إصلاح التعليم في المغرب: دعم مالي وتشريعات جديدة لتعزيز جودة التعليم والبحث العلمي
مشروع مرسوم 2.25.539 وقانون المالية 2025 بين تعزيز التعويضات وتطوير الجامعات الخاصة والحوكمة التعليمية

في ظل التحديات الكبيرة التي يواجهها قطاع التعليم في المغرب، تتجه الحكومة بشكل جدي نحو تطوير منظومة التعليم عبر إحداث تغييرات تشريعية وتنظيمية عميقة تشمل مختلف المراحل الدراسية والمؤسسات التعليمية، من التعليم المدرسي إلى التعليم العالي والبحث العلمي. يأتي مشروع مرسوم رقم 2.25.539 الخاص بتعديل التعويضات عن الساعات الإضافية لأطر هيئة التدريس كجزء من هذه الجهود الرامية إلى تحسين ظروف العمل وتحفيز المدرسين لتعزيز جودة العملية التعليمية. يعكس هذا المشروع روح الإصلاح التي تستهدف رفع التعويضات بما يتناسب مع المسؤوليات المتزايدة، إلا أنه يفرض أيضًا أعباء مالية كبيرة على ميزانية وزارة التربية، ما يستدعي إدارة مالية دقيقة لضمان استدامة الموارد وتحقيق أفضل النتائج.
يرتكز مشروع مرسوم 2.25.539 على رفع وتعزيز التعويضات المالية التي تُمنح للمدرسين مقابل ساعات العمل الإضافية، مع الحفاظ على سقف الساعات الأسبوعية وتنظيم آليات صرف هذه التعويضات بشكل أكثر شفافية وفعالية. وقد شهدت التعويضات زيادة ملحوظة لجميع الأسلاك التعليمية، من التعليم الابتدائي وحتى الأساتذة المبرزين، بما يعكس الاستجابة لمطالب النقابات التعليمية ويحفز الكفاءات التربوية على بذل المزيد من الجهد. وفي الوقت نفسه، فإن تنفيذ هذه الزيادات يتطلب تخصيص ميزانية ضخمة تُقدر بحوالي 9 مليارات درهم خلال الفترة 2024-2025، مما يفرض على الوزارة تبني إجراءات رقابية صارمة لضمان توزيع الأموال بشكل عادل وفعال.
يتكامل هذا الجهد المالي مع مشروع قانون المالية لسنة 2025، الذي حدد غلافًا ماليًا مهمًا لقطاع التعليم، حيث خصص أكثر من 16.4 مليار درهم لدعم التعليم العالي والبحث العلمي ضمن ميزانيته التي تبلغ حوالي 85.6 مليار درهم موجهة لقطاع التربية والتعليم ككل. وتركز الحكومة في مشروع القانون هذا على تعزيز جودة التكوين وتطوير البحث العلمي، وربطه بالأولويات الوطنية، بالإضافة إلى توسيع شبكات التكوين المهني واستحداث مؤسسات جامعية متخصصة في مجالات الذكاء الاصطناعي والرقمنة، ما يعكس التوجه نحو مواكبة التحولات التكنولوجية والاقتصادية.
كما شمل القانون الارتقاء بالبنية التحتية للجامعات من خلال زيادة الطاقة الاستيعابية للأحياء الجامعية وتوسيع خدمات الدعم للطلبة لتعزيز بيئة تعليمية ملائمة. كما يولي المشروع اهتماماً خاصاً بالحكامة وتحسين تدبير الموارد في منظومة التعليم العالي، مع تعزيز استدامة التمويل وتفعيل آليات الرقابة لضمان تحقيق الأهداف المرسومة بفعالية.
في الوقت ذاته، تشكل مشاريع قوانين التعليم الأعلى، ومنها مشروع قانون رقم 59.24 المتعلق بالتعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، إطارًا قانونيًا يعيد تعريف دور ومكانة الجامعات الخاصة والعامة، مع وضع ضوابط صارمة لترخيص الجامعات الخاصة الأجنبية والحفاظ على جودة التعليم والبحث العلمي، وهو ما يفتح آفاقًا جديدة للتعاون والشراكات مع القطاع الخاص. غير أن النقد الموجه لهذه المشاريع يلقي الضوء على الحاجة لمزيد من الدقة والتكامل في التشريعات لضمان التناغم والتكامل بين مؤسسات التعليم وإعطاء رؤية واضحة ومستقبلية لتطوير القطاع.
الجامعات الخاصة التي أصبحت تحت مجهر الجهات التنظيمية الحكومية تواجه اليوم نظام رقابي متطور يسعى للحد من الاختلالات وضمان التزام هذه المؤسسات بالقوانين والمعايير التعليمية. الرقابة لا تقتصر على الجانب الأكاديمي فقط بل تمتد لتشمل مراقبة مالية وإدارية حازمة، مع اقتراح إنشاء هيئات مستقلة ذات صلاحيات واسعة للتأكد من جودة التعليم وضمان حقوق الطلاب داخل هذه الجامعات. في هذا السياق، تصبح الحوكمة الجامعية محورًا أساسيًا يتطلب استراتيجيات واضحة وفعالة لتحقيق معايير الجودة والشمولية.
أما فيما يتعلق بالأداء، فإن تقييم أداء الجامعات الخاصة يعد أداة أساسية لتعزيز التنافسية وتحسين جودة التعليم والخدمات. يتم اعتماد مؤشرات أداء متعددة تغطي الأبعاد الأكاديمية والإدارية بخلاف آراء الطلبة وأعضاء هيئة التدريس، حيث تساعد هذه المؤشرات على تحديد نقاط القوة والضعف، مما يؤسس لخطط تطوير مستمرة. أدوات قياس رضا الطلاب عن التدريس مثل الاستبيانات والمقابلات والاستطلاعات توفر بيانات دقيقة لتحليل التجربة التعليمية، وتعزز فرص تحسين العمل الأكاديمي وتوفير بيئة محفزة. كذلك، يرتبط تقييم الأداء بتحسين سمعة الجامعة التي تعتبر عامل جذب أساسي للطلاب والكوادر العلمية مما يساهم في ترسيخ مكانة المؤسسة بين نظيراتها محليًا ودوليًا.
تقييم أداء الجامعات الخاصة ليس مجرد أداة للكشف عن الإخفاقات، بل هو آلية ديناميكية لتحسين الجودة المستمرة وتعزيز قدرة الجامعات على توفير بيئة تعليمية متطورة. وهو ما ينعكس على سمعة الجامعة باعتبارها مؤسسة قادرة على الارتقاء بانجازاتها التعليمية والبحثية، وتحقيق رؤيتها في نشر المعرفة وبناء جيل قادر على المساهمة الفاعلة في التنمية الوطنية والدولية. ولتعزيز فعالية هذا التقييم، تستخدم الجامعات مجموعة من أدوات قياس رضا الطلاب عن التدريس، مثل الاستبيانات الرقمية، المقابلات، ونظم الاستجابة الفورية التي تمكن من جمع ردود فعل الطلاب بشكل دقيق ومستمر، ما يساعد على توجيه الجهود نحو تحسين التجربة التعليمية وتطوير الأداء الأكاديمي.
بناءً على كل ما ذكر، فإن مشروع مرسوم 2.25.539 وقانون المالية لسنة 2025 يمثلان جزءًا متكاملًا من استراتيجية وطنية شاملة تهدف إلى تحديث منظومة التعليم، تحسين ظروف عمل المدرسين، تطوير جودة المؤسسات التعليمية، وتعزيز البحث العلمي، بما يتماشى مع التطلعات التنموية الوطنية. هذه الإصلاحات التشريعية والمالية والإدارية تشكل إطارًا ضامنًا لاستدامة التقدم في قطاع التعليم، وتعيد رسم صورة التعليم الوطني على أساس مؤسساتي راسخ، يوفر بيئة محفزة لكل الفاعلين، بدءًا من المدرسين وصولاً إلى الطلاب، عبر نظام حوكمة متين وتقييم مستمر يبني على النجاحات ويصحح المسارات بما يخدم المصلحة الوطنية العليا.