أخبارأنشطة ملكيةإقتصادجهاتسياسة

الثورة السورية : مآلاتها ونتائجها (ج.1)

عبد الله عنتار
1) مخاض سورية من أجل الاستقلال : نضال السوريين ضد التقسيم
تتموقع سوريا في بلاد الهلال الخصيب، تحدها شرقا العراق، وشمالا تركيا، وجنوبا الأردن، بينما تحدها فلسطين ولبنان والبحر المتوسط غربا، حصلت سوريا على استقلالها عام 1946 بعد أكثر من عشرين عاما من المقاومة والنضال، لقد كانت سوريا جزءا من الامبراطورية العثمانية لقرون طويلة، ولكن بعد مشاركة هذه الأخيرة إلى جانب ألمانيا المنهزمة في الحرب العالمية الأولى، انسحب قائد الجيش التركي مصطفى كمال أتاتورك من مدينة دمشق فاسحا المجال للقوات البريطانية والعربية، تشكلت أول حكومة عربية عام 1918 بقيادة الأمير فيصل الأول في دمشق، لكنها كانت حكومة صورية، إذ رفض البريطانيون السماح للجيش العربي بالتسلح، وخيبت آمال العرب في تحقيق الاستقلال خلال مؤتمر الصلح عام 1919 بقصر فرساي بباريس، لقد كانت قبل ذلك اتفاقية سرية اسمها سايكس بيكو وقعت سنة 1916 بين ابريطانيا وفرنسا وروسيا وقضت بتقسيم منطقة الهلال الخصيب إلى منطقة الانتداب الفرنسي ومنطقة الانتداب البريطاني رغم مطالب الأمير فيصل خلال مؤتمر الصلح باستقلال ثلاث دول عربية وهي سوريا والعراق والحجاز، فمباشرة بعد مؤتمر الصلح عمل البريطانيون على تطبيق الاتفاق السري مع الفرنسيين، والذي فضح هذا المشروع هم البلاشفة بعد وصولهم إلى السلطة في روسيا لأنهم حصلوا على وثيقة الاتفاق أثناء سقوط النظام القيصري عام 1917، لذلك أنزلت القوات الفرنسية جيوشها على الساحل السوري واستلمت قيادة سوريا من البريطانيين الذين حصلوا بموجب الاتفاق على العراق والأردن وفلسطين وتعيين الأميرين فيصل وشقيقه حاكمين صوريين على الأردن والعراق، الشيء الذي مهد لثورة الشعب السوري من أجل الاستقلال.
حينما علم السوريون بمضمون الاتفاق السري، حدثت مجموعة من الانتفاضات والثورات كثورة صالح علي وثورة صبحي بركات وغيرها من الثورات التي طالبت بتحقيق الاستقلال من الانتداب الفرنسي، لقد عمل هذا الأخير على تفتيت الوطن السوري إلى دويلات على أسس طائفية وإثنية كما هو الحال لدولة العلويين التي شيدت في ساحل اللاذقية وجبال العلويين وامتدت من الإسكندرون إلى النهر الكبير على حدود لبنان الشمالية، إضافة إلى دولة خاصة بكاثوليك الشرق تسمى بلبنان الكبير، ودولة درزية جنوب دمشق، هكذا يظهر أن منطقة الانتداب الفرنسي التي كانت تسمى بمنطقة (أ) لم يتم تفتيتها على هذه الشاكلة وحسب، بل انسجاما مع مضمون سايكس بيكو تم فصل سوريا الأم إلى عدة أقاليم، وهكذا حصل الانتداب البريطاني (منطقة ب) على الأردن وسيناء، بينما فلسطين احتلها الصهاينة ومنطقة الاسكندرون احتلتها تركيا، في حين قبرص تم تقسيمها بين اليونان وتركيا، لذلك فعشية استقلال سوريا في نيسان عام 1946 تقلصت مساحتها خصوصا بعد فصل لبنان عنها من 300 ألف كلم مربع إلى 185190 كلم مربع.
كان رد السوريين قويا بعد تقسيم البلد من طرف الانتداب الفرنسي، هكذا في عام 1925 نشبت الثورة السورية الكبرى بقيادة باشا الأطرش، فرد الفرنسيون بعنف، واستعملوا القوة العسكرية ضد الثوار، غير أن هذا لم يمنع الثورة من الانتشار في مدن آخرى في الفترة الممتدة ما بين سنة 1925 وسنة 1927 خاصة في مدن دمشق والغوطة، الشيء الذي أرغم الفرنسيين في سنة 1925 على السماح للسوريين بتشكيل الأحزاب السياسية، وفي السنة نفسها تشكل حزب الشعب السوري بقيادة المحامي فارس خوري (بروتستانتي) وعبد الرحمان شهبندر (سني)، وإن دل هذا التأسيس على شيء، فإنما يدل على وعي الطوائف السورية بالمخططات الاستعمارية الرامية إلى تفتيت البلد على أسس مذهبية للحفاظ على انتدابها ووجودها في الأرض السورية، لذلك أعلن المنضوون في حزب الشعب أن أي سوري لن يجد هويته الوطنية في بلاد مجزأة بإرادة الاستعمار وأن السعي إلى الحرية والاستقلال يجب أن يكون يدا بيد مع السعي إلى وحدة سورية الجغرافية بما فيها فلسطين ولبنان، وكان نضال حزب الشعب شاملا، لقد انصب على قضايا التعليم والصناعة الوطنية والقضاء على الأمية التي وصلت إلى 90 في المئة بعد التخلص من العثمانيين، وبالتالي كان برنامجه يعكس طموح البورجوازية السورية الساعية إلى تشكيل دولة وطنية تتعالى من خلالها على الصراعات المذهبية.
مهد تشكيل الأحزاب الدخول إلى البرلمان، ففي سنة 1928 أجريت انتخابات نيابية وأسفرت عن فوز الموالين للانتداب الفرنسي، لكن على الرغم من ذلك كان هؤلاء الموالون لفرنسا في اجتماعاتهم داخل البرلمان يبحثون عن صيغة لتقليص السيطرة الفرنسية ومنح السلطة إلى الشعب السوري، في هذا الإطار جرت أول مواجهة بين المفوض السامي هنري بونسو، إذ رفض هذا الأخير مسودة دستور تلغي كليا سلطة الانتداب الفرنسي وتضم بنودا على وحدة سورية الجغرافية، فقام بونسو عام 1930 بإلغاء البرلمان، وتعديل الدستور لكي ينسجم مع الانتداب الفرنسي، ففي فحوى الدستور المعدل نجد تطاولا كبيرا لفرنسا على مبادىء ثورتها التي جرت عام 1789 القائمة على مفهوم المواطنة العالمية التي لا تميز بين البشر على أسس دينية أو مذهبية أو طائفية، هكذا نجد في الدستور أن رئيس الجمهورية يكون مسلما ولا يخضع للمساءلة البرلمانية، بينما التمثيل النيابي، فيعتمد على التوزيع المناطقي والمذهبي، هذا ما دفع الكثير من النواب إلى الاستقالة لأن سلطة الانتداب الفرنسي لا تأخذ القضايا الأساسية للبلاد على محمل الجد، والأنكى من ذلك صار البرلمان محلا للمماحكات الفارغة، وما إن صعد المفوض السامي دميان دي مارتل حتى عطل البرلمان وكل المؤسسات بعد إلغاء النقاشات حول مسودة الدستور التي وعد بفتحها انطلاقا من عام 1932.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى
error: المحتوى محمي !!