كان العدو يسعى للحرب وكان هناك من يسهل مأموريته
إبراهيم ابراش
عندما تكون الحرب في منطقة الشرق الأوسط التي فيها وحولها تدور صراعات دولية منذ بداية القرن العشرين وعند شعوبها يتداخل الماضي مع الحاضر والدين مع السياسة، وتكون إسرائيل والصهيونية العالمية طرفا فيها ،فإن ما هو خفي في حروب المنطقة أعظم مما هو مُعلن، ولذلك نشاهد ونسمع تناقض وتعدد التصريحات والمبادرات من الدول والقادة المعنيين بالأمر وحالة الإرباك والتشويش والتخبط التي عليها المحللون السياسيون والاستراتيجيين الذين تستضيفهم الفضائيات وخصوصا الناطقة بالعربية، حول الجولة الحالية من الحرب الدائرة الآن في المنطقة التي وإن بدأت كما تزعم إسرائيل بطوفان الأقصى وحرب غزة ألا أنها جزء من صراع يمتد منذ عام 1897 عندما أعلن اليهود في المؤتمر الصهيوني الأول عن هدف قيام دولة إسرائيل في فلسطين ثم إعلان وعد بلفور بتبني هذا الهدف ،وتوالت المؤامرات والحروب الدولية وفي المنطقة و التي وظفتها الحركة الصهيونية لصالحها بدعم وإسناد من بريطانيا وأمريكا والغرب عموما ،أيضا بتواطؤ من أطراف عربية وأحيانا فلسطينية كما جرى في نكبة 1948(النكبة) أو في حرب 1967 (النكسة) أو في الانقسام الفلسطيني 2007 وأخيرا عملية (طوفان الأقصى الملتبسة).
سبق وأن كتبنا حول المحطات والموجات السابقة للحروب والمواجهات بين الفلسطينيين والإسرائيليين ولكن ما يلفت النظر أن كثيرا من أوجه التشابه حول ما جرى عام 2007 من سيطرة حماس على قطاع غزة مما شكل إنجازا كبيرا لإسرائيل وما جرى في السابع من أكتوبر 2023 من قيام حركة حماس بعملية الطوفان التي منحت العدو فرصة لاستكمال مشروعه الصهيوني.
إلى أن تنكشف حقيقة ما جرى في السابع من أكتوبر (طوفان الأقصى) ودور نتنياهو في حدوثه يمكن القول إن إسرائيل ونتنياهو تحديداً كان بحاجة لمبرر وذريعة لقلب الطاولة والقيام بحرب كبيرة للخروج من معيقات تَحوّل تنفيذ أهداف اليمين اليهودي المتطرف الذي تمثله حكومته ومواجهة ما يعتقدونه خطر وجودي مستقبلي يتمثل فيما يلي:
١- أزمة النظام السياسي بعد تشكيل الحكومة اليمينية المتطرفة والمظاهرات العارمة في الشارع على قانون التعديل القضائي و تراجع شعبية نتنياهو وحكومته وتحذيرات من حرب أهلية.
٢-لم يكن بالإمكان تحقيق يهودية الدولة مع وجود عدد من الفلسطينيين(٧مليون) يزيد عن عدد اليهود وبالتالي كان تفكير اليمين الصهيوني يتجه نحو تهجير أكبر عدد من الفلسطينيين من خلال حرب كبيرة.
٣-صمود الشعب الفلسطيني على أرضه ومقاومته الاحتلال بما هو ممكن ومتاح ورفضه كل مشاريع التسوية التي تنتقص من حقوقه الوطنية.
٤-استمرار وجود السلطة الفلسطينية كعنوان للشعب الفلسطيني و قاعدة ومنطلقا للدولة.
٥-تزايد التأييد العالمي للشعب الفلسطيني وروايته وتزايد عدد الدول التي تعترف بالدولة الفلسطينية.
٦- تزايد قوة حماس وفصائل المقاومة في قطاع غزة وظهور مؤشرات على فشل محاولة تدجين حماس بالرغم من دور إسرائيل في تأسيسها وديمومة سلطتها.
٧-تزايد الخطر من الجبهة الشمالية مع تزايد قوة حزب الله وبقية محور المقاومة بدعم واسناد من إيران.
٨- تراجع قوة الردع وسمعة الجيش بسبب التهديد لسكان المستوطنات في غلاف غزة وشمال فلسطين المحتلة بسبب المواجهات المتقطعة وإطلاق الصواريخ على الجبهتين.
٩- حاجة نتنياهو لحرب واستمرارها لينقذ نفسه من الملاحقات القضائية بتهم الفساد.
١٠- بالرغم من نجاحها بتطبيع علاقاتها مع عدد من الدول العربية بفضل الجهود الأمريكية إلا أنها كانت تشعر بأن التطبيع رسمي فقط وأنها تعيش وسط محيط عربي وإسلامي غير مُرحِب بها وغير مستقر قد ينقلب ضدها في أي وقت.
لكل هذه الأسباب كانت إسرائيل بحاجة لحرب كبيرة تغير الواقع سواء على مستوى المعادلة الداخلية أو المعادلة الخارجية. ويبقى السؤال: هل تستطيع اسرائيل حتى مع دعم وإسناد واشنطن والغرب تغيير المعادلة في الشرق الأوسط وفي فلسطين بالقوة العسكرية بعد أن فشلوا في ذلك طوال أكثر من 76 سنة بالمؤامرات ومشاريه التسوية المضللة وصناعة نخب وقيادات عربية موالية لهم وحروب ما يسمى الربيع العربي وخلق الفتنة الطائفية والمذهبية؟
الإرهابي المغرور بنيامين نتنياهو يعتقد نفسه يعيش زمن ما قبل التاريخ حيث أساطير وخرافات التوراة وأن الدولة اليهودية قامت تحقيقاً لنبوءات الكتاب المقدس وشجاعة اليهود، وهو يعلم كما كل العالم ما كانت دولة إسرائيل تقوم إلا بدعم وإرادة غربية وخصوصاً بريطانية ونتيجة توازنات دولية نتجت عن حربين عالميتين ،في الحرب العالمية الأولى ما كان يكون وعد بلفور ١٩١٧ والانتداب البريطاني على فلسطين لو انهزمت دول المحور وخصوصا بريطانيا وانتصرت الإمبراطوريات العثمانية والألمانية والنمساوية والروسية وفي الحرب الثانية ما كانت تقوم دولة اسرائيل لو انتصرت ألمانيا النازية ودول المحور، وما كان لدولة اليهود أن تستمر لولا الدعم الكبير من واشنطن ودول الغرب لتكون اسرائيل قاعدة متقدمة للغرب لخلق الفوضى وإثارة الفتنة واستنزاف مقدرات الدول العربية ومنع وحدتها وحتى في الحرب الحالية على الفلسطينيين ولبنان ما كانت تصمد اسرائيل لمدة شهر وتقاتل على عدة جبهات لولا الدعم المالي والحربي الأمريكي والغربي المباشر وخصوصا بالطائرات المقاتلة والصواريخ وقذائف المدفعية . نتنياهو الذي يهدد كل دول الشرق الأوسط ويزعم أن يد اسرائيل القوية تستطيع الوصول لأي مكان في المنطقة يتجاهل أنه عاجز عن إلغاء أو القضاء على الشعب الفلسطيني أصحاب الأرض الحقيقيين لا داخل فلسطين المحتلة وعددهم أصبح يفوق عدد اليهود اللمم المجلوبين من كل بقاع الأرض، ولا على حوالي ٧ مليون في الشتات متمسكين بحق العودة، ولا على تزايد عدد الدول التي تعترف بحق الفلسطينيين بتقرير مصيرهم في دولة مستقلة على حدود ٦٧، كما أنه عاجز عن فرض الرواية التوراتية على شعوب العالم.
فكيف لهذا الأهوج واليمين المتطرف في دولته أن يهددون باحتلال مزيد من الأرض العربية وهم غير قادرين على إخضاع الشعب الفلسطيني على أرض فلسطين؟
فشل مخطط وأهداف العدو لا تكمن في الأطراف الدولية وقدرة المنتظم الدولي على إفشالها ولا في محور المقاومة ولا في إيران ودخولها على خط المواجهة وهو دخول أبعد الأنظار عن جوهر وأصل الصراع وأدخل القضية الفلسطينية في معادلات ومتاهات لن تخدمها كثيرا، بل في الشعب الفلسطيني وقدرته على الصمود في أرضه وإعاقة مخططات التهجير القسري إلى سيناء والأردن، وهنا يكمن أيضا الدور المركزي لكل من مصر والأردن في تحصين جبهته الداخلية من أي اختراقات ومؤامرات لإضعافها والثبات على موقفهم الرافض لتهجير الفلسطينيين.