
في سياق التطورات المتسارعة التي يشهدها قطاع العقار بالمملكة المغربية، تواصل الوكالة الوطنية للمحافظة العقارية والمسح العقاري والخرائطية إنجازات متميزة تعكس التزامها الراسخ برؤية استراتيجية واضحة وتحديث مستمر لأدواتها وخدماتها. ومع اقتراب انتهاء برنامجها الاستراتيجي للفترة 2022-2025، شرعت الوكالة في إعداد خارطة طريق جديدة تمتد حتى عام 2030، تهدف إلى ترسيخ المكتسبات التي تحققت خلال السنوات الماضية، وتعزيز الأمن العقاري والخرائطي، إلى جانب تسريع وتيرة الرقمنة وتحديث الخدمات المقدمة.
تتمحور خطة العمل الجديدة حول إعداد دراسة شاملة بتكلفة تفوق مليوني درهم، تشمل وضع رؤية واضحة وتطوير خطة منهجية متعددة السنوات تستند إلى تقييم دقيق للفترات السابقة. وتتضمن الأدوات المرافقة لوحات قيادة استراتيجية ومؤشرات أداء دقيقة، وتقارير دورية تتيح متابعة دقيقة لسير تنفيذ المشاريع والأهداف، بالإضافة إلى تحديد الموارد المطلوبة والمخاطر وآليات التقييم والمراقبة. تسعى هذه الاستراتيجية إلى تعزيز الحكامة والشفافية في العمل، مع تبسيط الإجراءات وتعميم التسجيل العقاري، مما يجعل الوكالة رافعة حقيقية للابتكار والتنمية الاقتصادية والاجتماعية.
في عام 2024، حققت الوكالة أداءً مالياً متميّزاً، حيث تجاوز رقم معاملات التسجيل العقاري 9.33 مليار درهم، مسجلة زيادة حوالي 10% مقارنة بسنة 2023، مما يعكس متانة المؤسسة وقدرتها على تعبئة الموارد لدعم مشاريعها الكبرى. كما شهد التحفيظ العقاري في المناطق القروية تسارعاً ملحوظاً، مع إصدار أكثر من 2.3 مليون شهادة ملكية و120 ألف رسم جديد، ما أسهم في تحسين الوضع الاجتماعي والاقتصادي للفلاحين والمقاولات الصغيرة. على الصعيد الفني، جرى تحديث المعطيات الخرائطية باستحداث أكثر من 37 ألف منطقة إحصائية تغطي التراب الوطني بدقة عالية، داعمة بذلك التخطيط التنموي للبلاد في ظل المتغيرات الديمغرافية والاقتصادية.
التحول الرقمي يمثل ركيزة أساسية في جهود الوكالة لتحسين جودة الخدمات، حيث تم تطوير منصات إلكترونية متقدمة تتيح إنجاز المعاملات العقارية بشكل سريع وآمن، مع تشفير وحماية صارمة للبيانات ومراقبة مستمرة تضمن سرعة الاستجابة لأي تهديدات سيبرانية محتملة. هذا التوجه عزز من ثقة المواطنين في النظام الرقمي، ورفع من مستوى رضا المرتفقين، ما ينعكس إيجاباً على سمعة الوكالة ومصداقيتها.
لكن رغم هذه النجاحات، لا تزال هناك تحديات تستلزم المزيد من الجهد والتطوير، خاصة في مجال تحسين أداء الأطر والمستخدمين الذين يشكلون حجر الأساس في منظومة العمل. ومن هنا، تبرز أهمية تبني خطة متكاملة لتحسين الأداء ترتكز على تحديد دقيق لنقاط الضعف مع وضع أهداف واضحة وقابلة للقياس، مدعومة بموارد تدريبية وتوجيهية مستمرة. تُنظم الخطة مراجعات دورية وتفاعلات مستمرة بين الإدارة والموظفين لتعزيز التواصل والتحفيز، مع استخدام أدوات تقنية لإدارة الوقت والمهام، مما يسهم في رفع الكفاءة وتحقيق الأهداف المؤسسية.
ينبغي دمج هذه الخطة مع توصيات عامة لتعزيز الأداء تشمل مراجعة برامج العمل لتناسب المتغيرات الاقتصادية والاجتماعية، تطوير نظام مراقبة دقيق للصفقات والموارد، وتحسين جودة العلاقات مع المرتفقين عبر آليات تقييم رضا فعالة، وهو ما يعزز ثقافة الشفافية والمسؤولية.
وفي الختام، إن الجهود التي تبذلها أطر ومستخدمو الوكالة الوطنية للمحافظة العقارية والمسح العقاري والخرائطية، على الرغم من التحديات التقنية والتنظيمية، تظل مثالاً للتفاني والاحترافية، وتجسد إرادة حقيقية للاستمرار في تحسين الخدمات العقارية، وضمان حقوق المواطنين. هذه الدينامية المتجددة والتخطيط الاستراتيجي المدروس يؤكدان أن الوكالة ستظل قوة رائدة تسهم بفعالية في التنمية الاقتصادية والاجتماعية للمملكة، وتحقق آمال المواطنين في ملكية عقارية آمنة وشفافة ومستدامة.