رأي

البرلمان في ضوء مستجدات الدستور “قراءة قانونية”

 

الحلقة الأولى: تقوية مكانة البرلمان في النظام السياسي

محمد ايت موحتا

الدستور : هو القانون الأعلى و الاسمي لكل دولة الذي يجب علــــى جميع القواعد القانونية الأخرى أن تحترمه. هو الذي يحدد القواعد الأساسية لثلاثة أمور هي:
• شكل الدولة ( بسيطة او مركبة)
• نظام الحكم فيها ( جمهوري ام ملكي)
• شكل الحكومة( رئاسية ام برلمانية)

كمـا ينظم السلطــات العامــــة في الدولــــة من حيث تكوينهــــا و اختصاصاتها ، و العلاقات بين هذه السلطات، و حدود كل سلطة ،و يحـدد الواجبات و الحقوق الأساسية للإفراد و الجماعات ،ويضع لها الضمانات تجاه السلطة.

طريقة تعديل الدستور هي واحدة و وحيدة و هي الاستفتاء، أما وضعه فيخضع لأربعة طرق :

• طريقة المنحة: أن يأتي الحاكم بدستور و يقول للشعب هذا هو دستوركم،
• طريقة التعاقد بين الحاكم و ممثلي الشعب،
• طريقة الجمعية العامة عبر انتخاب مجموعة من الأشخاص لوضع الدستور ، ونذكر هنا نموذج دولة تونس،
• طريقة الاستفتاء : أن يعرض مشروع الدستور على الأمة و تستفتى فيه.
سأحاول من خلال هذا المقال ، بقدر من الإمكان ، أن أوضح ما سعى إلى بيانه الدكتور رشيد المدور في كتابه “البرلمان في ضوء مستجـدات الدستور”.

اعتبر الأستاذ المدور النظام السياسـي المغربي كونــــه يتميـــــز منــذ أول دستور للمملكــة المغربية سنة 1962، بالحضــور القــوي للملكيـة في النظــام السياسي، وهو الأمــر الــذي يفســر إلــى حـــد كبير، المكانــة المتواضعة جــــدا للبرلمـــان في ممـــارسة السلطــة، و أن المراجعـــــات الدستوريــة اللاحقـــة للدستور الأول، عملــت علــى تحسيــن هذه الوضعية و بالخصـــوص منهــا مراجعات 1972 و 1992 و 1996، حيث عملت بشكل نسبي علـــى تحسين دور البرلمان وإسهامه في ممارسة السلطة، إلا أنها لم تكن بالقدر الذي يغير من هذه المكانة المتواضعة للبرلمان.

إن المراجعة الدستورية الشاملة في 2011 جاءت لتشكل نقلة نوعية، وتغييرا جوهريا بالمقارنة مع ما كان عليه وضع البرلمـــان في الدساتيـــــر السابقة، في اتجاه التخفيف من الطابع الرئاسي للملكية الدستورية والاتجاه بها نحو طابع برلماني، عنوانه الأساس “الإعلاء من مكانة البرلمان، وتقويــة سلطاته في النظام السياسي للمملكة عموما لاسيما علــى مستوى العلاقــة بين البرلمان والحكومة”.

و في إطار تحليله لمضامين الدستور الجديد، يؤكد الدكتور رشيد المدور أن مظاهر تقوية البرلمان في النظام السياسي، كانت كما يلي:
أنه تمت إضافة بعد رابع في توصيف طبيعة نظام الحكم في المغرب، فمنذ الدستـور الأول للمملكة سنة 1962 ونظام الحكم في المغرب يصف نفسه على أنـــه نظام ملكية دستورية ديمقراطية واجتماعية، فجاء دستور 2011 وأضاف إليها وصفا جديدا وبعدا رابعا، فقال “نظام الحكــم في المغــرب نظــام ملـكيــة دستورية ديمقراطية وبرلمانية واجتماعية”.

و تمت دسترة التــــداول الديمقراطي على السلطة، على أســاس نتائج انتخابـــات أعضـــاء مجلـس النواب”، و من مظاهر هذه الدسترة، انتقال الأحــزاب السياسية من مجــرد تأطير المواطنين إلى دور المشاركة في ممارسة السلطة، وهذه لأول مــرة يتم التنصيص عليها، في حين أنه في السابق لم يكن ينص إلا على أن لهــا دورا تأطيريا، ويشبه بدور التأطير الذي تقوم به أي جماعة محلية أو قروية.

كما أصبح الملك يعين رئــيس الحكومــة من الحزب السياسي الذي تصدر نتائج الانتخابات التشريعية، مشيرا إلــى أنـه “من تجليات هذا المقتضى أصبح لرئيس الحكومة أن يطلــب من الملـــك إعفاء أي عضو أو أكثر من أعضاء الحكومة، وهـذا لم يكــــن في السابــق، كمـا أصبح يترتب عــن استقالــــة رئــيس الحكومة استقالة مباشــرة لجميع أعضــاء الحكومة”.

و أعطى الدستور الجديد للبرلمــــان دورا أكبر في رســم السياسات العمومية، وذلك من خــــلال التنصيص علـــى اختصاص جديـــد، للبرلمان وهو اختصــاص تقييم السياسات العمومية ومناقشتها، و أن هـــذا الأمر “وضع لــه المشرع الدستوري آليات منها عـــرض الحصيــلة المرحليــة، وعقد الجلسة السنوية لمناقشة السياسات العمومية وتقييمها، وهنــاك أدوات أخرى تساهم في تحقيق هذا الهدف”.
ولأجل ذلك، ومن خـلال ما أسلفت، سأحاول أن ألخص تجليات تطور هذه التجربة البرلمانية في ضوء الدستور الجديـــد مقارنة مــــع الدساتيــر الخمس السابقة، عبر نهج نفس التقسيم الــذي اعتمــده أستاذنا الفاضــل و هو كالتالي :
 المبحث الأول :تقوية مكانة البرلمان في النظام السياسي: التخفيف من الطابع الرئاسي للملكية و الاتجاه نحو الطابع البرلماني
 المبحث الثاني: التخفيف من قيود “العقلنة البرلمانية”
 المبحث الثالث: مقومات النظام الجديد للثنائية البرلمانية الذي يتبوأ فيه مجلس النواب مكانة الصدارة

المبحث الأول :تقوية مكانة البرلمان في النظام السياسي: التخفيف من الطابع الرئاسي للملكية و الاتجاه نحو الطابع البرلماني

المطلب الأول: دسترة التداول الديمقراطي على السلطة على أساس نتائج انتخابات أعضاء مجلس النواب المباشرة

أربعة مؤشرات دستورية مركزية تؤسس للتداول الديمقراطي علـــى السلطة على أساس نتائج انتخابات أعضاء مجلس النواب المباشرة:

أولا : انتقال وظيفة الأحزاب السياسية من مجرد التاطير إلى المشاركة فـي ممارسة السلطة (الفصل السابع من دستـــور 2011)، بعــد أن كـــان دور الأحـــزاب في الدساتيـــر السابقة منحصـــرا في المساهمة في تنظيم المواطنين و تمثيلهم.
ثانيا: دسترة المعارضة البرلمانية و تخويلها حقوقـــا يضمنها الدستـور ( الفصل : 10 و الفصل 60 من دستور 2011)

ثالتا : دسترة منع الترحال
 ظاهرة سلبية و هي تغيير أعضاء مجلس البرلمان ، أثناء مدة انتدابهم ، لانتماءاتهم السياسية، التي ترشحوا بلونها و تغييرهم للفرق البرلمانية التي ينتمون اليها.
 لكن جاء الفصل 61 من دستور 2011 ووضع حدا نهائيا لمعضلة الترحال السياسي عبر النص على تجريد العضوية لكل عضو برلماني ثبت في حقه الترحال السياسي.
رابعا: دسترة تعيين الملك لرئيس الحكومة من الحزب السياسي الذي تصدر الانتخابات التشريعية( الفصل 47)
و لا تعتبر الحكومة منصبة إلا إذا نالت ثقة الشعب ، المعبر عنها عبر صناديق الاقتراع (الفصل 88 )
ولم يبق حل مجلس النواب حكرا على الملك ، بل أصبح بإمكان حتى رئيس الحكومة ان يقوم بذلك (للفصل 104). في حين ان الملك له الحق في حل مجلسي البرلمان طبقا للفصل 51 و لشروط الفصول 96 ، 97 و 98 .

المطلب الثاني: البرلمان من مؤسسة تمارس التشريع إلى سلطة تشريعية

إن تغيير اصطلاح “البرلمان” باصطــلاح ” السلطــة التشريعية” فــــي الدستور الحالي يدل على ان المشرع الدستوري انتقل مـن اعتبار البرلمــان مجرد مؤسسة تمارس التشريع بالتصويت علـــى القوانين، كمـــا جــاء في الدساتير الخمسة السابقة الى اعتبار البرلمان المؤسسة التي تجسد السلطة التشريعية ( الفصل 70 )
 أولا: اختصاص البرلمان شبه كلي بمجـــال التشريع مع إنصــاف المبادرة التشريعية لأعضائه و ضمان برمجتها في الجلسات العمومية:
-تم تغيير اصطلاح “البرلمان” بالسلطة التشريعية
-الانتقال من التشريع بالتصويت إلى التشريع كاختصـــاص شبــه كلي وفقا للفصل 70 من دستور 2011
– الملك لم يعد له الحق في ممارسة التشريـع في الفتـرة ما بيــن حل البرلمان و انتخاب برلمان جديد
– البرلمان أضحى المصدر الوحيد للتشريع
– استثناء، يعتبر التشريع في المجال الديني من اختصاص الملك بصفته أمير المؤمنين ( الفصل 41)
-إنصاف المبـــادرة التشريعيــــة لأعضائــــه و ضمان برمجتهــا فـــي الجلسات العمومية
في الدساتير السابقة، المبادرة بالقوانين كانت حق مكفول للبرلمان و لكن كان للحكومة الحق في تحديد الأسبقية والترتيب في جـــدول أعمـــال الجلسات العمومية لكن مقترحات القوانين التي ترفضها الحكومة لا تبرمــج للمناقشة. وجاء الفصل 82 من الدستور الجديتد و نـص على أن يخصــص يوم على الأقل في الشهر لمناقشة مقترحات القوانين المقدمــة من طــرف المعارضة.

 ثانيا: إعادة التوازن بين البرلمان و الحكومة في جانب من المسطرة التشريعية وتقوية موقعه التفاوضي عند مناقشة قوانين المالية
إعادة التوازن بين البرلمان و الحكومة في جانب من المسطرة التشريعية :
منح دستور 2011 حق الاعتراض للمجلسين بشرط أن يكون مسنودا بأغلبية الأعضاء ، كما أصبح البرلمان مسؤولا كالحكومة عــن التوازن المالي
و ألزمت الحكومة بتعليل رفضها المستند إلــى علة الإخــلال بالتوازن المالي.
 ثالثا: الإعلاء بصلاحيات البرلمان التشريعية
طبقا للفقرة الأولى مـن الفصلين 6 من الدستـــور فان القانــون هو اسمي تعبير عن إرادة الأمة، والجميع، أشخاصا ذاتيين أو اعتباريين و اوجب الفصل 37 جميع المواطنات و المواطنين احترام ،لدستور و التقيد بالقانــون.

 رابعا: تقوية دور البرلمان في رسم السياسات العمومية و في تشكيل المحكمة الدستورية

ينص دستور 2011 في الفصل 70 : البرلمان يصوت علــى القوانين ، ويراقب الحكومة ، ويقيم السياسات العمومية
و يضيف الدكتور رشيد المدور انه في الدساتير السابقة كانت الفرصــة الوحيدة المتاحة أمام البرلمان لمناقشة السياسات العموميــة هـــي مناسبة مناقشة البرنامج المتضمن للخطوط الرئيسية للعمل الذي تنوي الحكـــــومة القيام به في ميادين السياسة الاقتصاديــة و الاجتماعيــــة و البيئية و الثقافية و الخارجية. أما بالنسبة للسياسات العمومية ، فان الفرصة الدستورية النادرة الحدوث هي عند مناقشـــة ملتمس الرقابـــة أو ملتمس المساءلـــة الخاص بمجلس المستشارين.
لهدا و ضع الدستور الجديـــد عـــدد من التقنيـــات لممارسة هـــذا الاختصاص وهي :
 الحصيلة المرحلية و الجلســـة السنوية لمناقشـــــة السياســــات العمومية و تقييمها ( الفصل 101)
 دسترة طلب استماع اللجــان البرلمانية إلـــى مسؤولي الإدارات ( الفصل 102 من الدستور و المادة 41 من النظام الداخلي لمجلس النواب 2004 ،قرار المجلس الدستوري عدد 04/561 )
 دسترة الآجال الذي يجب فيه عرض قوانين تصفيــة الميزانيــة على البرلمان ( الفصل 67 من الدستور و المادة 65 من القانون التنظيمـــي لقانون المالية)
 الجلسة الشهرية المخصصة للأسئلة المتعلقة بالسياسة العمومية ( الفصل 100)
 كما وضع المشرع الدستوري مؤسسة المجلس الأعلى للحسابات رهن إشارة البرلمان لتقديم المساعدة للبرلمان فيما يخص مراقبة الماليــة العامة و الإجابة عن الأسئلة و الاستشارة المرتبطة بوظائف البرلمـــان فـي التشريع و التقييم المتعلقة بالمالية العامة (الفصل 148 )،

 كان إسهام البرلمان في تشكيل أعضاء المجلس الدستـــــوري ينحصر في دور رئيسيها الذي أعطاهما الدستور السابق الحــــق في تعيين ستة من أعضائها، أما الآن و حسب الدستور الجديد فان الفصل 130 بنص على انتخاب ستة أعضاء مناصفة بين مجلس النواب و مجلس المستشارين.
 طبقا للفصل 10 من الدستور يضمن للمعارضة الحق في المساهمة في اقتراح و انتخاب الأعضاء المترشحين لعضوية المحكمة الدستورية.
 و أصبح اختيار الملك مفتوحا على جميــــع الأعضاء (12 عضو) خلافا للدستور السابق الذي كان يحصر هذا الاختياــر في الأعضـــاء الذين يعينهم الملك ( 6 أعضاء)
 أهمية هذا الانفتاح تكمن في أن رئيس المحكمة الدستورية هو نفسه الذي يرأس مجلس الوصاية.

و حسب الدكتور المدور فإن إقرار المشرع الدستوري اختصاص تقييم السياسات العمومية لصالح البرلمان،باعتباره اختصاصا جديدا يتم إقـــراره لأول مرة، يراد منه إعطاء دور حقيقي للبرلمان اكبر من السابق في رســم السياسات العمومية، التي كانت الحكومات تنفرد في و ضعها.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى
error: المحتوى محمي !!