أخبارجهاتحوادثسياسةمجتمع

🛑هجوم البوليساريو على السمارة: تصعيد يهدد استقرار الصحراء الغربية ويعيد النزاع إلى دائرة العنف

رسائل سياسية وعسكرية معقدة وتوتر دولي بين دعوات للتهدئة وتصنيف محتمل للجبهة كمنظمة إرهابية

في خضم تصاعد التوترات المتجددة في الصحراء الغربية، شهدت مدينة السمارة هجوماً مسلحاً نفذته جبهة البوليساريو الانفصالية، أعاد إلى الواجهة ملف النزاع الذي طال أمده وأشعل فتيل الصراع في منطقة ظلت لفترات طويلة تشهد هدوءاً نسبياً. هذا الاعتداء، الذي استهدف مناطق متفرقة قرب المدينة، لم يسفر عن خسائر بشرية، لكنه حمل في طياته رسائل سياسية وعسكرية متعددة الأبعاد، تعكس تمسك البوليساريو بمواقفها الرافضة للاحتلال المغربي، ورغبتها في الضغط على المجتمع الدولي والأمم المتحدة لإعادة النظر في دورهما تجاه النزاع.

جبهة البوليساريو من خلال هذا الهجوم أرادت أن تؤكد استمرار نضالها المسلح والسياسي، وتبرز قدرتها على التصعيد العسكري في حال تعثر المساعي السلمية، محاولة بذلك دفع مجلس الأمن والأمين العام للأمم المتحدة إلى التحرك الجاد لمحاسبة المغرب على ما تصفه بخرق وقف إطلاق النار، ولفت الانتباه إلى استمرار معاناة الشعب الصحراوي.
هذه الرسائل لا تقتصر على الجانب العسكري فقط، بل تمتد إلى أبعاد دبلوماسية وسياسية تسعى من خلالها البوليساريو إلى الحفاظ على حضورها الدولي كطرف فاعل في النزاع، رغم التراجع الملحوظ في الاعتراف الدولي بها.

رد فعل المجتمع الدولي على هذا التصعيد كان متوازناً، حيث دعت الأمم المتحدة والفاعلون الدوليون إلى ضبط النفس ووقف التصعيد، مؤكدين على ضرورة استئناف المفاوضات المباشرة بين الطرفين في إطار مبادرة الحكم الذاتي المغربية التي تحظى بدعم واسع. كما تصاعدت المطالب بتعزيز صلاحيات بعثة الأمم المتحدة في الصحراء الغربية لتشمل مراقبة حقوق الإنسان، وهو ملف حساس يعكس تعقيدات النزاع وتداخل الأبعاد الإنسانية مع السياسية، ويزيد من الضغط على الطرفين لتجنب أي أعمال قد تؤدي إلى تفاقم الوضع.

ومع ذلك، فإن هذا التصعيد العسكري يعقد فرص التوصل إلى حل سياسي مستدام، إذ يزيد من فقدان الثقة بين المغرب والبوليساريو، ويعقد المشهد الدبلوماسي، مما يهدد بإدخال المنطقة في دوامة من العنف المتبادل يصعب الخروج منها دون جهود دبلوماسية مكثفة وحوار جاد.
وفي هذا السياق، يظل المجتمع الدولي مطالباً بلعب دور فعال في إعادة بناء الثقة وتهيئة الظروف الملائمة لاستئناف المفاوضات، بعيداً عن لغة السلاح التي لا تجلب سوى الدمار.

على صعيد آخر، يثير الهجوم الأخير تساؤلات حول إمكانية تصنيف جبهة البوليساريو كحركة إرهابية، وهو توجه بدأ يحظى بدعم متزايد في بعض الأوساط الدولية، لا سيما في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث تم تقديم مشروع قانون في الكونغرس يطالب بهذا التصنيف استناداً إلى تقارير تربط الجبهة بدعم من جهات إقليمية مثل إيران وحزب الله وروسيا، وتورطها في أنشطة تهدد الأمن والاستقرار في المنطقة. هذا التصنيف، إذا ما تم اعتماده رسمياً، سيغير قواعد اللعبة دبلوماسياً وأمنياً، ويضع البوليساريو في خانة المنظمات المحظورة، مما يفرض عليها عزلة دولية ويحد من مصادر تمويلها ودعمها.

ومع ذلك، يبقى تصنيف البوليساريو كمنظمة إرهابية موضوع نقاش وجدل دولي، إذ تعتبرها بعض الدول حركة تحرير وكياناً سياسياً يناضل من أجل حق تقرير المصير، ما يجعل من هذا الملف معقداً ومرتبطاً بتوازنات سياسية وإقليمية دقيقة. الهجوم الأخير على السمارة، إذن، ليس مجرد عمل عسكري عابر، بل هو جزء من سياق أوسع يعكس تعقيدات النزاع، ويضع المجتمع الدولي أمام اختبار حقيقي في كيفية التعامل مع ملف الصحراء الغربية، بين دعم الحلول السلمية وضبط التصعيد العسكري، وبين احترام حقوق الشعوب وفرض الأمن والاستقرار في منطقة حساسة.

إن هذا التصعيد العسكري الرعن الذي قامت به جبهة البوليساريو في السمارة يمثل انتهاكاً صارخاً للقوانين الدولية وتهديداً مباشراً لأمن واستقرار المنطقة، ولا يمكن تبريره بأي مبرر كان. إن استهداف المدنيين والأعيان المدنية عمل مدان بكل المقاييس، ويعكس غياب المسؤولية السياسية والأخلاقية لدى من يختارون لغة العنف بدلاً من الحوار والتفاوض. على المجتمع الدولي أن يرفض هذه الأعمال العدائية بكل حزم، ويعمل على محاسبة مرتكبيها، مع تعزيز الجهود الدبلوماسية التي تسعى إلى تحقيق السلام العادل والدائم في الصحراء الغربية، بعيداً عن أي تصعيد قد يؤدي إلى مزيد من المعاناة والدمار. السلام هو الخيار الوحيد القادر على ضمان مستقبل آمن ومستقر لشعوب المنطقة، ولا سبيل لتحقيقه إلا عبر الحوار والتفاهم والاحترام المتبادل وقبل بالمبادرة المغربية المتمثلة في الحكم الذاتي.

اظهر المزيد

حميد فوزي

رئيس التحرير
زر الذهاب إلى الأعلى
error: المحتوى محمي !!