مما يقلل من الفراغ الذي يستغله المشرملون في مناطق نفوذ الجماعات المحلية.
لنخلص إلى أن التعاون بين السلطات الأمنية والجماعات المحلية يشكل ركيزة أساسية في استراتيجية شاملة لمكافحة التشرميل، تجمع بين الحزم الأمني والتدخل الاجتماعي، وتحقق استقرارًا أمنيًا واجتماعيًا مستدامًا.