
في الثاني عشر من أغسطس 2025، صدر بيان هام من الفقير لله منير القادري بودشيش، جاء كخطوة محورية في خضم الأزمة التي تعصف بالزاوية القادرية البودشيشية، وهي محاولة لضبط إيقاع النزاع الداخلي واستعادة الوحدة التي شكلت قاعدة أصيلة لهذه الزاوية العريقة. فقد جاء إعلان منير القادري بمثابة مبادرة صادقة تهدف إلى جمع شتات المريدين والحد من التشرذم الذي طال المؤسسة الروحية والاجتماعية التي ورثوها عن مشايخهم الكرام سيدي حمزة وسيدي جمال الدين، بدافع واضح من المحبة والحرص على سلامة هذه السفينة الروحية التي لا تقوم إلا على أسس الجمع والتآلف.
في جوهر رسالته يؤكد منير القادري على أن المشيخة ليست مجرد تشريف أو رمزية تقليدية، بل حمل ثقل ومسؤولية جسيمة تفرض الإخلاص والعبء في خدمة الزاوية والطريقة الصوفية، وهو ما دفعه إلى إقدام قرار نابع من تروي وحكمة يتمثل في التنازل عن المشيخة لصالح أخيه معاذ القادري بودشيش، مع دعوة صريحة للمريدين إلى الالتفاف حول هذا القرار بحسن الظن والاحترام والتزام الأدب الذي يميز سلوك أهل الطريق الصوفي.
لا يقتصر البيان على مجرد إعلان تنازل بل يتضمن كذلك توجيهًا واضحًا نحو رفض الجدل العقيم والابتعاد عن تأويلات قد تُفضي إلى تفاقم الانقسامات داخل البيت الروحي، مؤكداً على ضرورة الالتزام بالأدب والستر والوفاء لقيم الزاوية التي تدعو إلى الوحدة والصف الواحد، مستنداً في ذلك إلى القرآن الكريم وحثّ الرسول على الاجتماع والاتحاد تحت راية الإيمان. إن هذه الخطوة تعكس سياسة توافقية تهدف إلى إعادة الأمور إلى مسارها الصحيح من خلال ترسيخ مفهوم القيادة الموحدة التي تحافظ على استمرارية الدور الروحي والاجتماعي للزاوية ضمن ثوابت الدين والوطن.
البيان يصور أيضاً روح التواضع والخدمة التي ينبغي أن تميز قادة وأبناء هذا البيت، مع تأكيد منير القادري على استعداده للتعاون الكامل مع أخيه في سبيل ضمان استقرار الزاوية وترسيخ قيمها وتعاليمها بعيداً عن الكلام الفارغ والمجاملات، مستشهداً بأن التمكين الحقيقي والنجاح لا يكون إلا بتوفيق الله الذي يمنح الإمكانية لمن يتخلى عن مصالح نفسه ويضع العمل الصالح نصب عينيه.
يمثل هذا التطور بصيص أمل في تجاوز الأزمة التي عصفت بالزاوية القادرية البودشيشية والتي أضعفت وحدة صفها وأرهقت مريديها، وهو بمثابة تمهيد لاستعادة إرثها الروحي والتاريخي الذي طالما لعب دوراً أساسياً في الأمن والاستقرار داخل المجتمع المغربي. يزيد البيان من الأهمية كونه يعكس اهتماماً بالترابط بين الزاوية ومؤسسات الدولة والعرش العلوي، ممثلاً بذلك ركيزة تضمن استمرار الزاوية في أداء رسالتها الدينية والاجتماعية تحت مظلة الدولة المغربية ووحدتها.
ختاماً يضع هذا البيان ثقة كبيرة في القيادة الجديدة وفي وعى المريدين الذين باتت مسؤوليتهم الحفاظ على هذا الإرث المبارك عبر التعاون والصف الواحد، داعياً الجميع إلى الدعاء والتوكل على الله ليظل هذا البيت النوراني منبر هداية وخير، متماشياً بذلك مع المبادرات الإصلاحية التي تحاول الجمع بين الأصالة والمعاصرة في خدمة الدين والوطن.