
علاش بريس:
في زمن تتسارع فيه العولمة وتتلاقى فيه الحضارات، يبرز مشروع ثقافي وفني صيني فريد من نوعه في قلب المدينة العتيقة بطنجة، تحت عنوان “المطعم الصيني”. هذا البرنامج التلفزيوني ليس مجرد تجربة طهي أو تصوير عادي، بل هو جسراً نابضاً يربط بين ثقافتين عريقتين عبر فن الطهي والسينما، حيث يلتقي نجوم الفن الصيني المعروفون مع أجواء المغرب الساحرة، ليخلقوا تجربة فنية وثقافية استثنائية في أزقة باب العصا التاريخية.
فمنذ صباح الخميس 22 مايو 2025، تحولت طنجة إلى بؤرة اهتمام إعلامية عالمية مع انطلاق تصوير الموسم الجديد من البرنامج الصيني الشهير “المطعم الصيني”، الذي يُعد من أنجح برامج تلفزيون الواقع في آسيا، محققاً أرقام مشاهدة فلكية تجاوزت حاجز الثلاثة مليارات مشاهدة لكل حلقة في مواسمه السابقة. هذا النجاح الجماهيري الهائل يعكس مدى انتشار البرنامج وشعبيته الواسعة داخل الصين وخارجها، ويمنحه مكانة مميزة كمنصة للتبادل الثقافي والفني.
ويشارك في هذا المشروع نجوم بارزون مثل دينغ يو شي، فيكي شياو، ووانغ جونكاي، الذين لا يكتفون بدور الممثلين، بل يتحولون إلى طهاة ومضيفين يعكسون من خلال أطباقهم تلاقح الثقافات وتبادل الخبرات. في تصريحاتهم، عبّر دينغ يو شي عن إعجابه بالمطبخ المغربي قائلاً: «زيارة طنجة وتجربتي في إعداد الأطباق المغربية كانت تجربة فريدة من نوعها، وأشعر بأن هذه التجربة ستفتح آفاقاً جديدة للتبادل الثقافي بين بلدينا». وأضاف وانغ جونكاي: «الطعام يجمع الناس، ونحن هنا لنقدم شيئاً أكثر من مجرد أطباق، بل قصة تروى عن التلاقي بين حضارتين». أما فيكي شياو، فقد أشادت بالضيافة المغربية واصفة المدينة بأنها «مصدر إلهام لا ينضب».
شهد المشروع تفاعلاً إيجابياً من السلطات المحلية، حيث أكد مجلس جهة طنجة-تطوان-الحسيمة دعمه الكامل للمبادرة، معتبراً إياها فرصة لتعزيز مكانة طنجة كمنصة ثقافية وسياحية عالمية.
وأوضح مسؤول في المجلس أن «هذا التعاون الفني مع الصين يفتح آفاقاً جديدة للتبادل الثقافي والاقتصادي، ويساهم في تعزيز صورة المغرب كبلد منفتح ومتعدد الثقافات». كما عبر سكان المدينة العتيقة عن فخرهم باستضافة هذا المشروع الذي يسلط الضوء على جمال وتاريخ طنجة ويجذب اهتماماً دولياً غير مسبوق.
على الصعيد الشعبي، لاقى البرنامج تفاعلاً واسعاً على منصات التواصل الاجتماعي، حيث شارك العديد من المغاربة صوراً ومقاطع فيديو من موقع التصوير، مع تعليقات إيجابية تشيد بالتنظيم وروح التعاون بين الفرق الصينية والمغربية. في المقابل، أبدى الجمهور الصيني حماساً كبيراً، معتبرين البرنامج نافذة للتعرف على ثقافة جديدة ومختلفة، وأشادوا بجمالية التصوير واختيار طنجة كموقع فريد يجمع بين الأصالة والحداثة.
يمتد تصوير البرنامج في طنجة لمدة تتراوح بين 4 إلى 6 أسابيع، تبدأ بتحضير وتجهيز موقع التصوير في منطقة باب العصا، مروراً بتصوير المشاهد الرئيسية التي تجمع بين إعداد الأطباق الصينية والمغربية، وصولاً إلى تصوير لقطات خارجية تعكس التراث الثقافي والتاريخي للمدينة. يستخدم فريق الإنتاج أحدث التقنيات السينمائية والتلفزيونية، مع كاميرات عالية الدقة ومعدات إضاءة متطورة، لضمان جودة عالية للصورة والصوت.
كما يضم فريق العمل مجموعة من أبرز نجوم السينما الصينية، إلى جانب فريق إنتاج صيني ومغربي متخصص في مجالات الإخراج، التصوير، الصوت، والديكور، ما يعكس تعاوناً فنياً متكاملاً بين البلدين. يُعرض البرنامج عبر قناة هونان الصينية ومنصات رقمية عالمية مثل WeTV وMango TV، مما يتيح وصولاً واسعاً للجمهور في مختلف أنحاء العالم.
“المطعم الصيني” في طنجة ليس مجرد برنامج تلفزيوني، بل هو مبادرة ثقافية وفنية تعكس قدرة الفن والطهي على بناء جسور تواصل بين الشعوب، وتفتح آفاقاً جديدة للتفاهم والتقارب بين آسيا وأفريقيا. يعزز المشروع صورة طنجة والمغرب كوجهة سياحية وثقافية مميزة، ويطرح تساؤلات مهمة حول مستقبل التعاون الثقافي بين القارتين، ومدى قدرة مثل هذه المبادرات على خلق حوارات جديدة تتجاوز الحدود التقليدية.