الإقالة بسبب الغياب في المجالس الجماعية: حتمية قانونية أم سلطة تقديرية؟

تثير المادة 67 من القانون التنظيمي المتعلق بالجماعات (القانون 113.14) نقاشًا قانونيًا مهمًا بشأن مسطرة إقالة أعضاء مجلس الجماعة الذين يتغيبون عن الدورات. ويكمن جوهر هذا النقاش في تحديد ما إذا كانت الإقالة تتم تلقائيًا بمجرد تحقق شروط الغياب، أم أنها تتطلب تصويتًا من المجلس الجماعي.
تنص المادة بوضوح على أن حضور أعضاء المجلس لدوراته يُعد إلزاميًا، وأن العضو الذي يتغيب عن ثلاث دورات متتالية أو خمس دورات متقطعة دون مبرر يقبله المجلس “يُعتبر مقالًا بحكم القانون”، وأن المجلس يجتمع “لمعاينة” هذه الإقالة. وتُفهم هذه الصياغة، لدى فريق من الفقه القانوني، على أن الإقالة تتم بشكل تلقائي ومباشر دون الحاجة إلى أي تصويت أو قرار من المجلس. فالمشرّع حدد بدقة الحالة التي ينتج عنها فقدان العضوية، وأضفى على النتيجة طابعًا قانونيًا مباشرًا، ما يُفقد المجلس سلطة اتخاذ قرار بهذا الشأن، ويجعل من دوره محصورًا فقط في التحقق من واقعة الغياب والتأكد من استيفاء الشروط.
ويستند هذا التوجه إلى مبدأ أصيل في التفسير القانوني مفاده أنه “لا اجتهاد مع وجود النص”. فبما أن النص صريح في اعتبار العضو مقالًا بحكم القانون، فإن إدخال أي آلية تصويت أو اتخاذ قرار سيكون بمثابة تجاوز لإرادة المشرع. والمعاينة التي يجريها المجلس، وفق هذا الفهم، لا تعدو أن تكون إجراءً كاشفًا لوضع قانوني تحقق بالفعل، وليست عملاً إنشائيًا يُنتج الأثر القانوني.
في المقابل، هناك اتجاه قانوني آخر يرى أن المجلس يجب أن يصوت على الإقالة لتصبح سارية. ووفقًا لهذا التصور، فإن مجرد الغياب، وإن تكرر، لا يكفي وحده لترتيب الإقالة تلقائيًا، بل لا بد من تفعيل ذلك من خلال قرار يتخذه المجلس بأغلبية، بعد التحقق من الظروف المحيطة بالغياب، ومن مدى توافر المبررات أو عدمها. وينطلق هذا الرأي من التأكيد على ضرورة مراعاة حقوق الدفاع وضمان الحياد والشفافية، خاصة في حالة وجود خلاف حول ما إذا كانت الأعذار المقدمة من العضو مبررة أم لا.
رغم وجاهة الحجة التي يسوقها هذا الاتجاه الثاني، فإن القراءة الأرجح تبقى في صالح التوجه الأول، ذلك أن صياغة المادة واضحة ولا تترك مجالًا كبيرًا للتأويل. فالإقالة بحكم القانون تُفهم على أنها نتيجة قانونية مباشرة، لا تتوقف على إرادة المجلس أو على مسطرة تصويت، بل يكفي أن تُثبت واقعة الغياب وفقًا لما هو منصوص عليه، حتى يُعتبر العضو المعني فاقدًا لصفته التمثيلية. والمعاينة التي يقوم بها المجلس هي مجرد إجراء لإثبات واقعة قانونية تحققت فعليًا، ولا تمنحه أي سلطة تقديرية في اتخاذ قرار الإقالة من عدمه.
من ثم، فإن القول بعدم ضرورة التصويت يتوافق مع قواعد التفسير القانوني ومع الغاية من النص، وهي ضمان انتظام عمل المجالس وتحميل الأعضاء مسؤولية القيام بمهامهم التمثيلية، دون السماح بإفراغ النص من محتواه تحت ذريعة الممارسة الإجرائية. فلو كانت الإقالة مشروطة بقرار المجلس، لأدرجها المشرّع بوضوح ضمن آليات التصويت أو اتخذ لها مسطرة خاصة كما هو الحال بالنسبة لبعض القرارات الجماعية الأخرى.
يتضح إذن أن الموقف الأقوى قانونًا هو اعتبار الإقالة في الحالة المذكورة بالمادة 67 قائمة بقوة القانون، ودور المجلس لا يتعدى توثيقها ومعاينتها، دون الحاجة إلى تصويت، وهو ما يضمن احترام إرادة المشرع ويُجنب المجالس الدخول في صراعات سياسية تُفرغ النص من فعاليته التنظيمية.