رأيسياسة

تجديد النخب السياسية المغربية: مفتاح المستقبل الديمقراطي والتنموي للمغرب

التحديات الراهنة والحلول الممكنة لإعادة بناء نخبة وطنية قادرة على قيادة التغيير

تشهد الساحة السياسية المغربية اليوم حالة من الإحباط تجاه النخب الحزبية الحالية، التي لا ترقى في نظر كثيرين إلى مستوى النخب السياسية التاريخية التي عرفها المغرب عبر مراحل مختلفة من تاريخه السياسي. فقد مثلت أسماء بارزة مثل علال الفاسي، عبد الرحيم بوعبيد، عبد الله ابراهيم، وعبد الرحمان اليوسفي رموزًا للوعي السياسي والمشروع الوطني، بينما تبدو النخب المعاصرة أقل قدرة على تقديم رؤية واضحة أو ممارسة سياسية مسؤولة.

📍أزمة النخب بين النظرية والواقع
من الناحية النظرية، تؤكد النظرية النخبوية التي أسسها فيلفريدو باريتو وروبرت ميشلز على أن النخب هي الفئة التي تسيطر على السلطة وتدير شؤون المجتمع، ولا يمكن الاستغناء عنها. إلا أن النخب المغربية الحالية تفتقر إلى الشروط الأساسية التي تحدد النخبة الحقيقية، سواء من حيث التكوين السياسي أو الثقافة السياسية أو حتى المشروع السياسي الواضح. وتعكس الممارسات السياسية الراهنة واقعًا يعاني من الانقسامات الحزبية، الولاءات الشخصية، الزبونية، والاعتماد على المال الانتخابي، مما يكرس أزمة في جودة النخب السياسية ويضعف فرص بناء ديمقراطية حقيقية.

📍واقع النخب الحزبية المعاصرة
تتسم الساحة السياسية المغربية اليوم بحركة نشطة تحضيرية للانتخابات المقبلة، حيث تسعى الأحزاب إلى ترتيب بيوتها الداخلية وتجديد النخب، كما هو الحال في أحزاب الاستقلال، الحركة الشعبية، والتقدم والاشتراكية. غير أن تجديد النخب لا يقتصر على استقطاب الشباب فقط، بل يتطلب تعزيز الكفاءة والاستحقاق، وهو ما لا يزال يواجه عقبات بسبب النظام التعليمي، ثقافة الشرعية التاريخية، وتأثير المال والسلطة.
ويعكس الواقع السوسيولوجي تحولات في بنية النخب المحلية، حيث برز نموذج “المنتخب المقاول” الذي يستغل السياسة لحماية مصالحه الاقتصادية، في مقابل تهميش المثقف، مما يعمق منطق الزبونية والفساد ويضعف الديمقراطية المحلية. كما أن ضعف الديمقراطية الداخلية للأحزاب وغياب الشفافية في تمويلها يزيد من أزمة الثقة بين المواطنين والنخب السياسية.

📍الحاجة إلى إصلاحات جوهرية
في ضوء هذه المعطيات، تبدو الحاجة ملحة لإعادة النظر في طبيعة النخب السياسية المغربية، عبر تعزيز الكفاءة، الثقافة السياسية، والالتزام بمشروع وطني حقيقي، بعيدًا عن الولاءات الضيقة والممارسات الزبونية التي تعيق تطور المشهد السياسي. كما يتطلب الأمر إصلاحات داخلية للأحزاب السياسية لتعزيز الديمقراطية الداخلية والشفافية، مما يسهم في بناء نخبة سياسية قادرة على قيادة التغيير وتحقيق تطلعات المواطنين.
يؤكد بعض الفاعلين السياسيين على ضرورة اعتماد نموذج حزبي جديد يواكب تطور وعي المجتمع المغربي، ويعتمد على نخب قادرة على تقديم حلول واقعية وبرامج تحترم ذكاء المواطن، بعيدًا عن الخطاب العاطفي والشعارات الفارغة. ويُعد النموذج التنموي للأقاليم الجنوبية مثالًا ناجحًا للنهوض بالمشاركة المحلية والحوكمة الرشيدة.

وختاما نخلص إلى أن النخب السياسية تبقى حجر الزاوية في بناء أي نظام ديمقراطي ناجح، والمغرب أمام تحدٍ كبير لإعادة بناء هذه النخب بما يتناسب مع متطلبات المرحلة الجديدة من التنمية السياسية والاجتماعية. يتطلب ذلك تبني آليات جديدة تشجع مشاركة الشباب والكفاءات الجديدة، وتعزز من الديمقراطية الداخلية والشفافية داخل الأحزاب، لضمان مشاركة سياسية أوسع وتحقيق تطلعات المواطنين في ظل تحولات سياسية واجتماعية عميقة.
إن تجديد النخب السياسية المغربية ليس خيارًا بل ضرورة ملحة لضمان استقرار النظام السياسي وتطويره، وتحقيق التنمية الشاملة التي ينشدها المجتمع المغربي في المستقبل القريب.

اظهر المزيد

حميد فوزي

رئيس التحرير
زر الذهاب إلى الأعلى
error: المحتوى محمي !!