رأيسياسة

حقوق السجناء بين الممارسة والجدل: كيف تصون المنظومة المغربية الأمن والكرامة؟

إصلاحات تأهيلية ومطالب بتشديد العقوبات في مواجهة توسع الجريمة وتحديات إعادة الإدماج الاجتماعي.

تتزايد النقاشات في الشارع المغربي حول واقع السجون ودور المنظومة العقابية في مواجهة الجريمة، وسط موجة من الانتقادات التي ترى في الحقوق الممنوحة للسجناء “تساهلاً” يؤدي إلى عودة الكثيرين إلى حضن الجريمة بعد الإفراج عنهم. هذا الجدل يتزامن مع مطالب بتشديد العقوبات وتقييد الامتيازات داخل المؤسسات السجنية، في ظل مؤشرات تؤكد توسع رقعة الإجرام داخل المجتمع.

لكن عند التدقيق في تفاصيل السياسة السجنية المغربية، يتبين أن الأمر أكثر تعقيداً. فعلى الرغم من اعتراف الدولة المغربية بحقوق السجناء، مثل: الحق في السكن اللائق والرعاية الطبية والتعليم والزيارات وبرامج التأهيل النفسي والمهني، فإن هذه الحقوق لا تعد مكافأة، بل وسيلة لإعادة التوازن للفرد وتمكينه من تغيير سلوكياته وإتاحة فرصة اندماجه اجتماعياً عند خروجه من أسوار السجن.

وقد شرع المغرب في السنوات الأخيرة مجموعة من الإصلاحات المهمة، على رأسها تفعيل مؤسسة محمد السادس لإعادة إدماج السجناء، كأداة لضمان مواكبة السجناء خلال فترات توقيفهم وما بعد الإفراج بهدف محاربة ظاهرة العودة إلى الإجرام. هذا، إلى جانب تحديث التشريعات وتطوير البنية التحتية للسجون، خاصة من خلال نظام “الإجازة” للسجناء المنضبطين، مع وضع ضوابط صارمة تضمن عدم إساءة استعمال تلك الصلاحيات.

في الوقت ذاته، تشير تجارب دولية، خاصة في الولايات المتحدة الأمريكية، إلى أن التشدد المفرط وغض الطرف عن الحقوق الأساسية للسجناء لم يؤدِ إلى تراجع الجريمة بشكل ملموس، بل أحياناً أسهم في تعميق التهميش وإعادة إنتاج السلوك الإجرامي نتيجة ظروف الاعتقال السيئة وغياب فرص التأهيل الحقيقي. وما يزيد الصورة قتامةً التقارير التي تتحدث عن ظروف العمل القسري والعزل الانفرادي لمئات آلاف السجناء هناك.

من هنا يبرز تحدي المنظومة السجنية المغربية بين مقاربتين: الأولى أمنية تصر على القمع والتضييق، والثانية إصلاحية تراهن على التأهيل وضمان الكرامة الإنسانية، مع تطبيق القوانين بصرامة في مواجهة من يسيء استغلال الحقوق أو يكرر العودة إلى الجريمة.

الخلاصة أن مستقبل الأمن المجتمعي في المغرب يفرض اختيارات شجاعة توازن بين حفظ هيبة القانون وتحقيق العدالة للضحايا، وبين منح السجناء فرصة حقيقية للاستصلاح، مع تطوير برامج الإدماج، وتشديد الرقابة على إعادة إدماجهم في المجتمع، وجعل المنظومة العقابية أداة فعالة للوقاية من العود للجريمة وليس بيئة محفزة لها.

اظهر المزيد

حميد فوزي

رئيس التحرير
زر الذهاب إلى الأعلى
error: المحتوى محمي !!