
في ظل التحولات الاجتماعية والاقتصادية التي يشهدها المغرب، تبرز المبادرة الوطنية للتنمية البشرية كأحد الركائز الأساسية التي اعتمدتها المملكة لتجاوز تحديات الفقر والهشاشة، وتعزيز التنمية المحلية المستدامة.
وعلى مدار عشرين عاماً من العمل المتواصل، شكل إقليم بنسليمان نموذجاً حياً لتجسيد هذه الرؤية الطموحة، من خلال مشاريع تنموية شاملة استهدفت تحسين ظروف العيش، خاصة في المجالات الحيوية كالتعليم والصحة والبنية التحتية. ومع اقتراب الاحتفال بالذكرى العشرين لانطلاق المبادرة، يكتسب تقييم منجزاتها في الإقليم أهمية بالغة، لا سيما في ظل التحديات التي تواجهها والفرص التي تتيحها لتعزيز التنمية الشاملة والمستدامة.
وكباقي اقاليم وعمالات المملكة ،يحتفل إقليم بنسليمان هذه الأيام بالذكرى العشرين لانطلاق المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، والتي شكلت نقطة تحول في مسار التنمية الاجتماعية والاقتصادية بالمغرب، خاصة على مستوى تحسين ظروف عيش الفئات الهشة وتعزيز البنية التحتية والخدمات الأساسية.
إلا أن هذه الإنجازات المهمة تواجه في الواقع تحديات كبيرة وأخطاء جوهرية تعيق تحقيق الأهداف المنشودة، وتطرح تساؤلات حول مدى فعالية الحكامة والشفافية في تدبير المشاريع التنموية.
وقد شهد إقليم بنسليمان خلال المرحلة الثالثة من المبادرة (2019-2024) إحداث وحدات تعليمية جديدة في المناطق القروية، بهدف دعم التمدرس والحد من الهدر المدرسي، خاصة في التعليم الأولي. كما تم تنفيذ مشاريع لتعزيز التفتح والتفوق المدرسي، شملت توفير حافلات للنقل المدرسي، وإحداث خلايا إقليمية لمتابعة إلزامية التعليم ومكافحة الهدر، إلى جانب دعم مؤسسات اجتماعية كدار الطالب والطالبة التي توفر خدمات شاملة للطلاب من الأسر المعوزة. هذه الجهود جاءت بدعم شراكات بين المبادرة الوطنية، وزارة التربية الوطنية، والمؤسسة المغربية للتعليم الأولي، مستهدفة آلاف الأطفال والتلاميذ في الإقليم، بما يعكس التزاماً حقيقياً بتطوير الرأسمال البشري.
ورغم هذه الإنجازات، تكشف تقارير وتحقيقات رسمية عن وجود شبهات فساد وتجاوزات في تدبير بعض مشاريع المبادرة بإقليم بنسليمان.
على مستوى الحكامة، تعاني المبادرة من نقص في الموارد البشرية والمالية المخصصة لمتابعة وتتبع المشاريع، وضعف انخراط المصالح الخارجية، وعدم انتظام نقل التقارير الدورية، وضعف آليات تقييم آثار المشاريع، مما يفتح المجال أمام اختلالات وتجاوزات قد تضر بمصداقية المبادرة وأهدافها. كما أن التفاوت في استفادة الجماعات المحلية، حيث تتركز المشاريع في مناطق معينة على حساب أخرى، يعكس قصوراً في العدالة المجالية ويزيد من الفوارق الاجتماعية.
وفي إطار الاحتفالات بالذكرى العشرين لانطلاق المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، تستعد عمالة إقليم بنسليمان لتنظيم لقاء تواصلي هام يوم الاثنين المقبل، 19 ماي 2025، بمقر العمالة. ويهدف هذا اللقاء إلى استعراض منجزات المبادرة على مستوى الإقليم، وتقييم أثر المشاريع التنموية، بالإضافة إلى تعزيز الحوار والتنسيق بين مختلف الفاعلين المحليين من سلطات، جمعيات، ومجتمع مدني، لضمان استدامة المكتسبات وتوسيع دائرة المستفيدين. ويشكل هذا الحدث فرصة مهمة لتبادل الرؤى حول التحديات المطروحة ووضع آليات فعالة لمعالجتها.
تفرض هذه الإشكاليات على الجهات المعنية، من سلطات محلية ووطنية، إعادة النظر في آليات الحكامة والشفافية، وتعزيز الرقابة الداخلية والخارجية على المشاريع التنموية، لضمان استغلال الموارد بشكل فعال وعادل. كما يجب توسيع نطاق الدعم ليشمل جميع الجماعات بشكل متوازن، مع اعتماد مقاربة تشاركية حقيقية تضم المجتمع المدني والمنتخبين المحليين، لضمان ملاءمة المشاريع مع حاجيات السكان وتطلعاتهم.
على صعيد التعليم، يستوجب الأمر مواصلة الجهود لتعميم التعليم الأولي وتحسين جودته، مع التركيز على محاربة الهدر المدرسي وتحسين ظروف التعلم، خاصة في الوسط القروي، من خلال توفير البنيات التحتية الملائمة والدعم الاجتماعي والتربوي.
تظل المبادرة الوطنية للتنمية البشرية في إقليم بنسليمان ركيزة أساسية للتنمية المحلية، لكنها تواجه تحديات جسيمة تتطلب إرادة سياسية قوية وإصلاحات شاملة لتعزيز الحكامة ومكافحة الفساد، وتعميم المنافع على كافة فئات المجتمع. إن نجاح هذه المبادرة لن يتحقق إلا عبر شفافية تامة، مشاركة فعالة لكل الفاعلين، وتركيز على جودة المشاريع وتأثيرها الحقيقي على حياة المواطنين، لضمان تنمية مستدامة تحقق العدالة الاجتماعية وتلبي تطلعات الأجيال القادمة.