أخبارسياسة

قريباً لائحة رسمية لمنع ترشح مسؤولين سياسيين وجماعيين في المغرب إثر تقارير افتحاص تكشف فساداً مالياً وإدارياً

تداعيات حظر الترشيح تضعف الأحزاب وتمس تمويلها في ظل تحركات إدارية ومحاكمات لجرائم مالية تهدف إلى حماية المال العام وتعزيز الحكامة المحلية

تشهد الساحة السياسية المغربية في هذه الأيام تحولات هامة مع قرب الإعلان الرسمي عن لائحة تضم عدداً من المسؤولين السياسيين ورؤساء الجماعات الذين قد يُمنعون من الترشح للاستحقاقات الانتخابية المقبلة بناءً على تقارير افتحاص مالي وإداري كشفت مخالفات جسيمة في تدبير المال العام.
تأتي هذه التقارير في إطار عمليات افتحاص دقيقة أجرتها لجان التفتيش التابعة للمجالس الجهوية للحسابات والمفتشية العامة للإدارة الترابية، وسلطت الضوء على خروقات تشمل صفقات مشبوهة، سندات مزورة، وتبديد أموال،وتعاملاً غير شفاف مع مزودين، وقصوراً في المساطر القانونية المتعلقة بفتح الأظرفة وإدارة الصفقات.
وقد أدت هذه التجاوزات إلى إحالة ملفات رؤساء الجماعات المعنيين إلى محاكم جرائم الأموال، وسط متابعة مشددة من الشرطة القضائية، في خطوة تهدف إلى حماية المال العام وتحقيق العدالة وتعزيز الحكامة المحلية.

ترافق هذه العملية مع تحركات إدارية واسعة تشمل تنقيلات في صفوف رجال السلطة استعداداً لهذه الاستحقاقات، مما يعكس توجهات رسمية نحو إعادة ترتيب المشهد الإداري والسياسي لضمان نزاهة الانتخابات المقبلة وشفافية تدبير الشأن المحلي.
كما تعكس هذه الإجراءات إرادة جادة لمحاربة الفساد وسوء التدبير ضمن الأوساط السياسية والإدارية، مع التركيز على تنفيذ مضمون القوانين التنظيمية الجديدة التي ترمى إلى تعزيز الاستقلال المالي والإداري للجماعات الترابية وفق ما نص عليه دستور 2011.

ومع حظر الترشيح الصادر ضد عدد من المسؤولين، تواجه الأحزاب السياسية تحديات كبيرة، إذ تفقد مراكزها القيادية التي كانت تمثل أعمدة فعلية في هيكلها التنظيمي
بالإضافة إلى أن. هذا الفقد سيؤثر على قدرتها على المنافسة وإدارة ملفاتها الانتخابية بشكل فعّال، ويضعف من هيمنتها على المجالس الجهوية والمحلية التي كانت تشكل مصدر قوة وتمثيل. وبالتالي سيؤدي ذلك إلى زعزعة التنظيم الداخلي للأحزاب وإعادة بناء أطرها القيادية، في ظل عجز قد ينتج عن غياب الدعم المالي والسياسي الذي توفره القيادات الكبرى.
ويتعدى هذا التأثير التشريعي إلى الجانب النفسي والتنموي للأحزاب، التي قد تواجه صعوبات في حشد القاعدة الشعبية وفقدان الثقة بين الناخبين، خصوصاً إذا رُبطت تلك الأحزاب بمخالفات مالية أو إدارية أدت إلى منع مرشحيها من الترشح.
وفي الجانب المالي، يُعد حظر الترشيح بمثابة ضربة موجعة تمس مصادر التمويل الحياتية للأحزاب. إذ تعتمد كثير من الأحزاب على الموارد المالية المباشرة التي تؤمنها القيادات المسؤولة عبر شبكة علاقاتها، بالإضافة إلى التمويل الحكومي الذي يُمنح وفق الأداء الانتخابي وعدد المقاعد التي تحرزها الأحزاب.
ومن المنطقي إذاً أن يؤدي غياب قيادات مؤثرة إلى تراجع التمويل الحكومي نتيجة ضعف النتائج الانتخابية، كما أن انخفاض ثقة المانحين والمتعاطفين يؤثر على تراجع التبرعات الخاصة، ما يزيد من ضعف الموارد المالية التي تحتاجها الأحزاب لتنظيم حملاتها وتنشيط قواعدها.
يدفع هذا الواقع المالي المعقد الأحزاب إلى إعادة هيكلة مصادر تمويلها، والبحث عن بدائل تتسم بالشفافية والاستدامة لتعويض النقص الناجم عن منع الترشيح، علماً أن التحكم في الموارد المالية هو عامل أساسي لاستمرارية وقوة الأحزاب في المشهد السياسي.
تشكل هذه التحولات انعكاساً لعملية افتحاص وتدقيق دقيقة على مالية الجماعات الترابية، حيث باتت عملية المراقبة المالية التي تقوم بها المجالس الجهوية للحسابات ضرورة ملحة لحماية المال العام وضمان شفافية النفقات وترشيدها. فهذه العمليات لا تقتصر على التدقيق المالي التقليدي الذي يركز على النظر في الحسابات والموازنات، بل تتعداها إلى تقارير عملياتية تشمل الجوانب التنظيمية والقانونية والإدارية والبيئية، بهدف تحسين الحكامة المالية والترابية.
وللتذكير ،تكمن أهمية هذه الإجراءات في أنها تدعم إدارة أكثر فاعلية وشفافية للشأن المحلي، وتعزز الاستقلال المالي للجماعات، وتوفر موارد مالية معتبرة تمكن الوحدات الترابية من أداء مهامها التنموية والخدمية بكفاءة، خصوصاً في ظل تزايد نفقات التسيير والتجهيز.
في ظل هذه التطورات الحاسمة، يبرز الدور المركزي للفتحاص الداخلي والخارجي كأداة ضرورية لإرساء دعائم الحكامة الجيدة على مستوى الجماعات الترابية، وذلك من خلال تفعيل توصيات لجان الرقابة والمراقبة، وتعزيز المساءلة والشفافية، وهي معطيات أساسية لبناء الثقة بين المواطنين ومؤسساتهم المحلية، ودفع عجلة التنمية المستدامة في كافة المناطق. ويشكل تطبيق هذه الاستراتيجيات منعطفاً جديداً يعزز الالتزام بالقوانين ويحد من التجاوزات، ويدعم التجربة الديمقراطية المغربية من خلال ترسيخ الشفافية والمساواة في التسيير المحلي.

وبناءً على ذلك، يشكل منع ترشيح عدد من المسؤولين الذين ثبتت عليهم مخالفات مالية وإدارية محطة مفصلية في المشهد السياسي المغربي، حيث يتم التأكيد على ضرورة ربط المسؤولية بالمحاسبة، وحماية المال العام من الاستغلال والفساد، وتقديم النماذج الجديدة التي يمكن أن تعيد للنظام السياسي والأحزاب مكانتها وقوتها وفق قواعد شفافة وقانونية.
تبقى هذه الخطوات مؤشرًا إيجابيًا على جاهزية المغرب لمواجهة تحديات التدبير المالي والإداري، وتحقيق انتخابات عادلة تعكس تطلعات المواطنين في تحسين جودة الحكم المحلي وتعزيز المشاركة الديمقراطية.

اظهر المزيد

حميد فوزي

رئيس التحرير
زر الذهاب إلى الأعلى
error: المحتوى محمي !!