
في خضم تحولات المجتمع المتسارعة، تبدو القبضة الأمنية وقد فقدت بعضاً من صلابتها، فتراخيها أتاح مجالاً واسعاً لتسرب الفوضى والعبث إلى نسيج الحياة اليومية، حيث تتداخل الحريات الفردية المتسعة بلا ضوابط واضحة، فتتحول من حق مشروع إلى ساحة مفتوحة قد تستغل في تعكير صفو النظام الاجتماعي. هذا التوسع في الحريات، وإن كان ينبع من روح العصر ورغبة الإنسان في التعبير عن ذاته، إلا أنه يحتاج إلى وعى راسخ ومسؤولية مجتمعية توازن بين الحرية والنظام.
وفي قلب هذه المعادلة المعقدة، يبرز تدني مستوى التربية والوعي والتعليم كعامل جوهري يضعف الأسس التي يُبنى عليها مجتمع متماسك ومستنير، فغياب التعليم النوعي والتربية الهادفة يترك فراغاً كبيراً في شخصية الفرد، مما يجعله عرضة للانجراف نحو اللامبالاة والعبث، ويجعل من الفوضى ظاهرة متكررة لا تكاد تنتهي. هذا الفراغ الأخلاقي يتسع أكثر حين يغيب الوازع الديني الذي لطالما كان منارة تهدي الأفراد نحو قيم سامية وأخلاق راسخة، فغيابه يترك النفوس بلا مرشد، فتتلاشى معها المبادئ التي تحمي المجتمع من الانهيار.
إن هذه العوامل المتشابكة تشكل معاً صورة معقدة لجيل يعيش في مفترق طرق، بين حرية بلا حدود وأمن بلا صرامة، وبين تعليم متراجع وغياب للقيم الروحية، لذلك فإن الحلول لا تكمن في التركيز على جانب واحد بل في بناء رؤية شاملة تعيد التوازن بين الحرية والمسؤولية، وتعزز من مناهج التربية والتعليم لتشمل القيم والوعي، مع تطبيق القانون بعدالة وحزم، واستعادة دور الوازع الديني بطريقة معتدلة تواكب روح العصر. بهذا التوازن يمكن أن يولد جيل جديد يملك من الوعي والقدرة ما يجعله صانعاً لمستقبل أفضل، بعيداً عن الفوضى واللامبالاة التي تهدد حاضرنا ومستقبلنا.