
تشهد الجزائر في عام 2025 تحولات مهمة في قطاع الفلاحة الذي بات يشكل ركيزة أساسية في الاستراتيجية الاقتصادية الوطنية.
فقد أعلن الرئيس عبد المجيد تبون عن رقم قياسي في حجم الإنتاج الفلاحي بلغ 38 مليار دولار، ما يعكس طموح الدولة في تحقيق الاكتفاء الذاتي وتعزيز الأمن الغذائي.
وتشير البيانات الرسمية إلى توسع كبير في المساحات المزروعة، لا سيما في الحبوب التي تم استهداف زراعتها على أكثر من 2.8 مليون هكتار خلال الموسم الزراعي 2024-2025، مع تحسينات ملموسة في الأداء الزراعي من خلال اعتماد تقنيات حديثة في الري واستخدام مدخلات إنتاج ذات جودة، مما وضع الجزائر كثاني أكبر منتج للقمح على مستوى القارة الإفريقية، متجاوزة المغرب الذي يعاني من تداعيات الجفاف.
وفي هذا السياق ،أجمعت صحيفة الشروق على أن هذه الأرقام تعكس واقعاً متقدماً للقطاع الزراعي الجزائري وفق معطيات دقيقة، وأكدت تصريحات خبراء الاقتصاد الذين يعتبرون هذه الإنجازات خطوة مهمة في مسار التنمية، حيث شهد الإنتاج ارتفاعاً مقارنة بعام 2023 الذي سجل إنتاجاً بقيمة 37 مليار دولار.
كما ناقشت الصحيفة توجهات الوزارة نحو تعميم الرقمنة وتحسين التخطيط الزراعي، وزيادة الإنتاج في ولايات الجنوب مثل القمح والشعير، مع جهود واضحة للحد من الاستيراد وتعزيز الاكتفاء الذاتي الغذائي.
ورغم هذه الإنجازات الرسمية، هناك واقع مغاير يعيشه المواطن الجزائري في الأسواق، حيث تشكل أسعار الخضر، الفواكه، واللحوم عائقاً كبيراً أمام القدرة الشرائية، وهذا ما عبّر عنه المعارض وليد الكبير في تغريدته المثيرة للجدل التي قال فيها: “بعد خريطة المغرب التي بثتها قناة النهار… قناة الشروق تفضح أكاذيب تبون الذي قال إن الإنتاج الفلاحي بلغ هذا العام 38 مليار دولار وتنزل إلى السوق لتكشف حجم غلاء أسعار الخضر والفواكه واللحوم (الموز ليس في المتناول ولحم الغنم 3500 دينار أي 27 دولار للكغ الواحد)… يبدو أن الطنجرة بدأت تطبخ🤔”. تعكس هذه التغريدة التناقض الصارخ بين الأرقام الرسمية والتقارير الواقعية عن الغلاء، حيث يشير وليد الكبير بشكل لفظي إلى أن هناك أزمة حقيقية تتفاقم في السوق المحلي، تؤثر مباشرة على حياة الناس اليومية، مبرزاً أن الحديث عن حجم الإنتاج الكبير لا يواكب الحالة الاقتصادية الفعلية.
التناقض الجوهري يكمن إذن بين حجم الإنتاج الفلاحي الضخم الذي تعلن عنه الدولة، والغلاء الفاحش الذي يعيشه السوق المحلي، حيث لا ينعكس النجاح في زيادة الإنتاج بالضرورة في تخفيض الأسعار أو تحسين مستوى المعيشة بشكل فوري. هذا التباين يعكس تحديات عميقة في الإدارة الاقتصادية وتوازن العرض والطلب، ما يفاقم من فجوة الثقة بين الحكومة والمواطنين ويزيد من حدة الاستياء الشعبي.
بناء على ذلك، يظهر قطاع الفلاحة في الجزائر كقصة نجاح تنموية من جهة، وتحدي اقتصادي واجتماعي من جهة أخرى. تبقى الحاجة ملحة لمواصلة الإصلاحات التي تعزز من كفاءة التوزيع وتحسن القدرة الشرائية، إلى جانب مواصلة دعم الإنتاج الزراعي بمزيد من الاستثمارات والتقنيات. فقط من خلال التكامل بين هذه الجوانب يمكن للجزائر أن تتجاوز تناقضاتها الراهنة وتحول إنجازاتها الزراعية إلى أثر ملموس على حياة المواطنين ورفاههم.
تعكس هذه الصورة الشاملة التي ترسمها المعطيات الرسمية، وتقارير الصحف، وتجربة السوق اليومية ديناميكية القطاع الفلاحي في الجزائر وتدعوا الجزائريين إلى النظر بعمق في واقع اقتصادهم وتعقيداته الاجتماعية والإدارية، مما يستوجب معالجة دقيقة وحقيقية .