
في ظل النمو المتسارع لقطاع السياحة في المغرب، برزت ظاهرة تعرف بـ”السوربوكنج” أو الحجز الزائد، التي تحولت من مجرد مشكلة تقنية إلى قضية تؤثر على سمعة الوجهة السياحية وتعكر صفو تجربة السائحين.
هذه الظاهرة تتمثل في بيع عدد أكبر من الغرف الفندقية أو المقاعد على وسائل النقل مما يسمح به فعلياً، اعتماداً على توقعات إلغاء بعض الحجوزات، إلا أن وصول جميع الحجوزات في نفس الوقت يؤدي إلى نقص في الخدمات المتوفرة، وهو ما تسبب في مواقف محرجة ومؤلمة لسياح فرنسيين وغيرهم، كما حصل في فندق فاخر بمنطقة تغازوت قرب أكادير، حيث وجد نحو 80 سائحاً أنفسهم بلا غرف رغم حجزهم ودفعهم مقدمًا.
وفي هذا السياق، تحولت عطلة نحو 80 سائحًا فرنسيًا كانوا قد خططوا لإقامتهم في الفندق ذاته إلى تجربة مريرة بعد أن تفاجأوا، عند وصولهم في أواخر يوليو 2025، بعدم وجود غرف متاحة لهم بسبب امتلاء الفندق بالكامل. هؤلاء السياح، الذين حجزوا ودفعوا مسبقًا مبالغ تراوحت بين 1600 و2500 يورو عبر وكالة السفر الفرنسية “Ôvoyages”، تم نقلهم إلى فندق بديل في وسط أكادير من ذات الفئة، لكنه كان في موقع أقل هدوءًا وبمرافق أقل جودة مما أثار استياءهم، حيث اتهموا الفندق والوكالة بالإخلال بالعقد وإساءة الثقة.
أوضحت وكالة السفر أن السبب يعود إلى خلل تقني في نظام الحجز بالفندق، ما أدى إلى فصل بعض المسؤولين، لكنها أكدت أن الغرف كانت مضمنة ومدفوعة مسبقًا.
وتكررت مثل هذه الحالات لنحو 50 سائحًا آخرين في الأسبوع السابق، مما زاد من تسليط الضوء على انتشار ظاهرة السوربوكنج التي تعتمد على بيع غرف أكثر من المتاحة على أمل إلغاء بعض الحجوزات لاحقًا. بعض المتضررين يدرسون رفع دعاوى جماعية لتعويضهم، فيما تعمل الوكالة على تلقي الشكاوى ومعالجتها، وتطالب جمعيات حماية المستهلك في فرنسا بتشديد الرقابة على وكالات السفر والفنادق.
تتعدد أسباب هذه الظاهرة بين خلل تقني في أنظمة الحجز، واستغلال مادي يسعى لتحقيق أرباح إضافية على حساب حقوق المسافرين، وارتفاع الطلب السياحي المفاجئ على المغرب نتيجة فتح الحدود ورفع القيود الصحية، إضافة إلى ضعف الرقابة والتنظيم الحكومي الذي لا يواكب تطورات السوق السياحي بشكل كافٍ. وقد أشار خبراء إلى أن هذه العوامل مجتمعة تجعل احتمالية وقوع حوادث الحجز الزائد مرتفعة، مما خلق ضغطًا على منظومة الحجوزات وأدى إلى تكرارها في مناسبات متعددة.
لكل من السائحين حقوق واضحة في مواجهة مثل هذه الممارسات، وتتضمن حق الحصول على بديل ملائم يوازي أو يفوق جودة الخدمة المتفق عليها، وحق الحصول على تعويض مالي عن الأضرار المادية والمعنوية التي تعرضوا لها، بالإضافة إلى إمكانية اللجوء إلى الجهات القانونية وتقديم شكاوى رسمية ضد الجهات المسؤولة.
وفي حالة الرحلات الجوية، تم وضع قوانين دولية مثل توجيه الاتحاد الأوروبي EC 261 التي تضمن تعويضات مالية قد تصل إلى 600 يورو، إضافة إلى تقديم رعاية كاملة تشمل الطعام والإقامة والنقل البديل، ما يعكس مدى اهتمام النظام القانوني بحقوق المسافر. أما في قطاع الفنادق، فتختلف التعويضات حسب القانون وسياسات الفنادق، لكنها تبقى حقاً أساسياً في حال الإخلال بالعقد.
ولوكالات السفر دورًا محورياً في هذه الإشكالية، إذ هي الجهة التي تقوم بتنظيم الحجوزات وتأمين رحلات السائحين وخدماتهم. تقع على عاتق هذه الوكالات مسؤوليات قانونية وأخلاقية للحفاظ على حقوق عملائها، ويتوجب عليها ضمان تأكيد الحجوزات وجودتها، بالإضافة إلى تقديم الدعم الفوري عند وقوع مثل هذه الحوادث. طبيعة عمل وكالات السفر ومعاناتها أحيانًا من خلل تقني أو وجود وكالات غير مرخصة تؤدي إلى تفاقم ظاهرة الحجز الزائد مما يضع مزيدًا من التعقيد في مواجهة الظاهرة.
أما من الناحية الاقتصادية والاجتماعية، تؤثر ظاهرة السوربوكنج بشكل سلبي على الاقتصاد المحلي في المغرب، حيث تضعف ثقة السياح في الوجهة وتخفض من إنفاقهم الشخصي نتيجة الاستياء من تجارب الحجز الفاشلة، كما تؤثر على سمعة الفنادق والشركات السياحية وتجعلها أكثر عرضة للدعاوى القضائية والتعويضات التي قد تضعف من قدرتها على الاستمرار والاستثمار في السوق المحلية. إضافة إلى ذلك، تزيد هذه الظاهرة من الضغط على البنية التحتية والخدمات السياحية، ما يتطلب تحسين إدارة الطلب وتنظيم السوق لضمان الاستدامة.
ومن جهة أخرى، كان للتكنولوجيا دور مزدوج في هذه الظاهرة؛ إذ ساعدت التكنولوجيا في تسهيل عمليات الحجز والدفع الإلكتروني وتحسين تجربة السائح، كما فتحت المجال لتسويق السياحة عبر المنصات الرقمية التي توسع الخيارات أمام السياح وتتيح لهم تقييم الخدمات بشكل شفاف، لكنها في المقابل قد تصبح سببًا في ظهور الحجز الزائد نتيجة خلل أو ضعف التنسيق في أنظمة الحجز الرقمية بين الفنادق والوكالات، مما يؤكد الحاجة لتطوير أنظمة ذكية قادرة على إدارة الطلب بدقة عالية وتوفير تنبيهات فورية لأصحاب المصلحة.
يتطلب الرد على هذه الظاهرة حزمة متكاملة من الإجراءات تبدأ بتحسين وتحديث أنظمة الحجز لضمان التكامل التام بين جميع الأطراف المعنية، مع فرض رقابة صارمة من قبل الجهات الحكومية لضمان التزام الفنادق والوكالات بالقوانين ومعاقبة المخالفين بصرامة. كما يجب تعزيز الشفافية والإبلاغ المبكر للسياح عند حدوث أي مشكلات في الحجز، مع توفير بدائل مناسبة لتعويضهم، وتفعيل دور التوعية والتدريب في جميع مستويات القطاع السياحي لرفع الوعي بخطورة هذه الممارسات وسبل مواجهتها. كذلك، تعد التنسيق الفعال بين الفنادق، وكالات السفر، ومنظمات حماية المستهلك ضرورة لخلق شبكة دعم متكاملة تسهم في حل المشكلات وتجنب تكرارها مستقبلاً.
وفي الختام، تبقى السياحة من أهم القطاعات الاقتصادية التي تعتمد على الثقة والاستقرار لجذب الزوار وضمان استمرارية النمو الاقتصادي والاجتماعي. وإن ظاهرة الحجز الزائد التي أضرت بتجربة العديد من السياح في المغرب تمثل تحديًا كبيرًا يتطلب تعاونًا مثبتًا بين كل الأطراف المعنية، بدءًا من تحسين التكنولوجيا وانتهاءً بتطبيق قوانين صارمة، لضمان تقديم خدمات سياحية موثوقة تحترم حقوق السائحين وتعزز سمعة المغرب كوجهة سياحية متميزة. بتلك الخطوات يضمن القطاع السياحي حفاظه على مكانته الدولية ويحقق التنمية المستدامة التي تصب في مصلحة الجميع.