عام الحسم في نزاع الصحراء: بين الأزمات الداخلية والمقترح المغربي للحكم الذاتي كحل نهائي
زيارة إبراهيم غالي إلى الجزائر وتداعياتها على المخيمات وقمع النشطاء في ظل دعم دولي متزايد للمبادرة المغربية

شهدت الساحة السياسية بالجزائر وتندوف ،تطورات متسارعة ومتوترة، تجسدت في استقبال الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون لزعيم جبهة البوليساريو إبراهيم غالي في الجزائر العاصمة، بعد وصوله على متن طائرة رئاسية قادمة من مطار تندوف.
هذا الحدث الرسمي، الذي تميز بحفاوة ظاهرة على السطح، أثار جدلاً واسعاً على منصات التواصل الاجتماعي، خاصة بعد تداول تسجيل صوتي خلال رحلة عودته إلى المخيمات، أظهر غالي جالسًا في الدرجة الاقتصادية دون مظاهر بروتوكولية أو حماية، مع علامات واضحة على الإحباط والتذمر، مما أثار تساؤلات حول طبيعة اللقاء ومدى ودّيته.
وأشار ناشطون صحراويون إلى أن غالي بدا مشتت الذهن ومتجنبًا التفاعل مع الركاب، ما دفع إلى التكهن بأن اللقاء مع الرئيس تبون لم يكن ودياً، وربما تخلله توبيخ على خلفية الأحداث الأخيرة في مخيمات تندوف. هذه الأحداث شهدت اشتباكات عنيفة استخدم فيها تجار مخدرات الرصاص الحي، إلى جانب تصاعد مشاعر الاستياء تجاه الجيش الجزائري الذي اعتقل عدداً من شباب المخيمات العاملين في التنقيب عن المعادن النفيسة، ما يعكس حالة توتر داخلية متزايدة.
تتزامن هذه التطورات مع تصاعد الاحتجاجات وأعمال العنف داخل المخيمات الصحراوية، حيث تعكس حالة الاستياء المتنامي تجاه إدارة البوليساريو والظروف الأمنية الصعبة التي يعيشها اللاجئون. كما أثرت التطورات العسكرية والسياسية في المنطقة، لا سيما إعلان البوليساريو إنهاء اتفاق وقف إطلاق النار بعد العملية المغربية في الكركرات، على الأوضاع داخل المخيمات، حيث شهدت تصعيدًا في عمليات القمع والمداهمات الأمنية، ما زاد من معاناة السكان ورفع من وتيرة الدعوات الدولية لمراقبة حقوق الإنسان بشكل مستقل.
على الرغم من هذه الأحداث، لم تصدر حتى الآن أي تصريحات رسمية من الرئاسة الجزائرية أو قصر المرادية تؤكد أو تنفي هذه الأنباء، مما يعزز فرضية وجود توتر في اللقاء بين تبون وغالي. وفي الوقت نفسه، تشير مصادر من داخل المخيمات إلى أن الجزائر تلمح إلى رغبتها في إنهاء ملف الصحراء الغربية عبر قبول صيغة الحكم الذاتي، وهو ما يمثل تحولًا دبلوماسيًا بارزًا في موقفها تجاه القضية.
في ظل هذه الأجواء، تستمر الجزائر في تقديم الدعم لمخيمات تندوف في مجالات التعليم والرعاية الصحية، بالتعاون مع المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، في محاولة للتغطية عن الوضع المتوتر وللتخفيف من الأوضاع الإنسانية المتردية، وسط تحديات أمنية وسياسية معقدة.
إلا أن هذه الجهود لا تغطي التوترات الداخلية المتصاعدة، التي تتطلب حلولاً سياسية شاملة تحفظ حقوق السكان وتضمن استقرار المنطقة.
إلى جانب ذلك، يعاني النشطاء والصحفيون في الصحراء الغربية من قمع متزايد، حيث يتعرضون لمضايقات تشمل الاعتقالات التعسفية والمداهمات والمراقبة المشددة، مما يعيق حرية التعبير ويحد من قدرتهم على توثيق الأحداث ونقلها إلى الرأي العام الدولي. هذا القمع يخلق مناخًا من الخوف والضغط النفسي، ويضعف المجتمع المدني الصحراوي في المطالبة بحقوقه، كما يحد من وصول المعلومات الدقيقة ويعزز الروايات الرسمية المتحيزة. ولا يقتصر القمع على داخل المخيمات فحسب، بل يمتد إلى المعارضين والنشطاء في البلدان المجاورة، مما يزيد من تعقيد المشهد الحقوقي والسياسي في المنطقة ويبرز الحاجة الملحة إلى دعم دولي لحماية العاملين في مجال حقوق الإنسان والإعلام.
وسط هذه التعقيدات، يبرز المقترح المغربي للحكم الذاتي كحل نهائي وواقعي للنزاع في الصحراء الغربية، حيث يحظى بدعم متزايد من المجتمع الدولي. تؤكد الولايات المتحدة الأمريكية والعديد من الدول الكبرى، إضافة إلى فرنسا وألمانيا، على جدية ومصداقية هذا المقترح، معتبرين إياه الإطار الأمثل للتفاوض السياسي الذي يحترم السيادة المغربية ويضمن حقوق السكان المحليين في حكم ذاتي موسع. كما يشكل هذا المقترح محور النقاش في الأمم المتحدة، حيث دعا المبعوث الأممي ستافان دي ميستورا إلى تفعيله والاستفادة من الدعم الدولي المتنامي الذي يشمل أكثر من 110 دولة وأعضاء دائمين في مجلس الأمن.
هذا الدعم الدولي يعزز موقف المغرب ويضع ضغطاً على الأطراف الأخرى، لا سيما الجزائر وجبهة البوليساريو، للانخراط في مفاوضات جدية تؤدي إلى حل سياسي شامل ينهي حالة الجمود ويضمن السلام والتنمية في المنطقة.
وفي ظل استمرار التوتر بين المغرب والجزائر، يمثل تبني المجتمع الدولي للمقترح المغربي نقطة تحول حاسمة تفتح الطريق أمام تسوية عادلة ومستدامة للنزاع.
وفي الختام، تعكس هذه التطورات المتشابكة حالة من التوتر وعدم الاستقرار داخل المخيمات ، مع تحديات كبيرة تواجه حرية التعبير وحقوق الإنسان، لكنها أيضاً تؤكد على ضرورة تبني حلول سياسية شاملة تحترم سيادة الدول وتضمن حقوق الشعوب، في إطار مقترح الحكم الذاتي المغربي الذي يبدو اليوم الخيار الأمثل لإنهاء نزاع طال أمده وأثر سلباً على استقرار المنطقة ومستقبل سكانها في ظل دعم دولي واسع ورغبة متزايدة في إنهاء نزاع طال أمده وأثر سلباً على الأمن والتنمية في شمال غرب إفريقيا.