
يمثل قرار محكمة النقض المغربية رقم 1386 الصادر بتاريخ 14 أكتوبر 2020 نقطة فارقة في تطور القانون المغربي فيما يتعلق بالخيانة الزوجية في العصر الرقمي، إذ قضى بأن الممارسة الجنسية الافتراضية عبر تطبيقات التواصل الاجتماعي مثل الواتساب بين شخص متزوج وآخر خارج إطار الزواج تُعد خيانة زوجية.
وأوضحت المحكمة أن إشباع الرغبة الجنسية، حتى ولو تم عبر وسائل رقمية دون وجود اتصال جسدي مباشر، يدخل ضمن مفهوم الخيانة الزوجية ويخالف ميثاق الزوجية الذي يؤسس على الوفاء والثقة.
القرار جاء بناء على اعتراف الزوجة بممارسة علاقة جنسية افتراضية مع طرف ثالث عبر الواتساب، حيث تبادل الطرفان صورًا ومشاعر ذات طابع جنسي، كما تضافرت هذه العلاقة الرقمية مع قيام الزوجة بتبادل قبلات معه، رغم عدم حدوث ممارسة جنسية فعلية، مما اعتبرته المحكمة مساسًا بالعلاقة الزوجية.
وقد نقضت المحكمة حكم البراءة الذي أصدرته محكمة الاستئناف في القضية السابقة بسبب نقص التعليل ومعالجة القضية من دون الاعتراف بالأدلة الرقمية وأثرها، مؤكدة أن أي علاقة تؤدي إلى إشباع الرغبة الجنسية خارج الزوجية تُعد خيانة تستوجب المساءلة القانونية.
هذا القرار يحمل تداعيات واضحة على قانون الأحوال الشخصية، حيث وسّع نطاق مفهوم الخيانة الزوجية ليشمل العلاقات الافتراضية، ما يؤثر بشكل مباشر على قضايا الطلاق والحقوق المرتبطة بالحضانة والإجراءات الأسرية، كما يرسخ قبول الأدلة الرقمية في قضايا الخيانة الزوجية، ما يحفز ضرورة تحديث التشريعات لتواكب التغيرات التي فرضتها التكنولوجيا الحديثة.
و من ناحية أخرى، يُبرز القرار التحدي القانوني والاجتماعي المتمثل في الموازنة بين حق الزوجين في الوفاء وحماية خصوصية المستخدمين في عالم التواصل الرقمي.
على الصعيد الدولي، يوجد تنوع في التعامل مع قضايا الخيانة الرقمية؛ فبعض الدول مثل العراق وفرنسا تعترف بالأدلة الرقمية مع احترام حقوق الخصوصية، بينما لا تزال دول أخرى مثل الجزائر تفتقر إلى تشريعات واضحة بشأن هذه القضايا، مما يعكس أهمية التوجه المغربي الذي يمهد الطريق لمواكبة العصر وتحدياته.
كما تُظهر الفتاوى القضائية المتنوعة توافقًا على اعتبار الخيانة تشمل الأفعال الرقمية والافتراضية مع التشديد على ضرورة وجود أدلة واضحة تحفظ حقوق الأطراف وتوازن بين حماية الأسرة والخصوصية.
وفي مواجهة هذه التطورات، تبرز الحاجة إلى حلول تشريعية متكاملة تشمل تجريم الأفعال الرقمية التي تخل بميثاق الوفاء الزوجي، وتنظيم قبول الأدلة الإلكترونية بما يحترم الحريات الفردية، إضافة إلى إنشاء آليات قانونية تحمي المرأة والطفل من التحرش والاعتداء الرقمي.
كما يجب أن يترافق التشريع مع حملات توعية قانونية واجتماعية، لتعزيز الوعي بالمخاطر التي تفرضها الخيانة الرقمية، وتأثيراتها على تماسك الأسرة والمجتمع.
يعكس القرار رقم 1386 لعام 2020 كيف يمكن للقضاء أن يظل مواكبًا للتطورات التكنولوجية من خلال تفسير القوانين بما يتناسب مع الواقع الجديد، ويؤكد أن التكنولوجيا لم تعد مجرد أداة للاتصال، بل أصبحت محورا للنزاعات الأسرية التي تتطلب تدخلا قانونيًا حازمًا. ويبقى التحدي الأكبر هو إيجاد توازن ذكي بين حماية الحقوق الفردية وصيانة القيم الأسرية في ظل تحولات المجتمع الرقمي المتسارعة.