أخبارإقتصاددوليسياسةمجتمع

اليوم الوطني للمهاجر في المغرب: ركيزة التلاحم والدعم الملكي للجالية بالخارج

الاحتفالات والهوية الثقافية ودور السياسات الوطنية في تعزيز التنمية والاندماج الاجتماعي

يشكل اليوم الوطني للمهاجر في المغرب مناسبة سنوية هامة يحتفل بها في العاشر من شهر غشت، وقد أرسى هذا اليوم على يد الملك محمد السادس منذ العام 2003 ليكون منصة وطنية تحتفي بالجالية المغربية المقيمة في الخارج وتعزز الروابط بينها وبين الوطن. هذه الاحتفالات تعكس الاهتمام العميق بقضايا المهاجرين وتتيح الفرصة لتقييم الإنجازات التي تحققت لفائدتهم، كما تشكل مناسبة تتجلى فيها قيم الانتماء والتلاحم الوطني. ومنذ سنة 2015، باتت الفعاليات تمتد إلى الجهات والأقاليم عبر تنظيم لقاءات وورشات موضوعاتية، تستقطب أفراد الجالية خلال فترة إقامتهم الصيفية في المغرب، في خطوة تعبر عن رغبة الدولة في تقوية الصلات الثقافية والاجتماعية مع المغاربة في الخارج.
تكمن أهمية هذا اليوم في كونه يعزز الانتماء الوطني ويترجم هوية ثقافية حية تحافظ على صلة المهاجرين بأصولهم، وخاصة الأجيال الجديدة منهم. فهو أيضاً مناسبة لتقييم السياسات والبرامج التي تستهدف تحسين واقع المغاربة المقيمين بالخارج، على المستويات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. ويتيح هذا اليوم منصة لتعزيز التواصل والشراكة بين الجالية والمجتمع المغربي، رافعةً بذلك التنمية الشاملة. وفي ظل الاهتمام الخاص الذي يوليه الملك محمد السادس، يتم دعم هذه السياسات بالمشاريع التي تهدف إلى تحسين الحقوق وتوفير ظروف أفضل للمهاجرين، مما يجعل اليوم الوطني للمهاجر تحتل مكانة بارزة في تشكيل الهوية الوطنية وتفعيل دور المغاربة في الخارج.
تتعدد فعاليات الاحتفال بهذا اليوم، حيث تتنوع بين النشاطات الثقافية والفنية والاجتماعية والرياضية. تنظم “سهرة الجالية” في مسرح محمد الخامس بالرباط والتي تتضمن عروضاً فنية ومكرمة لشخصيات بارزة من المغاربة في الخارج، فضلاً عن دورات احتفالية في مدن مثل تنغير تستمر لأكثر من أسبوع وتتضمن عروضاً تراثية ورياضية وندوات حوارية لتبادل الآراء والخبرات. كذلك تجرى فعاليات محلية في جهات مختلفة كتيزنيت والرباط، تجمع بين ورشات عمل واجتماعات مع الجالية ومسؤولين محليين، إلى جانب تنظيم أنشطة رياضية مثل دوري الملاكمة في مراكش. تتكامل هذه الفعاليات مع مبادرات أخرى تسعى لتعريف المغاربة بالخدمات الحكومية عبر استقبالهم وتقديم الدعم الإعلامي والتوثيقي، مما يعزز التواصل ويقوي روابط التفاعل بين الوطن والجالية.
فيما يتعلق بالسياسات المغربية الخاصة بالهجرة، تتسم بالمرونة والسعي إلى الموازنة بين الاعتبارات السياسية والإنسانية والقانونية.
فقد تحولت المملكة من بلد عبور إلى مركز لاستقرار المهاجرين من إفريقيا، مع اعتماد استراتيجية وطنية شاملة تستند إلى دستور 2011 وتوجيهات ملكية تسعى إلى الحفاظ على حقوق المهاجرين وتصحيح وضعياتهم القانونية. تركز هذه السياسة على الإدماج في مجالات التعليم والصحة والعمل، مع العمل على مكافحة التمييز والاتجار بالبشر، بينما تتعامل مع قضايا الهجرة غير النظامية بمنهجية متوازنة.
كما أن المغرب يقيم شراكات إقليمية ودولية مع الاتحاد الإفريقي والاتحاد الأوروبي لتدبير تدفقات الهجرة وضمان حقوق الإنسان، مع بناء قدرات مؤسسات الدولة لتعزيز الحكامة في هذا المجال. رغم التحديات، تظل السياسة المغربية تسعى لإطار إنساني يحترم الحقوق مع إدارة فعالة للحركة المهاجرة.
يفتح اليوم الوطني للمهاجر نافذة للتأثير الإيجابي على السياسات الاجتماعية، إذ يعزز ارتباط المغاربة بالخارج بوطنهم ويحفز تطوير برامج تستجيب لحاجاتهم الاجتماعية والاقتصادية.
ترتبط هذه المناسبة بتعزيز شبكة الأمان الاجتماعي وتحسين خدمات الدعم، لتشمل الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للجالية وخاصة في أوقات الأزمات والمحن. كما تعزز فعاليات اليوم من التلاحم الاجتماعي بين أفراد الجالية، مما يدفع الدولة إلى تعزيز توجهاتها نحو بناء دولة اجتماعية شاملة تراعي دمج المهاجرين وتحسين ظروفهم. فتلك الاحتفالات لا تقتصر على رمزية، بل تُعتبر محفزاً لتطوير سياسات أكثر شمولية في المجال الاجتماعي.
ومن جهة أخرى، لا يقتصر الدور الذي يقدمه المهاجرون على تحويلاتهم المالية التي تُعد رافداً أساسياً للدخل في مناطقهم الأصلية وتدعم الاقتصاد الوطني عبر توفير العملة الصعبة، بل يشمل أيضاً الاستثمارات المباشرة في مشاريع تنموية كالبنية التحتية والتعليم والصحة. ويعود المهاجرون بخبرات وتجارب دولية تسهم في نقل الخبرات وتنمية رأس المال البشري في بلدانهم الأصلية، بالإضافة إلى تفعيل الحكامة المحلية التي تشجع على استثمار أفضل للمواهب والموارد. تتجسد مساهمة المهاجرين أيضًا في المجال الاجتماعي من خلال دعم المؤسسات والجمعيات، مما يعزز التنوع والتنمية المستدامة. لذا فإن المهاجرين يعتبرون فاعلين اقتصاديين واجتماعيين حيويين ضمن الاستراتيجية الوطنية المغربية.
أما الهوية الثقافية للمهاجرين، فتعتبر الركيزة التي تحميهم وتدعمهم في مواجهة تحديات الاندماج، إذ تمنحهم شعوراً مستمراً بالانتماء والكرامة الذاتية. فالفنون والتقاليد والاحتفالات الدينية والثقافية تمثل أداة للتعبير وحفظ التراث، كما تفتح نوافذ للحوار والتفاعل بين الثقافات في مجتمعات الاستقبال. ويمثل الحفاظ على الهوية الثقافية جسرًا بين الوطن الأصلي والمجتمع الجديد، مع التفاعل المستمر وإعادة التكوين الثقافي، مما يمكن المهاجرين من تكوين هوية متجددة ومتوازنة تعزز اندماجهم دون خسارة للخصوصية الثقافية، وهو أمر حيوي لتعزيز التنوع والتعايش السلمي في المجتمعات المتعددة الثقافات.
وفي هذا الصدد، يتضح العطف الخاص والاهتمام المتواصل الذي يوليه الملك محمد السادس للجالية المغربية بالخارج في كافة جوانب حياتهم. فقد أدخل جلالته إصلاحات هيكلية مهمة بإعادة هيكلة المؤسسات المعنية بشؤون الجالية، مثل إنشاء مجلس الجالية المغربية بالخارج كمؤسسة دستورية مستقلة، ومؤسسة محمدية متخصصة في تنفيذ السياسات العمومية ودعم الكفاءات الوطنية بالخارج.
كما تسعى هذه الخطوات إلى فتح آفاق أوسع للاستثمار في المغرب وتبسيط الإجراءات الإدارية والرقمية لأبناء الجالية، محفزةً بذلك مشاركتهم الفاعلة في تنمية الوطن.
ويظهر العطف الملكي أيضاً في مبادرات إنسانية واجتماعية كعملية “مرحبا” التي تنظم سنوياً، تحت رعاية الملك، لضمان راحة وأمن المغاربة أثناء تنقلاتهم، مع تقديم دعم شامل عبر مؤسسة محمد الخامس للتضامن. ويرافق الملك هذه الجهود بتعليمات مستمرة لإعادة تنظيم الإطار المؤسساتي للجالية، مع التركيز على تعزيز الروابط الثقافية والروحية، وتسهيل اندماج المغاربة سياسياً واجتماعياً واقتصادياً، مما يعزز شعورهم بالانتماء ويقوي التلاحم الوطني. ورغم هذه المبادرات، تستمر مطالب تحسين التمثيل السياسي والمشاركة الحقيقية للجالية في صنع القرار، ما يجعل دعم الملك ومتابعته المستمرة محوراً أساسياً للدينامية الوطنية في هذا المجال.
في سياق أوسع، تتداخل تأثيرات العولمة مع الهوية الثقافية للمهاجرين، حيث تفتح فرص تلاقح ثقافي وحوار بين الشعوب عبر التواصل وتبادل الخبرات، إلا أنها تحمل في الوقت ذاته مخاطر تآكل التنوع الثقافي من خلال غلبة الثقافات الكبرى واندثار التقاليد المحلية.
هذا الصراع بين العولمة والهوية يستوجب استراتيجيات واعية تعزز المشاريع الثقافية الوطنية، والتمسك بالتراث مع الانفتاح الإيجابي على الجديد. إن الفهم المتوازن للعولمة يمكن أن يسهم في الحفاظ على تنوع ثقافي حي يضمن انتماء المهاجرين لوطنهم الأصلي والمجتمع المستضيف معاً.

وختاماً، يمكن القول إن اليوم الوطني للمهاجر يشكل حجر زاوية لتعزيز التلاحم الوطني بين المغرب وجالياته في الخارج، ويعكس اهتمام الدولة المستمر بقضاياهم وحقوقهم في إطار سياسة شاملة تراعي الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والإنسانية.
وهو في الوقت نفسه مناسبة لتسليط الضوء على مساهمات المهاجرين في التنمية الوطنية، والحفاظ على هوية ثقافية فريدة تتفاعل إيجابياً مع متغيرات العصر، مع دعم ملكي مستمر يصب في تحقيق آمالهم وطموحاتهم ضمن منظومة متكاملة تعزز من مكانة المغرب كدولة تجمع بين الانفتاح والاعتزاز بالجذور.

اظهر المزيد

حميد فوزي

رئيس التحرير
زر الذهاب إلى الأعلى
error: المحتوى محمي !!