
أطلق نحو مئة شخصية جزائرية من بينهم مسؤولون معارضون ومثقفون وفاعلون سياسيون في 20 أغسطس 2025، نداء تم إصداره في البداية عبر صحيفة فرنسية مرموقة هي “Le Journal de Dimanche”، حيث دعا فيه الموقعون الشعب الجزائري للمطالبة بالمزيد من الحرية والمساواة والعدالة، في ظل تصاعد القمع السياسي الذي تعيشه البلاد ويعيق الإصلاحات الديمقراطية المطلوبة وهو ما أسماه موقع ألجيريا تايمز “البيان الوحدوي للديمقراطيين الجزائريين (مجموعة ناشطين ومنظمات)”
هذا النداء أو البيان الوحدوي الذي ظهر في سياق سياسي متوتر، جمع شخصيات من خلفيات متعددة شملت سياسيين، وناشطين مدنيين، وعسكريين سابقين وأطر من أحزاب معارضة، مبرزا تنوع وتعددية الموقعين الذين يؤمنون بضرورة العودة إلى المبادئ الأساسية للدولة المدنية القائمة على العدالة والكرامة وحقوق الإنسان، مطالبين بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين وإلغاء القوانين المقيدة للحريات.
لم يكن البيان الوحدوي مجرد تعبير احتجاجي بل شكل رسالة/نداء قوية تعكس حالة الانقسام السياسي والاجتماعي في الجزائر، حيث تعكس العلاقة بين الموقعين والأحزاب السياسية تنوعاً تراوح بين الانتماء الحزبي الرسمي والدعم الفكري والتحالفات السياسية التي تتشارك نفس الأهداف الإصلاحية، مع اعتماد وسائل التواصل الاجتماعي والمنصات الرقمية كأداة رئيسية لتنسيق التحركات ونشر الرسائل السياسية.
تقاطعت البرامج السياسية له” البيان الوحدوي” مع مطالب عدة أحزاب معارضة تتبنى الإصلاح الديمقراطي والعدالة الاجتماعية، بالرغم من عدم تجانس هذه البرامج في كل التفاصيل، لكن البيان/ النداء وحد الطموحات السياسية في محاولة لإحداث تأثير موحد يضغط على النظام، وسط توقعات أن يشكل حدثا سياسيا مهما قد يدفع النظام إلى فتح حوار وطني، أو على الأقل إلى بعض التنازلات الشكلية، في ظل احتمال تصاعد الاحتجاجات الشعبية التي قد تزيد من حدة التوترات السياسية والاجتماعية.
على الصعيد الاقتصادي، قد يتسبب البيان الوحدوي في إحداث حالة من عدم الاستقرار السياسي تؤثر سلباً على ثقة المستثمرين المحليين والأجانب، مما قد يضعف جذب الاستثمارات الضرورية للنمو والتنمية، إلا أن استجابة النظام عبر إصلاحات سياسية واجتماعية قد تخلق مناخاً أكثر حيوية واقتصاداً مستقراً يعزز من التنمية ويحسن من توزيع الدخل ويدعم الطلب الداخلي.
ويعتبر هذا النداء محطة بارزة في المشهد السياسي الجزائري يعكس تطلعات واسعة نحو دولة أكثر انفتاحاً وعدالة تضع حريات المواطنين في المقام الأول، ويلقي الضوء على التحديات السياسية والاقتصادية التي تواجهها الجزائر اليوم، ومن المتوقع أن يكون له دور محوري في تحريك الأوضاع، مع إمكانات لفتح فصل جديد من الإصلاح أو على العكس، تصعيد الأزمات، وفق ما ستسفر عنه تحركات القوى المختلفة في البلاد.
وفي هذا السياق،وبحسب موقع ألجيريا تايمز ،أكدت جبهة القوى الاشتراكية، على لسان أمينها الوطني الأول يوسف أوشيش، أن مؤتمر الصومام وهجمات الشمال القسنطيني يشكلان معاً محطتين مفصليتين في مسار الثورة، خلّدتا الإرادة الشعبية ورسختا معالم المشروع الوطني الذي حلم به الشهداء. ورأى أن مؤتمر الصومام كان تحولاً نوعياً رسّخ أسس الدولة الجزائرية الحديثة القائمة على السيادة الوطنية، القيادة الجماعية، وأولوية السياسي على العسكري، معتبراً أن رسائله العميقة لا تزال تلهم الجزائريين اليوم. ودعا أوشيش إلى توافق وطني جامع يقوم على إصلاحات سياسية ومؤسساتية عميقة، مؤكداً أن استمرار الانغلاق ورفض الحوار يفاقمان الأزمة، وأن الجزائر لن تخرج من أزمتها إلا عبر حوار شامل ومسؤول يفتح المجال أمام مشاركة حقيقية للشعب في تقرير مصيره.
وأضاف نفس المصدر ،ان التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية قد ركّز على العراقيل التي واجهها مناضلوه خلال محاولتهم التوجه إلى موقع انعقاد مؤتمر الصومام في إيفري، حيث أدان بشدة ما وصفه بالمنع والإهانات والاعتقالات التعسفية التي طالت مواطنين وناشطين. ورأى الحزب المعارض أن ما جرى يمثل “تدنيساً للذاكرة الوطنية” وانتهاكاً صريحاً للحريات. واعتبر أن هذه الممارسات تكشف عن منطق قمعي يستهدف الذاكرة الوطنية، مشدداً على أن الديمقراطية التي بشّر بها مؤتمر الصومام ستظل حية في وعي الشعب.
وفي المقابل، قدّم البيان الوحدوي للديمقراطيين الجزائريين (مجموعة ناشطين ومنظمات) مقاربة واسعة، حيث أكد أن روح مؤتمر الصومام ما تزال تمثل مرجعاً لبناء دولة مدنية ديمقراطية قائمة على السيادة الشعبية، أولوية المدني على العسكري، ورفض المشاريع الثيوقراطية. وجدد الموقعون على البيان مطالبهم العاجلة، وفي مقدمتها الإفراج عن المعتقلين السياسيين، إلغاء القوانين القمعية، وفتح حوار وطني شامل يمهّد لانتقال ديمقراطي حقيقي. كما شدد البيان على ضرورة ترسيخ الحريات الأساسية، المساواة بين الجنسين، الاعتراف بالتنوع الثقافي واللغوي، وإقامة قضاء مستقل يضمن الفصل بين السلطات.
ويرى المتتبعون للشأن الجزائري والاقليمي ان النداء الذي صدر في 20 أغسطس 2025 عبر صحيفة “Le Journal de Dimanche” الفرنسية يشكل خياراً حاسماً للجزائر في مستقبلها السياسي والاجتماعي والاقتصادي. ويعكس رغبة عميقة لإنهاء سنوات من التردد والقمع، وسط آمال بأن يكون بداية زمن جديد تحقق فيه الحريات وعدالة الكل.