أخبار

الدولة الاجتماعية ودورها في تحقيق التنمية الترابية

إعداد :عبد الواحد بلقصري

باحث في علم الاجتماع السياسي بجامعة ابن طفيل 

 عرفت الأدبيات السياسية والانتروبولوجية في عدة دول أوروبية وشمال أوروبا الدولة الاجتماعية بأنها الدولة التي يلقى عليها واجب تقديم المساعدات والعون للفئات الضعيفة في المجتمع، والتي عليها مسؤولية حماية المواطنين من إمكانية الوقوع ضحية اقتصاد السوق الرأسمالي.*1*

والدولة الاجتماعية، هي التي تضمن التوزيع العادل للثروة من خلال الموارد والخدمات بناء على عدد من التشريعات، خصوصا في مجال التقاعد والشيخوخة والتأمين والعجز وغيرها من المخاطر التي تهدد الانسان، وتضع الاسرة تحت حماية قانونية خاصة، وهذه التشريعات يطلق عليها شبكة التأمينات الاجتماعية، ويعتبر النموذج الألماني إحدى أهم النماذج المتميزة في العالم ،حيث مع إعادة توحيد ألمانيا تم البدء في تطبيق نموذج الدولة الاجتماعية وبدأت الحكومة الفدرالية بصرف جزء من تكاليف إعادة توحيد ألمانيا*2*

 برز مفهوم الدولة الاجتماعية في القاموس السياسي خلال القرن التاسع عشر في سياق خاص جدا. إذ يعود إلى مؤسس الوحدة الألمانية بسمارك Bismarck حينما أقبل على إقامة نظام الحماية الاجتماعية من أجل تضييق الخناق على البروز السياسي للحزب الديمقراطي الاجتماعي المحظور، وبالتالي دمج الحركة العمالية الألمانية. وشهد هذا التعريف المقتصر في البداية على الحماية الاجتماعية، انتشارا متزايدا ليشمل أربعة ركائز أساسية للدولة الاجتماعية، وهي على الشكل الآتي؛ الحماية الاجتماعية، وتقنين علاقات الشغل (الحق في الشغل والمفاوضة الجماعية)، والخدمات العمومية، والسياسات الاقتصادية (ميزانياتية، نقدية، تجارية، دخلية…) المدعمة للنشاط الاقتصادي والتشغيل.*3*

 

كما أن الدولة الاجتماعية مرتبطة بشكل قوي بالديمقراطية. فعبر الديمقراطية، يتم التعبير على المواطنة الفاعلة، وتحقيق التماثل الاجتماعي ، وهناك ثلاثة اطروحات تؤكد هذه الأطروحة: أن الديمقراطية تؤدي الى التنمية الاقتصادية والاجتماعية حسب نظر المفكر البنغالي أمارتياسن ، والاطروحة الثانية تؤكد أن التنمية الاقتصادية والاجتماعية لا تؤدي إلى الديمقراطية والدليل على ذلك نموذج دول المينا والخليج العربي،اما الأطروحة الثالثة فتتعلق بان التنمية الإنسانية تؤدي الى التنمية الاقتصادية والاجتماعيةة باعتبار ان التنمية الانسانية تتعلق بإعطاء الناس الفرص والقدرات وتنمية الإنسان لأجل الانسان 

وباعتبارها تتعلق بمؤشرات ترتبط بالأمن الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والبيئي*4*.

 كما أن الدولة الاجتماعية تنبني على العدالة المجالية وإعطاء التراب أحقيته واهميته باعتباره يشكل إحدى أهم مرتكزات المواطنة الفاعلة وهو عنصر الإنتماء ،دون أن ننسى أن معالم ها ترتكز على محاربة الاحتكار العمومي وتنبني على توزيع الموارد والخدمات وتكافؤ الفرص وفعالية و ضبط القانون وتنظيم الحوار العمومي وتفعيل الديمقراطية التشاركية .*5* 

والسؤال الذي يطرح من خلال التجارب المقارنة يتبين لنا أن دعامات الدولة أصبحت حاضرة بشكل قوي لدينا سواء من خلال دستور سنة 2011، أو البرامج الحكومية للحكومات التي أعقبت هذا الدستور، حيث نص الدستور في تصديره ذكر بالعديد من دعائم الدولة الاجتماعية.*4*

إن المملكة المغربية، وفاء لاختيارها الذي لا رجعة فيه، في بناء دولة ديمقراطية يسودها الحق والقانون، تواصل إقامة مؤسسات دولة حديثة، مرتكزاتها المشاركة والتعددية والحكامة الجيدة، وإرساء دعائم مجتمع متضامن، يتمتع فيه الجميع بالأمن والحرية والكرامة والمساواة، وتكافؤ الفرص، والعدالة الاجتماعية، ومقومات العيش الكريم، في نطاق التلازم بين حقوق وواجبات المواطنة.

المملكة المغربية دولة إسلامية ذات سيادة كاملة، متشبثة بوحدتها الوطنية والترابية، وبصيانة تلاحم مقومات هويتها الوطنية، الموحدة بانصهار كل مكوناتها، العربية – الإسلامية، والأمازيغية، والصحراوية الحسانية، والغنية بروافدها الإفريقية والأندلسية والعبرية والمتوسطية.

كما أن الهوية المغربية تتميز بتبوء الدين الإسلامي مكانة الصدارة فيها، وذلك في ظل تشبث الشعب المغربي بقيم الانفتاح والاعتدال والتسامح والحوار، والتفاهم المتبادل بين الثقافات والحضارات الإنسانية جمعاء.

وإدراكا منها بضرورة إدراج عملها في إطار المنظمات الدولية، فإن المملكة المغربية، العضو العامل النشيط في هذه المنظمات، تتعهد بالتزام ما تقتضيه مواثيقها، من مبادئ وحقوق وواجبات، وتؤكد تشبثها بحقوق الإنسان، كما هي متعارف عليها عالميا.

كما تؤكد عزمها على مواصلة العمل للمحافظة على السلام والأمن في العالم، وتأسيسا على هذه القيم والمبادئ الثابتة، وعلى إرادتها القوية في ترسيخ روابط الإخاء والصداقة والتعاون والتضامن والشراكة البناءة، وتحقيق التقدم المشترك، فإن المملكة المغربية، الدولة الموحدة، ذات السيادة الكاملة، المنتمية إلى المغرب الكبير.*5*

كما نص في الفصل الأول على ما يلي:

نظام الحكم بالمغرب نظام ملكية دستورية، ديمقراطية برلمانية واجتماعية.

يقوم النظام الدستوري للمملكة على أساس فصل السلط، وتوازنها وتعاونها، والديمقراطية المواطنة والتشاركية، وعلى مبادئ الحكامة

الجيدة، وربط المسؤولية بالمحاسبة.*6*

تستند الأمة في حياتها العامة على ثوابت جامعة، تتمثل في الدين الإسلامي السمح، والوحدة الوطنية متعددة الروافد، والملكية الدستورية، والاختيار الديمقراطي

التنظيم الترابي للمملكة تنظيم لا مركزي، يقوم على الجهوية المتقدمة.

كما نص في الفصل 31 على ما يلي:

تعمل الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية، على تعبئة كل الوسائل المتاحة، لتيسير أسباب استفادة المواطنات والمواطنين، على قدم المساواة، من الحق في:

– العلاج والعناية الصحية؛

– الحماية الاجتماعية والتغطية الصحية، والتضامن التعاضدي أو المنظم من لدن الدولة؛*7*

– الحصول على تعليم عصري ميسر الولوج وذي جودة؛

   التنشئة على التشبث بالهوية المغربية، والثوابت الوطنية الراسخة؛

– التكوين المهني والاستفادة من التربية البدنية والفنية؛

– السكن اللائق؛

– الشغل والدعم من طرف السلطات العمومية في البحث عن منصب شغل، أو في التشغيل الذاتي؛

– ولوج الوظائف العمومية حسب الاستحقاق؛

– الحصول على الماء والعيش في بيئة سليمة؛

– التنمية المستدامة.*8*

ونلاحظ من خلال ما سبق أن دستور 2011، أبرز لنا دعائم وركائز الدولة الاجتماعية الي تنبني على التضامن والمساواة والانصاف والحكامة الجيدة وتوزيع الخدمات العمومية بشكل متساو والاندماج الوطني والحماية الاجتماعية ،كما أن المسالة الاجتماعية شكلت إحدي الركائز المهمة لبرامج الأحزاب السياسية المشكلة للائتلاف الحكومي ، وبالنظر إلى التاريخ القريب للمغرب المســــــــــــتقل نجد أن المسالة الاجتماعية بدئت إلى البروز مع حكومة التناوب التوافقي ،حيث أنه بالنظر إلى التراكمات السلبية التي عرفها المغرب وأعطت لنا أزمة ثقة بين الدولة والمجتمع و كانت انتظارات المغرب من تلك الحكومة كبيرة وبدئت تطفو الى السطح الاهتمام بشرعيةانجازسياسات اجتماعية من شأنها أن تعيد الاعتبار الى المواطن ،وبالرغم من العديد من السياسات الاجتماعية التي عرفها المغرب فإن هاته الشرعية لم تعرف نجاحا كبيرا حتى مع حكومتي العدالة والتنمية التي جائت وفق الرهانات الدستورية لدستور سنة 2011 ،والذي أعطى لرئيس الحكومة صلاحيات مهمة وأعاد الاعتبار للمسألة الاجتماعية من خلال العديد من بنوذه.

ومع ظهور وباء كورونا كوفيد 19 أصبح دور الدولة كحامية للمجتمع وأصبحت الثقافةالدولتية هي الأبرز في كل تلك الأحداث التي عرفها المغرب في هاته الفترة ،وأصبح أولى اهتمامات الدولة هي المسألة الاجتماعية وقضاياها مثل قضية الصحة والتي لم تكن في مركز السياسات العمومية الاجتماعية .                  

كل هاته الأشياء أثرت بشكل كبير على مقترحات برامج الأحزاب السياسية ،وقد شكلت المسألة الاجتماعية أحد أبرز مضامين برامج الأحزاب السياسية الفائزة في الانتخابات والمشكلة للإئتلاف الحكومي .

نخلص في الأخير إلى الخلاصات التالية : 

الخلاصة الأولى :

أنه لتحقيق رهانات الدخول في خانة الدول الصاعدة فإننا في حاجة ماسة إلى دولة اجتماعية قادرة على تحقيق تنمية ترابية مندمجة ،تتبنى سياسات عمومية معقلنة تساهم في الرفع من مؤشرات الخدمات والرعاية الاجتماعية والتمكين الاقتصادي والاجتماعي والتضامني.

الخلاصة الثانية :  

أن الاستثمارفي الرأسمال البشري و تأهيل وبناء مقاولات مواطنة يستلزم منا بناء دعائم الدولة الاجتماعية لكن تكريس بنودها وتفعيلها ما زال بحاجة ماسة إلى إرادة وطنية حقيقية ووعي مجتمعي.

الخلاصة الثالثة :

أنه لايمكن تحقيق دولة اجتماعية بدون نخب سياسية لها مشاريع وبرامج سياسية تحمل في طياتها هواجس تنموية حقيقية وإرادة سياسية قوية ،ولن يتحقق ذلك بدون أحزاب سياسية لها هموم وطنية وقادرة على رفع التحديات والإجابة عن المشاكل السياسية والاقتصادية والاجتماعية المعقدة التي يعيشها المجتمع المغربي . 

الخلاصة الرابعة :

أن الجامعة كمجال للانتاج الفكري وتكوين النخب وتأطير النقاش العمومي المسؤول تمثل قاطرة لتعزيز التقاطع بين البحث العلمي وصناعة القرار العمومي وتأهيل المواطن الفاعل ومساءلة السياسات العمومية ،كما أنها تعتبر فاعلة في صياغة المشروع المجتمعي الذي ينشده المغاربة ،كل هاته الاعتبارات تعد إحدى المداخل الاساسية والقوية لبناء دولة اجتماعية حقيقية .

المراجع والهوامش :

للمزيد من المعلومات انظر سلسلة أوراق بحثية حول القانون والاقتصاد “قراءة في مفهوم الدولة الاجتماعية :النموذج الألماني دراسات حول نموذج اقتصاد السوق الاجتماعي “

إعداد جميل سالم 6/2018 معهد الحقوق جامعة بيرزيت ،فلسطين

نفسه

نفسه

للمزيد من المعلومات انظر مقال للدكتورعبد السلام الصديقي جريدة بيان اليوم 22 يناير 2023.

نفسه

للمزيد من المعلومات انظرمقالة حول “المسألة الاجتماعية في برامج الاحزاب السياسية المشكلة للحكومة ” عبدالواحد بلقصري، جريدة بناصا الالكترونية 22/02/2022

انظر دستور المملكة المغربية لسنة 2011

نفسه

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى
error: المحتوى محمي !!