أخبار

دين و دنيا **تطور الحقل الديني في المغرب بين التجديد والتحديات**

حكيم سعودي

منذ فترة وتسارعت الأحداث في الحقل الديني في المغرب، خاصة بعد النقاشات التي أثيرت حول تعديل مدونة الأسرة، حيث بدأت النقاشات في هذا السياق تأخذ منحى جديدًا، وذلك من خلال العديد من المؤشرات التي تشير إلى تحولات مهمة في النهج والممارسات الدينية في البلاد.

ومن بين هذه المؤشرات، يأتي إعلان أن الدرس الأول لشهر رمضان لهذا العام سيتم ترأسه من طرف جلالة الملك، تحت عنوان “تجديد الدين من داخل إطار إمارة المؤمنين”. يعكس هذا الدرس الرغبة في تحديث النهج الديني ومواكبته لتطورات العصر، مع التأكيد على الاعتدال والتوازن في فهم الدين وتطبيقه.

ومن الملفت للنظر أيضًا أن الدرس الثاني من السلسلة سيكون من تقديم فقيه هندي، حيث يعيش المسلمون في هذه البلدان كأقلية، مما يفرض تحديات واقعية على تطبيق الشريعة الإسلامية وفهمها. يعكس ذلك رغبة في إطلاع الجمهور على تجارب دول أخرى في تفاعل الإسلام مع الواقع الحضاري والاجتماعي المعاصر.

ومن المحتمل أن يكون هناك دروس أخرى يقدمها فقهاء وفقيات في الأيام القادمة، بما في ذلك إمكانية تكليف فقيهة بتقديم درس يتناول قضايا دينية من منظور المرأة، مما يسهم في تعميق النقاش وتوسيع آفاق الفهم الديني.

مع زيادة الوسائط الحديثة والمواقع الاجتماعية، يُصبح هناك ضغط متزايد لمواكبة التطورات ومواجهة التحديات التي تطرحها هذه الوسائط. إذا لم يتم التجديد والتطابق مع متطلبات العصر من داخل التراث الديني نفسه، فسوف يحدث تجاوز من خارجه يمكن أن يؤثر على الاستقرار الديني والاجتماعي في المجتمع.

ومن هنا، تبرز دور السلطة في التفاعل مع هذه التحولات والتحديات، حيث تسعى إلى استباق الأمور من خلال تشجيع مسار التجديد الديني والتحديث، وذلك للحفاظ على الشرعية السياسية والاجتماعية للسلطة، وتجنب التجاوزات التي قد تنجم عن تفاقم الفجوة بين الفهم الديني والواقع المعاصر.

ومن الملاحظ أن السلطة في المغرب تبدي حساسية كبيرة تجاه هذه القضايا، وهو ما يعكسه اهتمامها بالتفاعل الفعّال مع التحولات الدينية والاجتماعية، وذلك من خلال تشجيع الحوار والنقاش المفتوح حول القضايا الدينية والتشريعية المتعلقة بالأسرة والمرأة وغيرها.

ومن الجدير بالذكر أن هذه الجهود لا تأتي على حساب الهوية والتقاليد الدينية المغربية، بل تهدف إلى تعزيزها وتجديدها في إطار من الاعتدال والتوازن، مما يعزز من مكانة المغرب كبلد يتسم بالتعايش السلمي والتنوع الثقافي والديني.

ولا يمكننا إغفال دور الأئمة والعلماء في هذا السياق، حيث يعتبرون أصواتًا مهمة تسهم في توجيه الجماهير وتبسيط الفهم الصحيح للدين وتطبيقه في الحياة اليومية. ولهم دور كبير في تعزيز قيم الاعتدال والتسامح ومكافحة التطرف والتشدد الديني.

إن تطور الحقل الديني في المغرب يعكس تحولات وتحديات تستدعي اهتماماً خاصًا وجهودًا مشتركة من قبل الحكومة والمؤسسات الدينية والمجتمع المدني. ومن المهم أن يتم التفاعل بشكل فعّال مع هذه التحديات، وتشجيع التجديد الديني والتحديث في إطار من الاحترام للتقاليد والقيم الدينية والثقافية للمجتمع المغربي.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى
error: المحتوى محمي !!