*القراءة في البادية.. حين يكتب التراب أولى فصول المعرفة*.

*بقلم حبيل رشيد*.
في مشهد يعيد إلى الأذهان صورة المغرب العميق، حيث البساطة تنسج أحلاما من الغبار والضوء، ينظم نادي القلم المغربي بتعاون مع النادي المذكوري للكرة الحديدية ندوة ثقافية استثنائية تحت عنوان “القراءة في البادية”، يوم الجمعة 14 نونبر 2025، بـ دار الشباب الكارة، انطلاقا من الساعة الخامسة مساءً (17:00).
هذه المبادرة الثقافية التي تتقاطع فيها روح الفكر مع نبض الأرض، تأتي في زمن تحتاج فيه البادية المغربية إلى بعث جديد يجعل من الكتاب نافذة للأمل ورافعة للتنمية الثقافية والاجتماعية. فالقراءة في القرى ليست ترفاً، بل فعل مقاومة ضد العزلة، وإصرار على أن المعرفة حق وليست امتيازا.
الندوة، التي ستشهد مشاركة أسماء فكرية وثقافية وازنة، من بينهم علي فقير، التهامي الحبشي، عمر فقيهي، وزكريا عريف، يشرف على تسييرها الإعلامي والفاعل الثقافي عبد الرحيم ابن الحمرا، الذي اشتهر بحضوره القوي في المشهد الثقافي المحلي وإدارته المتميزة للنقاشات الفكرية.
وسيتم خلال اللقاء مناقشة واقع القراءة في الوسط القروي، والعوامل التي تجعل من الوصول إلى الكتاب تحديا يوميا، بدءا من غياب البنيات التحتية الثقافية، ومرورا بمحدودية الإمكانيات، وصولا إلى ضعف السياسات الموجهة للنهوض بالثقافة القروية. كما ستسلط المداخلات الضوء على قصص النجاح الفردي في بيئات فقيرة لكنها غنية بالإصرار، لتؤكد أن الموهبة لا تحتاج سوى إلى شرارة، وأن تلك الشرارة اسمها: القراءة.
اختيار صورة الغلاف للندوة، التي يظهر فيها طفل قروي منهمك في قراءة كتاب، ليس صدفة. إنها رسالة بليغة تختزل فلسفة الحدث: أن المعرفة لا تحتاج جدرانا من الإسمنت، بل قلوبا تؤمن بأن الكتاب حياة. فبين طين البيوت وأشجار الزيتون، تنبت في البادية المغربية عقول تكتب بلغة الأمل وتقرأ على نور الشغف.
المنظمون أكدوا أن هذه الندوة تأتي في إطار نشر ثقافة القراءة في الأوساط الهشة، ودعم المبادرات الشبابية الهادفة إلى بناء مجتمع قارئ، خاصة في المناطق التي تعاني من ضعف في البنيات الثقافية. كما شددوا على أن المشروع لا يقف عند حدود الندوات النظرية، بل يسعى إلى إطلاق قوافل للكتاب تجوب القرى والمداشر، وتعيد للكتاب مكانته الأولى كرفيق دائم للطفل القروي.
إنها لحظة رمزية تعلن أن القراءة ليست امتياز المدن ولا ترف النخب، بل حاجة إنسانية تتجاوز الفقر والبعد والتهميش. ففي البادية، حيث تتعانق الأرض مع السماء، يصبح كل كتاب حبة قمح، وكل قارئ فلاحا جديدا في حقول المعرفة.
بهذا الحدث الثقافي، يؤكد نادي القلم المغربي أنه لا يكتفي بدور المتفرج، بل يتحول إلى فاعل حقيقي في إعادة بناء الوعي الجمعي، مستلهما رسالته من واقع مغربي يحتاج إلى الحرف كما يحتاج إلى الماء والخبز.
إن ندوة “القراءة في البادية” ليست مجرد نشاط ثقافي عابر، بل هي نداء صادق من الهامش إلى المركز: أنصتوا لصوت البادية، فهناك من يقرأ في صمت، ويحلم بوطن يضع الكتاب بين يدي كل طفل، مهما كان مكانه، ومهما كانت بساطة ملبسه أو فقر قريته.
الجمعة 14 نونبر 2025 لن تكون يوما عاديا في دار الشباب الكارة، بل موعدا مع الأمل، حيث تتحول الصفحات إلى أجنحة، والقرى إلى مكتبات مفتوحة على المستقبل.












