
يشهد موسم مولاي عبد الله أمغار هذا العام إقبالاً غير مسبوق، حيث تجاوز عدد الزوار حاجز أربعة ملايين خلال عشرة أيام فقط مما جعل رئيس الجماعة يصف هذا الرقم بـ”الخيالي” ويعبر عن دهشته من هذا التدفق الكبير الذي شكل ضغطاً حقيقياً على التنظيم والإدارة بالموسم. يُعد موسم مولاي عبد الله مناسبة ذات أبعاد متعددة تجمع بين التراث الثقافي والديني والبعد الاقتصادي والاجتماعي، إذ يعكس تراث دكالة اللامادي من خلال عروض التبوريدة والصيد بالصقور وكذلك الفعاليات الدينية التي تستقطب المؤمنين من مناطق شتى، مما يجعل الموسم منصة حية لحفظ الذاكرة الجماعية وتعزيز الارتباط بالهوية الثقافية.
على الصعيد الاقتصادي، يساهم الموسم في إنعاش الحركة التجارية وإحداث رواج هائل في الأسواق المحلية، فزيادة الطلب على السلع والخدمات ترفع من دخل المهنيين والحرفيين والسكان المحليين مما يخفف من حدة البطالة الموسمية ويخلق فرص عمل مؤقتة في مجالات البيع والتنظيم والخدمات. كما يشجع الموسم الاستثمار السياحي ويسلط الضوء على المنتجات التقليدية من خلال الأسواق والمعارض التي تعكس الثروة الثقافية والاقتصادية للمنطقة، غير أن ضعف البنية التحتية الحالية يظل عائقاً أمام تحقيق تنمية مستدامة تستمر تأثيراتها بعد انتهاء الفعالية.
تتجلى أهمية الموسم في السوق المحلية بشكل واضح من خلال توفير آلاف فرص العمل الموسمية التي تعود بالنفع على سكان إقليم الجديدة والمناطق المجاورة، في ظل تنامي أنشطة المقاهي والمطاعم والتجارة والحرف التي تستفيد من الإقبال الكبير، مما يعزز من الدخل الموسمي للسكان ويساهم في تقليل نسب البطالة المؤقتة. إلا أن هذه الفرص المؤقتة تحتاج إلى تنظيم وإدارة محكمة لضمان حقوق العمال ودعم إشراك الفئات المحلية بشكل فعال، وفي الوقت نفسه إمكانية تحويلها إلى فرص أكثر استمرارية عبر تطوير القطاع الاقتصادي والصناعي.
تستقطب استثمارات خاصة كبيرة هذا الموسم، حيث تشمل عقوداً مع شركات تنظيم الفعاليات، مثل شركة “نجوم المحيط” التي حصلت على عقد قيمته نحو 1.74 مليون درهم، مما يفتح باب النقاش حول معايير اختيار المقاولين ومدى شمولية الاستثمارات في دعم اقتصاد المجتمع المحلي، إضافة إلى تنشيط الأسواق الشعبية ودعم التعاونيات النسائية والمنتجين المحليين. يوفر الموسم بذلك بيئة مناسبة لتعزيز الاقتصاد المجتمعي والحفاظ على التراث وتنميته، رغم التحديات الإدارية والتنظيمية المرتبطة بالضغط الهائل للزوار.
ويتضح جلياً أن الموسم أحدث تحولات اقتصادية هامة في المنطقة، حيث تجاوز حجم المعاملات التجارية مئة مليار سنتيم، وهو مبلغ يعكس حجم النشاط الاقتصادي الموسمي المرتفع الذي يعود بالفائدة على السكان المحليين ويحفز مختلف القطاعات من تجارة وخدمات إلى حرف تقليدية. هذا النشاط الموسمي الكبير أدى إلى تحسين البنية التحتية والخدمات المصاحبة، ما ساهم في تعزيز جاذبية الموسم واستمراريته، مع التركيز على تعزيز الشراكات مع الفاعلين الاقتصاديين المحليين والإقليميين لتنمية شاملة ومتوازنة تربط بين الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
يمكن القول إن موسم مولاي عبد الله أمغار يشكل حدثاً استثنائياً يجمع بين المحافظة على التراث والبعد الديني مع دفع التنمية الاقتصادية المحلية عبر خلق فرص عمل وتحفيز أنشطة تجارية مركزة في فترة قصيرة. إن التحديات التي تظهر مع كبر حجم الزوار تفرض تطوير خطط استراتيجية طويلة الأمد لتحويل هذا النجاح الموسمي إلى تنمية مستدامة تضمن استمرار الفائدة الاقتصادية والاجتماعية وتعزز مكانة الموسم محلياً ووطنياً ودولياً في آن واحد.