
تأتي حرائق الغابات والأراضي الزراعية كواحدة من أخطر الكوارث التي تهدد مصادر رزق الفلاحين في المناطق الريفية المغربية .هذه الفئة الحيوية التي تواجه التحديات المتزايدة، وتعصف بحياتهم الاقتصادية والاجتماعية.
فقد شهد إقليم شفشاون مؤخرًا ،بحسب اعلام محلي،حادثة مأساوية تتمثل في حريق واسع النطاق خلف وراءه خسائر جسيمة لمزارع فقد 30 رأسًا من الغنم، إلى جانب ما يقارب 400 بالة من التبن و700 شجرة زيتون بالإضافة إلى أشجار الفواكه المختلفة التي استهلكها اللهب، كما تأثرت البنية التحتية الضرورية لاستمرارية نشاطه الزراعي مثل الكوري وملاجئ الحيوانات، مما يعكس قسوة الواقع الذي يعيشه الفلاحون في مثل هذه المناطق.
تلك الخسائر لا تقتصر على أضرار مادية فحسب، بل تمتد لتخلق أزمة اقتصادية واجتماعية حادة، إذ يعتمد الفلاحون بشكل رئيسي على محاصيلهم ومواشيهم لتوفير لقمة العيش وتحقيق استقرارهم المعيشي، وعندما تضيع هذه الموارد بسبب حرائق طبيعية، يتعرضون لصدمة تعمق هشاشتهم الاقتصادية وتدفعهم نحو الفقر والضعف الاجتماعي. وبما أن غالبية هؤلاء الفلاحين لا يتمتعون بشبكات أمان قوية أو تأمينات زراعية كافية، فإنهم يواجهون صعوبة بالغة في التعافي من هذه الكوارث، الأمر الذي يطرح تساؤلات مهمة حول مدى فاعلية الإجراءات الوقائية وأنظمة الدعم القائمة.
في هذا السياق، تعد حرائق الغابات ظاهرة متكررة في المغرب وتزداد حدتها بفعل التغيرات المناخية التي تؤدي إلى ارتفاع درجات الحرارة ونقص التساقطات، مما يجعل موسم النزاع مع الحرائق مفتوحًا بشكل شبه دائم، الأمر الذي يتطلب استجابة متكاملة من الجهات المختصة لضمان حماية الفلاحين وتأمين استمرارية نشاطاتهم الزراعية. ورغم وجود برامج حكومية لدعم المتضررين، إلا أن الخسائر التي يتكبدها الفلاحون غالبًا ما تفوق قدرة هذه البرامج على التعويض الكامل، مما يحتم تطوير استراتيجيات شاملة تتجاوز مجرد الدعم الطارئ لتشمل الوقاية، التأمين، وبناء القدرات التنموية.
ومن جهود الدعم الحالية يمكن الإشارة إلى تقديم القروض الميسرة بشروط ملائمة، التي تأتي بهدف تمكين الفلاحين من إعادة بناء مشاريعهم المتضررة بشرط توفير استشارات تقنية وتدريب على أساليب الزراعة الحديثة المعززة للكفاءة والاستدامة. كما تحظى برامج التأمين الزراعي بأهمية متزايدة، إذ تحاول توفير تعويضات مالية تؤمن دخل الفلاحين في مواجهة المخاطر الطبيعية، لكن التوسع في هذه البرامج وتقليل تكاليفها للفئات الفقيرة يبقى أمرًا ضروريًا. إلى جانب ذلك، يتم دعم إنتاج الأعلاف والتغذية الحيوانية بما يساهم في تحسين صحة المواشي ورفع إنتاجيتها، وهو عنصر جوهري في تعافي مربي الماشية بعد الحريق.
وفيما يخص السياسات المقترحة لتعزيز حماية الفلاحين من تبعات هذه الكوارث، فإنه من الضروري توسيع نطاق التأمين ليشمل كافة المخاطر المحتملة وتسريع إجراءات صرف التعويضات، وصياغة آليات تمويل طارئة تمكّن الفلاحين من الحصول على مدد مالية وإعفاءات وتسديد ميسّر للديون. كما يجب أن تتبنى السياسات دعمًا فنيًا قائمًا على تدريب المزارعين على سبل الوقاية واستخدام التقنيات الزراعية الحديثة المقاومة للمخاطر البيئية كأنظمة الري الذكية وتزويد المنشآت الزراعية بمعدات مضادة للحريق. ويأتي تطوير البنية التحتية الريفية ضمن الاستراتيجيات الأساسية لدعم مقاومة المناطق الزراعية من خلال توفير شبكات مياه حديثة وطرق وصول ملائمة ومراكز طوارئ فعالة، بالإضافة إلى تشجيع التعاونيات الزراعية لتقوية روح التضامن وتبادل الموارد في مواجهة الأزمات.
لا يقتصر الأمر على الجوانب الاقتصادية بل يشكل البعد النفسي والاجتماعي أحد أهم تداعيات الحوادث مثل حرائق شفشاون، حيث يعاني الفلاحون من إحساس عميق بالخذلان والإحباط نتيجة فقدان مصادر عيشهم بعد سنوات من العمل الشاق، مما قد يدفع بشباب الريف نحو الهجرة مصطحبين مشكلات انعدام الاستقرار على مستوى النسيج الاجتماعي. وهذا يزيد من الحاجة الملحة لسياسات متكاملة ترتكز على بناء شبكة أمان اجتماعي قوية ودعم مستمر يضمن حصول الفلاح على موارد بديلة وتمكينه من تخطي تلك الأزمات.
تبرز حادثة الحريق في شفشاون كصورة حية لأزمة متداخلة تجمع بين تحديات مناخية، اقتصادية واجتماعية تتطلب تضافر الجهود الرسمية والمجتمعية لوضع استراتيجيات متعددة الأبعاد توفر الوقاية والدعم الفعليين لفئات الفلاحين الأشد هشاشة. فنجاح هذه الجهود لا يقتصر فقط على تعويض الأضرار المالية، بل يجب أن يشمل بناء قدرات مستدامة تؤمن بقاء واستمرارية النشاط الفلاحي، مما يعزز الأمن الغذائي ويحافظ على استقرار المجتمعات القروية في مواجهة تقلبات المناخ المستقبلية.