أخبار

الكارة : أزمة المرافق الصحية و غياب التخطيط وامتهان الكرامة الإنسانية

حكيم السعودي

تُعدّ المرافق الصحية من أبسط مقومات العيش الكريم، فهي ليست ترفًا أو خدمة ثانوية بل حاجة أساسية تمسّ كرامة الإنسان وصحته وسلامته. ومع ذلك، تظلّ مدينة الكارة مثالًا صارخًا على غياب هذا الحق البسيط حيث يفتقر المجال الحضري إلى وجود مراحيض عمومية تُمكّن الساكنة والزوار من قضاء حاجاتهم في ظروف تحفظ الحد الأدنى من النظافة والآدمية. هذه الأزمة ليست مجرد مشهد يومي عابر بل هي انعكاس لغياب رؤية تنموية شمولية ولمحدودية وعي المجالس المنتخبة بأولويات الساكنة وحاجاتها الأساسية.

عندما نتحدث عن الكارة فإننا نتحدث عن مدينة متوسطة الحجم تتوافد إليها ساكنة القرى والبوادي المجاورة من أجل التسوق أو قضاء الأغراض الإدارية والتجارية. هذا التدفق البشري الطبيعي لا يجد في المقابل فضاءات عمومية منظمة، سواء كانت حدائق للترويح، أو ملاعب للقرب أو نوادي عائلية أو حتى مسبح بلدي. الأسوأ من ذلك أنّ المرافق الصحية – التي هي ضرورة يومية ملحّة – غائبة بشكل كامل. الرجل حين تشتد به الضرورة يجد نفسه مضطرًا لقضاء حاجته في الخلاء، بجانب الجدران أو في البيوت المهجورة، وهو ما ينتج عنه مشاهد مقززة وروائح كريهة تعمّ بعض الأزقة. أمّا النساء، فإنّ معاناتهن مضاعفة: إذ يضطررن إلى الصبر، مهما كانت الحاجة ملحّة، في مشهد يومي يمتهن كرامتهن ويهدد صحتهن.

 

غياب هذه المرافق يطرح إشكالات متعددة الأبعاد. فمن الناحية الصحية، يؤدي التبول والتغوط في الفضاءات العشوائية إلى انتشار الروائح والجراثيم، ويُحوّل بعض الأزقة إلى بؤر ملوثة تهدد الصحة العامة. ومن الناحية الاجتماعية يعكس هذا الغياب تمييزًا صارخًا ضد النساء، اللواتي يجدن أنفسهن أكثر عرضة للمعاناة بسبب القيود الثقافية والاجتماعية التي تمنعهن من البحث عن حلول عشوائية كالرجال. أما من الناحية التنموية، فإنّ مدينة تفتقر إلى هذه المرافق لا يمكن أن تستقطب زوارًا أو تستفيد من موقعها كقطب اقتصادي محلي، بل تتحول إلى فضاء طارد للاستثمار والسياحة.إضافة إلى ذلك، يبرز مشهد المقاهي في الكارة كدليل آخر على غياب الفضاءات المشتركة. فالمقاهي المنتشرة على طول الشوارع الرئيسية تبدو شبه حكر على الرجال، إذ نادرًا ما ترتادها النساء بسبب النظرة الاجتماعية السائدة وكثرة التدخين بجميع أنواعه داخلها. وبهذا، يجد الشباب والشابات والعائلات أنفسهم أمام فراغ قاتل: لا فضاءات للترفيه، لا أماكن للنقاش أو اللقاءات العائلية ولا حدائق أو ملاعب مفتوحة للأطفال.إنّ السؤال الذي يفرض نفسه هنا: كيف يمكن لمجالس منتخبة أن تغفل عن أبسط متطلبات الحياة الحضرية؟ ألا يحق للساكنة أن تستفيد من مرافق عمومية تليق بكرامتها، كما هو معمول به في مدن أخرى قريبة؟ ألا يستحق الزائر القادم من القرى المجاورة أن يقضي حاجته في مرحاض نظيف بدل أن يُجبر على التوجه إلى الخلاء؟

 

الحلول ليست مستحيلة. فإحداث مراحيض عمومية موزعة على أهم النقط الحيوية في المدينة – كسوق الثلاثاء، المحطة الطرقية وسط المدينة – لا يحتاج إلى ميزانيات خيالية، بل إلى إرادة سياسية حقيقية ووعي بأهمية هذه المرافق. ويمكن للجماعة أن تُدبّرها في إطار شراكات مع القطاع الخاص أو المجتمع المدني، على أساس ضمان الجودة والصيانة الدائمة. كما أن إحداث فضاءات خضراء وملاعب للقرب ونوادٍ عائلية من شأنه أن يُعيد للمدينة جزءًا من توازنها الاجتماعي والثقافي.إنّ الحديث عن التنمية في الكارة لا يمكن أن يكون ذا معنى ما دامت أبسط ضروريات الحياة غائبة. فالمرافق الصحية ليست مجرد جدران وأبواب، بل هي عنوان لاحترام كرامة الإنسان، ودليل على وعي المجتمع بحقوق مواطنيه. والساكنة – رجالًا ونساءً، أطفالًا وشيوخًا – من حقها أن تعيش في مدينة تُحترم فيها كرامتهم، وتتوفر فيها شروط النظافة والصحة العمومية. إنّ الاستثمار الحقيقي لا يبدأ بالمشاريع الضخمة، بل يبدأ من التفاصيل الصغيرة التي تصنع الفرق في الحياة اليومية، والتي من دونها يبقى شعار التنمية مجرّد كلمات بلا مضمون.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى
error: المحتوى محمي !!