
تشهد السياحة في المغرب خلال صيف 2025 تراجعًا ملحوظًا في أعداد الجالية المغربية المقيمة في الخارج التي تقضي عطلتها في البلاد، وهو تراجع يعكس مجموعة من التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تؤثر على هذا القطاع الحيوي. على الرغم من استمرار قدوم عدد كبير من الوافدين إلا أن الأرقام الرسمية تشير إلى انخفاض عن السنوات السابقة وهو ما ينفي الادعاءات المتداولة على منصات التواصل الاجتماعي حول مقاطعة شاملة للعطلة في المغرب من طرف الجالية. تتعدد أسباب هذا التراجع بين ارتفاع تكاليف المعيشة والغلاء الكبير في أسعار تذاكر العبور التي وصلت إلى مستويات يصعب تحملها على الكثير من الأسر في الخارج حيث تصل أحياناً إلى آلاف اليوروهات للسفر خلال ذروة الموسم، وهو عامل زاد من صعوبة الوصول إلى المغرب ومن ثم التأثير على حركة السياحة الصيفية.
لا يقتصر الأثر الاقتصادي لهذا الغلاء فقط على الجانب المالي بل يتجاوز إلى التأثير على الروابط الاجتماعية بين الجالية وأسرها في المغرب من خلال تقليل فرص التواصل والتجمّعات العائلية التي تشكل جزءًا مهمًا من الهوية الاجتماعية للمغاربة حول العالم كما تعاني السياحة الداخلية أيضًا من ارتفاع أسعار الخدمات الفندقية والمواصلات والأنشطة المصاحبة، حيث تشهد المدن والمناطق السياحية زيادة في الأسعار أحيانًا تصل إلى 20-40% مقارنة بالسنوات الماضية، مما يدفع الكثير من الأسر إلى البحث عن بدائل سياحية في بلدان مجاورة مثل إسبانيا والبرتغال وتركيا التي تقدم جودة خدمات أفضل وأسعارًا أكثر تنافسية مما يعزز جاذبيتها ويحد من القدرة التنافسية للسياحة المغربية.
ولمواجهة هذه التحديات، أطلقت الحكومة المغربية استراتيجية شاملة ومتكاملة تتضمن خططًا طويلة الأمد لتطوير وتنويع العرض السياحي خاصة في المناطق الريفية بعيدًا عن الوجهات التقليدية التي تعاني من الاكتظاظ والغلاء. ومن أبرز هذه المبادرات مشروع تطوير 16 قرية سياحية في جهات مختلفة من المغرب بميزانية تتجاوز 188 مليون درهم، يتم فيها تحسين البنية التحتية وإعادة تأهيل المنشآت السياحية وتعزيز المرافق الثقافية والترفيهية، مع الالتزام بمبادئ السياحة المستدامة التي تحافظ على الموارد الطبيعية والتراث الثقافي المحلي. يُتوقع لهذا المشروع أن يخلق فرص عمل جديدة ويساهم في تنمية اقتصادية واجتماعية متوازنة تعزز حضور السياحة في المناطق الريفية وتنشط الاقتصاد المحلي وتحد من الهجرة نحو المدن الكبرى.
وفي إطار تنفيذ هذا التوجه، تعمل الوزارة المغربية للسياحة والشركة المغربية للهندسة السياحية على إشراك شركاء محليين ودوليين ذوي خبرة من أجل ضمان جودة التنفيذ وتوفير تجربة سياحية مميزة ومتنوعة تلبي تطلعات مختلف شرائح الزوار. كما تركز الاستراتيجية الحكومية على توسيع شبكة الربط الجوي والبنية التحتية للنقل لتسهيل وصول السياح إلى المناطق الجديدة وتقليل الضغط والإزدحام في المدن الساحلية المعروفة. كما تشجع حملات توعوية مهنية مقدمي الخدمات السياحية على ضبط الأسعار وتحسين جودة الخدمات لتناسب مختلف القدرات الشرائية دون المساومة على المستوى والخبرة السياحية المقدمة.
تستهدف الحكومة أيضًا توسيع السياحة الداخلية عبر تطوير منتجات سياحية موضوعية وثقافية وترفيهية جديدة تمكّن كل منطقة من استثمار مميزاتها الطبيعية والثقافية بجانب إدخال التكنولوجيا الرقمية في الترويج السياحي وتسهيل تجربة الزائرين. هذه الجهود تأتي ضمن “خارطة طريق السياحة 2023-2026” التي وضعت أهدافًا طموحة لمضاعفة عدد السياح ورفع جودة الخدمات وتنشيط الاقتصاد الوطني بما يعزز تنافسية المغرب في الأسواق العالمية، مع التركيز على فتح أسواق جديدة في آسيا وأمريكا لتقليل الاعتماد على الأسواق الأوروبية التقليدية.
إذًا، يواجه قطاع السياحة في المغرب حالياً تحديات اقتصادية حادة ناتجة عن غلاء الأسعار وتذاكر العبور وارتفاع تكلفة الخدمات التي أثرت على حركة الجالية المغربية والسياحة الداخلية، لكن مع ذلك تتصدى الحكومة لهذه المشكلات من خلال استراتيجيات تنموية واستثمارية شاملة تشمل تنويع المنتجات السياحية وتحسين البنية التحتية وتشجيع السياحة الريفية والتكنولوجية، مما قد يخلق فرصًا واعدة لتعزيز القطاع السياحي مستقبلاً والاستفادة من الثروات الطبيعية والثقافية التي تزخر بها مختلف جهات المغرب.