
في خطوة مثيرة وجريئة أثار اليوتيوبر المغربي المعروف بلقب “بن نسنس” جدلاً واسعاً على الصعيدين المغربي والإسباني بعد تمكنه من اقتحام الجزر الجعفرية المحتلة التي تخضع للسيطرة الإسبانية منذ عام 1848، حيث قطع مسافة تقارب أربعة كيلومترات سباحة من منطقة رأس الماء قرب مدينة السعيدية، متجاوزاً جميع أنظمة المراقبة العسكرية والردارات المتواجدة في تلك الجزر. ويوثق الفيديو الذي نشره “بن نسنس” مغامرته التي أظهر فيها التجول بحرية بين المباني والمنشآت العسكرية، وهو يحيي مقابر موجودة في الجزيرة، مبرزاً أن المشكلة سياسية وليست دينية، ما عزز من الطابع الرمزي والسيادي لمبادرته. وتجدر الإشارة إلى أن هذه ليست المرة الأولى التي يكرر فيها “بن نسنس” هذا النوع من المغامرات، إذ قام بأفعال مماثلة في الجزر الجعفرية في سنوات 2022 و2023، ما جعله يكسب لقب “مغامر السيادة” في أوساط متابعيه .
الواقعة أثارت صدمة وقلقاً عميقاً داخل الأوساط العسكرية الإسبانية، حيث فتحت وزارة الدفاع الإسبانية تحقيقاً رسمياً لتحديد أسباب تمكن “بن نسنس” من دخول هذه المناطق الاستراتيجية الحساسة دون أن يتم رصده أو اعتراضه، معتبرة هذا الخرق بمثابة إخفاق أمني خطير. وأكدت مصادر عسكرية أن التحقيق يركز على ما إذا كان الحادث ناتجاً عن خلل في أنظمة المراقبة أو استغلال مسارات غير مألوفة، خصوصاً وأن الفيديوهات التي وثقها اليوتيوبر تظهر غياب أي دوريات عسكرية أو عناصر أمنية أثناء التجول، مما أثار نقاشاً واسعاً حول السيادة الإسبانية وسلامة منظومات الأمن في هذه الجزر .
في المغرب، لقيت هذه المغامرة تفاعلاً واسعاً بين مختلف شرائح المجتمع خاصة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، حيث احتفى كثير من المغاربة بـ”بن نسنس” واعتبروه رمزاً للسيادة الوطنية وروح المغامرة التي تتحدى الأوضاع السياسية الراهنة. وتباينت ردود الأفعال بين الدعم الكبير الذي عبر عنه الجمهور والمتابعون على الإنترنت، وبين النقاشات القانونية والسياسية التي أبرزت المخاطر التي قد تترتب عن مثل هذه التحركات، بمن في ذلك احتمال تصعيد التوترات مع الجانب الإسباني. ومع ذلك، لم تصدر حتى الآن تصريحات رسمية واضحة من الأحزاب المغربية بشأن الحادث، حيث تميل المواقف الحزبية إلى دعم السيادة المغربية مع الحفاظ على خطاب دبلوماسي متزن يحث على حل الخلافات عبر القنوات الرسمية. أما السلطات المغربية فلم تعلن عن تحركات رسمية محددة أو فتح تحقيق واضح في الحادث، وهو ما يعكس سياسة الحذر التي تنتهجها في مثل هذه القضايا الحساسة التي تحمل تداعيات سياسية وأمنية معقدة .
على الجانب الإسباني، أثار اقتحام “بن نسنس” ردود فعل قوية سياسية وعسكرية وشعبية. وزارة الدفاع الإسبانية قامت بفتح تحقيق رسمي وعلني للتحقق من هذا الخرق الأمني الكبير، معتبرة إياه استفزازاً وتمثيلاً خطيراً لثغرات في منظومة المراقبة. عبرت الأحزاب الإسبانية المختلفة عن استيائها من الحادث، معتبرة أن هذه الجزر تمثل نقاطاً استراتيجية مهمة من الناحية الأمنية والسياسية، وأن مثل هذه الاختراقات تهدد الاستقرار البحري والأمني في المنطقة. في الضفة الشعبية والإعلامية الإسبانية، ساد شعور القلق والغضب، مع تحذيرات من أن تشجيع مثل هذه التصرفات المغامرة قد يؤدي إلى تفاقم التوترات بين البلدين، ما يعقد ملفات السيادة والتعاون الأمني. ورغم ذلك وصف البعض “بن نسنس” بالمغامر، مع تحذير من أن تصرفاته قد تؤجج الصراعات السياسية .
تأتي هذه الحادثة في سياق علاقات مغربية إسبانية تموج بين التعاون والتوتر، حيث تجدد التوترات بين البلدين على خلفية قضايا سيادية مثل الصحراء والجزر المحتلة والهجرة. الحادثة كشفت حجم الهشاشة الأمنية في المناطق الحدودية الحساسة ومثلت تحدياً لدبلوماسية البلدين، إذ أضافت توتراً إضافياً إلى ملف العلاقات الثنائية التي تتسم بالتعقيد. ورغم الأزمة، تسعى البلدان للحفاظ على مصالح التنسيق الأمني والاقتصادي، خصوصاً في مكافحة الإرهاب وتنظيم الهجرة، الأمر الذي يبرز طبيعة العلاقات المتشابكة بين التوتر والتعاون. ويبقى هذا الحادث تذكيراً بمدى ضرورة معالجة الملفات الخلافية بحكمة وتطوير أنظمة المراقبة الحدودية وتعزيز قنوات الاتصال لمنع أية خروقات قد تؤثر على الاستقرار والتفاهم بين المغرب وإسبانيا .
تعكس قصة “بن نسنس” حالة فريدة من الجرأة والرمزية السياسية التي تخترق الأبعاد الأمنية والدبلوماسية بين المغرب وإسبانيا، وتسلط الضوء على واقع معقد بين الحدود السيادية والتحديات الأمنية، وتفرض ضرورة العمل المشترك لتعزيز الثقة وتجاوز الخلافات التي قد تعرقل مسار علاقات البلدين المستقبلية.