
يشهد المغرب منذ صدور المذكرة الأخيرة للوكالة الوطنية للسلامة الطرقية، وما أعقبها من حملات أمنية لقياس سرعة الدراجات النارية الصغيرة وحجز عدد منها، نقاشا واسعا تجاوز الطابع التقني المرتبط بالسلامة الطرقية، ليتحول إلى قضية اجتماعية وقانونية تثير جدلا حادا في الرأي العام.
الإجراءات الجديدة، التي استهدفت بالأساس دراجات من طراز 49cc وC90، تقوم على إخضاعها لاختبارات السرعة الميدانية، حيث تُعتبر مطابقة للقانون إذا لم تتجاوز 57 كلم/س، فيما تُصنف غير مطابقة ويتم حجزها إذا تجاوزت هذا السقف؛ وتقول الوكالة إن هذا التدبير يندرج في إطار تعزيز السلامة الطرقية والتقليص من الحوادث المميتة، خاصة وأن الإحصاءات تشير إلى أن مستعملي الدراجات النارية يمثلون نسبة مرتفعة من ضحايا الطرق.
غير أن القرار أثار موجة رفض واسعة في الشارع؛ مواطنون اعتبروا أن المذكرة صيغت في غياب مقاربة تدريجية، وأنها وضعت ما يقارب مليوني شخص في وضعية هشاشة قانونية واجتماعية؛ ويشير منتقدون إلى أن جزءا كبيرا من المتضررين اقتنوا دراجات من نقاط بيع مرخصة، وتوفروا على بطائق رمادية تثبت قانونية وضعيتهم، قبل أن يتفاجؤوا بكون مركباتهم مصنفة مخالفة للقانون عند إخضاعها للفحص، دون أن يكونوا قد أجروا أي تعديل تقني.
الانتقادات لم تتوقف عند هذا الحد، بل طالت مؤسسات عمومية بعينها؛ فالمركز الوطني للاختبارات والتصديق التابع لوزارة النقل، الذي يمنح شهادات المطابقة، وُضع في صلب النقاش بدعوى أنه صادق على نماذج لا تحترم القوانين؛ كما جرى استحضار مسؤولية وزراء النقل المتعاقبين منذ 2010 لعدم إصدار المرسوم المنظم لرخصة سياقة هذه الفئة، فضلا عن البرلمان الذي لم يمارس رقابته في هذا الشأن؛ الجمارك بدورها متهمة بالسماح باستيراد دراجات غير مطابقة، بينما تواجه الوكالة الوطنية للسلامة الطرقية انتقادات بخصوص نجاعة استراتيجياتها في تقليص حوادث السير رغم الإمكانيات المخصصة لها.
في المقابل، يصر المسؤولون على أن الإجراءات تستند إلى مقتضيات قانونية واضحة، وأن الهدف منها هو وقف نزيف الحوادث وحماية الأرواح، مؤكدين أن التعديلات غير القانونية التي يخضع لها جزء من هذه الدراجات هي التي ترفع سرعتها وتتسبب في مآسٍ متكررة.
لكن البعد القانوني للنقاش ما زال مفتوحا؛ فهناك من يحذر من أن لجوء مواطنين متضررين إلى القضاء قد يفتح الباب أمام دعاوى جماعية تستند إلى الفصل 79 من قانون الالتزامات والعقود، الذي يجعل الدولة والجماعات مسؤولة عن الأضرار الناتجة عن أخطاء المرافق العمومية؛ وهو ما قد يترتب عنه التزامات مالية كبيرة في حالة صدور أحكام لفائدة المتضررين.
بين من يرى في هذه الإجراءات خطوة ضرورية لفرض الانضباط المروري، ومن يعتبرها قرارا متسرعا ألحق ضررا اجتماعيا واقتصاديا، تبدو الحاجة ملحة إلى معالجة شمولية تأخذ بعين الاعتبار السلامة الطرقية من جهة، وضمان الأمن القانوني والعدالة الاجتماعية من جهة ثانية، في أفق إعادة بناء الثقة بين المواطن والمؤسسات.