
في مشهد قضائي يحمل في طياته رسائل حازمة، أصدرت النيابة العامة لدى محكمة الاستئناف بالدار البيضاء، يوم 20 مايو 2025، أمرًا باعتقال البرلماني السابق ورئيس جماعة بني ملال، أحمد شدا، إلى جانب سبعة عشر متهماً آخرين، في إطار تحقيقات معمقة كشفت عن شبكة من التجاوزات المالية والإدارية التي هزّت أركان التدبير المحلي.
تتوالى صفحات هذا الملف الثقيل، حيث تتجلى أمام أعين القضاء والراي العام وقائع تبديد أموال عمومية طائلة، تفويت أراضٍ بطرق مشبوهة، وتقصير صارخ في تحصيل الضرائب والرسوم، ما أدى إلى خسائر مالية فاقت المليارات. لم تقتصر التجاوزات على ذلك، بل امتدت إلى صفقات عمومية مشبوهة، شهدت إقصاءً متعمداً لشركات دون مبررات، وتوجيهًا ممنهجًا للعروض إلى جهات محددة، في خرق صارخ لمبادئ المنافسة والشفافية.
ولا يقف الأمر عند هذا الحد، بل شمل الملف تغييرات غير قانونية في تصاميم مشاريع عقارية، وانخفاضات غير مبررة في قيمة الصفقات، مما يعكس شبكة معقدة من التلاعبات التي استهدفت المال العام.
لم يكن اعتقال أحمد شدا ورفاقه مجرد إجراء قضائي عادي، بل هو إعلان صارخ بأن العدالة ستظل السيف الذي يقطع دابر الفساد، وأن لا حصانة لأحد أمام القانون. هذه الخطوة تمثل نقطة تحول في مسار محاربة الفساد، وتعكس إرادة الدولة في استعادة ثقة المواطنين بمؤسساتهم، وتعزيز قيم الشفافية والمساءلة في كل مفاصل الإدارة.
سبق أن سقط أحمد شدا من عرش رئاسة وعضوية مجلس جماعة بني ملال، وأسقطت عضويته البرلمانية بقرار قضائي نهائي، ليصبح الاعتقال تتويجًا لهذا المسار الذي يكشف عن حجم الانتهاكات التي طالته وتطال رفاقه. والآن، ينتظر الجميع بفارغ الصبر محاكمة عادلة تكشف كل خبايا هذه القضية، وتعيد الحقوق إلى نصابها.
في زمن تتعالى فيه أصوات المطالبة بالنزاهة والشفافية، يأتي اعتقال أحمد شدا ورفاقه ليؤكد أن معركة محاربة الفساد ليست شعارات تُرفع، بل أفعال تُنفذ، وأن القضاء هو الحصن المنيع الذي يحمي المال العام ويصون حقوق المواطنين. هذه الخطوة ليست سوى بداية فصل جديد في قصة وطنية تكتبها العدالة بمداد الحق، لتؤسس لمرحلة جديدة من الإصلاح والتجديد في تدبير الشأن العام.