فن وثقافة

مفهوم الجهوية المتقدمة ،نواقصها و آليات تفعيلها

محمد ايت محتا

المناظرة الوطنية الأولى للجهوية المتقدمة

الجهوية المتقدمة هي تنظيم هيكلي وإداري تقوم بموجبه الحكومة أو السلطة المركزية بالتنازل عن بعض الصلاحيات لفائدة الجهات المكونة للوحدة الترابية للدولة، وذلك لتعزيز التنمية المحلية، وتنشيط التبادل التجاري وتقريب الإدارة والدولة عموما من هموم المواطن، عبر صياغة سياساتٍ محلية تنبع من الخصوصية المميزة لكل إقليم على المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. و ذلك لإحداث قدر من التوازن التنموي والاقتصادي بين الجهات المشكلة للدولة، وتحفيز التنمية المحلية وتحريرها من عقال المركزية.

نشاة و تطور الجوية
نشأ وتطور مفهوم الجهوية مع توجه دول أوروبا الغربية إلى التخلي عن المركزية الإدارية، بعد ظهرت محدوديتها في التنمية.
أخذت ألمانيا بالجهوية في 1949 ،ومنحت الأقاليم والجهات صلاحيات واسعة. الجهات كما شكلت رافعة للتنمية والاقتصاد والإدارة للنظام الفيدرالي . اما وفي إسبانيا، نص دستور 1978 -الذي مهد لنهاية حكم الجنرال فرانكو وعودة الديمقراطية- على الجهوية بل إن إسبانيا تُعد من الناحية السياسية والإدارية دولة قائمة على الجهات أكثرَ منها دولة فدرالية.
الجهوية الإدارية
عرفت فرنسا التقسيم الإداري قبل ثورة عام 1789، ثم عرفت البلديات والأقسام الإدارية منذ 1871.

بعد ان أخفق دوكول سنة 1946 في تحقيق مشروعه الرامي إلى إصلاح ترابي شامل يُكرس الجهوية ، عادت فرنسا سنة 1982 الى الجهوية عبر أُقرار الإصلاح الترابي القائم على اللامركزية الادارية والذي حمل اسم وزير الداخلية الاشتراكي غاستون دفيير. ، لكن إصلاحات لاحقة عززت دور الجهات خاصة في المجال الاقتصادي والتنموي، وقد منحها إصلاح 2010 صلاحيات كالتعليم والتخطيط التنموي.
الجهوية المتقدمة
مع تطور بنيات الدول وتداخل الصلاحيات واشتداد الحاجة إلى التنمية المحلية بوصفها رافعة للتنمية على المستوى الوطني وضامنا لقدر من التوازن بين الجهات، وإلى تفادي بروز مناطق مزدهرة جدا ومنتجة مقابل مناطق مهمشة وتعيش عالة على الأخرى، برزت الحاجة إلى تطوير الجهوية من خلال مجالات حيوية كالتنمية الاقتصادية والتخطيط والاستثمار الأجنبي.
ومن هنا ظهر مفهوم الجهوية المتقدمة الذي هو في الواقع مرحلة من اللامركزية تَمنح الجهات استقلالا شبه كامل عن المركز في مختلف المجالات باستثناء الاستقلال السياسي.
الجهوية الموسعة
إن الجهوية الموسعة هي المرحلة اللاحقة على الجهوية المتقدمة، وفي حال تطبيقها تُصبح الجهات مستقلة في كل شيء عن الحكومة المركزية بما في ذلك الاستقلال السياسي، وبالتالي فالجهوية الموسعة هي شكل من أشكال الاستقلال الذاتي الضامن لهوية الإقليم وسيادته واستقلاليته المالية لكن مع بقاءِ السيادة للدولة الأم، والتي يصبح مجال تدخلها محصورا في القطاعات السيادية مثل الدفاع والأمن والاتصالات، ونحو ذلك.

ماذا عن الجهوية المتقدمة بالمغرب؟

نهج المغرب مسارا طويلا ومتدرجا إلى الجهوية بلغ مراحله الأكثر رمزية وأهمية مع إقرار دستور 1992 ثم دستور 1996 الذي مهّد للانفتاح الديمقراطي في البلاد، مع المصالحة التاريخية بين الملك الحسن الثاني والمعارضة اليسارية عبر ما عُرف بالتناوب التوافقي.
ظهر النقاش حول الجهوية بعد إقرار دستور 1992،و بتجربة “حكومة التناوب” التي قادها حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، تم إقرار قانون تنظيم الجهات في أبريلمن سنة 1997.
بعد اعتلاء الملك محمد السادس للعرش سنة 1999. جاء برغبة معلنة في تسوية النزاع حول الصحراء المغربية بعد تعثر مساعي الأمم المتحدة لتنظيم استفتاء يُمكّن سكان الإقليم من تحديد مصيرهم .
وتُوج هذا التوجه بتقديم المغرب في 2007 مقترحا يقضي بإعطاء أقاليم الصحراء المغربية حكما ذاتيا موسعا تحت السيادة المغربية. وتضمن المقترح تمكين السكان عبر ممثليهم من سلطات واسعة في المجال السياسي والاقتصادي والتنموي والقضائي وفي قطاع الأمن المحلي، لكن في إطارِ السيادة المغربية. وقد بادرت جبهة البوليساريو إلى رفض المقترح متمسكة بمطالبتها باستقلال الإقليم.
وقد سرّع المقترح المغربي وتيرة توجه المملكة إلى الجهوية، و في الذكرى السنوية الأربعين للمسيرة الخضراء في 06 نوفمبر 2015 أعلن العاهل المغربي بالمناسبة منح صلاحيات هامة لفائدة الأقاليم الصحراوية لتكون مدخلا إلى تعميم الجهوية في المغرب، ثم إلى تطبيق المقترح المغربي للحكم الذاتي في الصحراء الغربية
ولتفعيل هذا المشروع، اقترحت اللجنة الاستشارية للجهوية المتقدمة أن يتم التفعيل على مراحل مع تقييمه المستمر وذلك لمنحه الوثيرة المثلى، مع إجراء ما يلزم من التصويب على المشروع، كلما اقتضى الأمر ذلك في ضوء الممارسة العملية.
نواقص الجهوية المتقدمة
خطت العديد من دول المنطقة، بعد ثورات الربيع العربي في 2011، خطواتها الأولى في مسار اللامركزية استجابةً للتطلعات الديمقراطية ومطالب الرفع من فعالية الخدمات العمومية. وقد قامت باحثتان ألمانيتان، وهما أنابيل هودريت وأستريد هارنيش، بإنجاز دراسة حول اللامركزية المغربية منذ إدراجها سنة 2011 في الدستور. فهل ساهم هذا الإصلاح في تحسين أداء القطاع العام، وهل فتح الطريق أمام حكامة أكثر تشاركية وديمقراطية؛ المطلبان الرئيسيان اللذان نادى بهما المتظاهرون في عام 2011؟
ترى هودريت وهارنيش أن الإصلاح ينطوي على مبادئ ديمقراطية مهمة ويفتح رسمياً فضاءات جديدة للعمل، من شأنها تسهيل الوصول إلى حكامة أكثر فعالية وتشاركية. إلا أن نواقصه عديدة أيضاً.
استنادا الى الدراسة النوعية التي قامت بها الباحثتان الألمانيتان هودريت وهارنيش ، في الفترة ما بين عامي 2015 و2017، جول الجهوية المتقدمة الجاري تطبيقها في المغرب، شملت مراجعة للأدبيات العلمية المتعلقة بالموضوع، وقراءة في الجرائد ووسائل الإعلام المحلية، إضافة إلى إجراء مقابلات مع خبراء وصناع القرار وممثلين محليين لوكالة التعاون والتنمية، في الرباط وفي جهة سوس ماسة. بالمقارنة مع نتائج أبحاث أجريت في بلدان أخرى، كشفت الدراسة ثلاث مخاوف رئيسية يمكن أن تعرقل تحسين الخدمات العمومية والحكامة التشاركية.
1- ضعف الاطار القانوني لللامركزية وأداء الخدمات العمومية
حتى يتأتى للمؤسسات المحلية تأدية مهامها على أكمل وجه، يتوجب قبل كل شيء وضعها في إطار قانوني متماسك يُوفّق بين المهام المحددة والموارد المالية والبشرية المسخرة لها.
ان القوانين الأساسية المعتمدة في 2015 ليست واضحة بما يكفي فيما يخص تحديد صلاحيات كل مستوى حتى يتأتى للمؤسسات المحلية تأدية مهامها على أكمل وجه. وما من شيء يحدد بدقة تقاسم المسؤوليات والاختصاصات والموارد على المستويين العمودي والأفقي عملا بمبدأ التفريع الذي ينص عليه دستور 2011، كما يدل على ذلك الغموض الذي يلف ذكر الاختصاصات الذاتية والمشتركة والمنقولة في القوانين التنظيمية.
شهدت جميع الجهات منذ سنة 2016 إحداث وكالات جهوية لتنفيذ المشاريع، باشرت بعضها مهامها تحت إشراف المجلس الجهوي. وهي تلعب دور الذراع التنفيذي للمجلس الجهوي المسؤول عن تصميم وتنفيذ المشاريع.
لكن فإن وكالات التنمية في الشمال والجنوب والشرق، الموجودة سلفاً، والمكلفة على ما يبدو بمهمة مشابهة، تنافس الوكالات الجهوية لتنفيذ المشاريع ، وقدراتها المالية كبيرة ،وهي موضوعة تحت سلطة رئيس الحكومة. و مديرها يعيّن بموجب ظهير،
2- ضعف الموارد المالية والتقنية
5% فقط من الناتج المحلي الإجمالي المغربي يخصص للمؤسسات الحكومية المحلية، مقارنة بنسبة 20% في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.
توضح هذه البيانات بشكل جزئي أن حصة “التمويل الذي يجب تعبئته” تكتسي أهمية كبيرة جدا في مخططات العمل المحلية والجهوية. وتنبع قدرة الجماعات المحلية على الاستثمار بشكل خاص من قدرتها على إقامة شراكات مع فاعلين آخرين، لاسيما الفاعلين المركزيين، مثل الوزارات (على الأخص وزارة الداخلية) أو صندوق التجهيز الجماعي.
كما أن قلة النصوص المتعلقة بالكفاءات والموارد المؤسساتية وعدم وضوحها، فضلاً عن ضعف قدرات الهيئات المتواجدة حالياً، يعيقان إلى حد كبير نجاح تفعيل الجهوية المتقدمة.
ومازالت الجماعات التي أحرزت بعض التقدم في تصميم خطط التنمية التشاركية، تقتصر على دور يغلب عليه طابع التقنية، ويجب عليها أن تضع خطط عمل جماعية من أجل تنفيذ الاستراتيجيات اللازم تطويرها على الصعيد الجهوي.
هذا وقد يؤدي تحويل الكفاءات والمسؤوليات الجديدة إلى المستويات المحلية، بينما تشتكي الكفاءات والقدرات المؤسساتية من ضعف شديد، إلى زيادة أعباء الإدارات، أو إلى نتائج أسوأ مما كان الحال عليه قبل الإصلاح، كتعميق التفاوتات الجهوية على سبيل المثال. زد على ذلك أنه عندما يظل التحكم في الموارد وعمليات صنع القرار مقتصراً على المستوى المركزي، فعادة ما يؤدي إلى صراعات على السلطة، ومفاوضات، وقرارات غالباً ما تصاغ بشكل مبهم، مما يؤثر بشكل كبير على علاقة الثقة مع المسؤولين المنتخبين والمؤسسات التي يمثلونها.
3- ضعف المحاسبة
ينضاف إلى ضعف الموارد، ضعفٌ على مستوى المحاسبة أيضا، وهو ما ينتج عنه أداء مؤسسي هزيل على جميع الأصعدة. هذا المبدأ الدستوري يتم إضعافه عبر آليتين رئيسيتين:
-الانتخاب االغير المباشر لرؤساء مجالس الجماعات والعمالات والجهات، والذي يشوش على العلاقة التي تربط بين الناخبين والمنتخَبين. هذا وتسمح المفاوضات بين الأحزاب، بعد التصويت الشعبي، بظهور رئاسات لا علاقة لها في بعض الأحيان بنتائج صناديق الاقتراع. مثلاً؛ رغم أن حزب العدالة والتنمية هيمن على انتخابات سنة 2015، إلا أنه لم يستطع التحكم سوى في منطقتين اثنتين فقط، مقابل تحالفات هشة أحياناً.
– الثنائية الصامدة التي تتكون من المسؤولين المنتخبين وأعوان السلطة. حيث إن جميع القرارات المالية وتقريباً كامل العملية الإدارية لمختلف الجماعات الترابية يجب أن يتحقق منها الممثل المحلي لوزارة الداخلية، أي الوالي. ومن المعروف أن إصلاح سنة 2015 قد حول “وصاية” وزارة الداخلية إلى “رقابة إدارية”، لكن هذه الأخيرة لا تخضع للمحاسبة عن طريق صناديق الاقتراع.
هل شكلت الجهوية المتقدمة تقدماً ديمقراطياً؟
ووفقاً لنتائج مؤسسة البارومتر الإفريقي (Afro Barometer) التي نُشرت سنة 2016، فإن 49 % فقط من المغاربة قالوا إن لديهم ثقة “ضعيفة” أو “قوية” في مؤسساتهم العمومية، وهي نسبة منخفضة للغاية مقارنة بالدول الإفريقية الأخرى، إذ تضع المغرب في المرتبة 27 من أصل 36 دولة. ومع ذلك، فإن الاهتمام بالشأن العام حاضر بقوة، لكن لا تعبر عنه صناديق الاقتراع بنفس القدر الذي تعبر عنه مختلف حركات الاحتجاج الاجتماعي التي ارتفعت وتيرتها في السنوات الأخيرة.
كما ان عملية صنع القرار لا تزال في أغلبها عملية هرمية، مع وجود ممثلين محليين منتخبين خاضعين لسيطرة السلطة الإدارية، ممثلة بأعوان السلطة الذين تعينهم العاصمة. ويمارس أعوان السلطة هؤلاء سيطرتهم بشكل قانوني على الإجراءات التي يتخذها المسؤولين المنتخبين، ولكن أيضاً على الموارد المالية والتقنية التي يمنحونها لهم أو يمنعونها عنهم.
توصيات الباحثتين
الحاجة إلى التشارك الفعال فيما يتعلق بسلطة اتخاذ القرار بين المسؤولين المنتخبين والإدارة المركزية على جميع المستويات. فهذا التوضيح لهياكل ومواطن النفوذ أمر ضروري لوضع السياسات العمومية وتخصيص الموارد التي تمكن من تنفيذها.
ومن ناحية أخرى، إتاحة فرصة حقيقية أمام المجالس المنتخبة على مختلف المستويات لاتخاذ القرار وتنفيذ المشاريع. فإلى يومنا هذا، لم تتضح بعد كيفية ممارسة الهيئات الجهوية الجديدة لمهامها وكيفية إشراكها للسلطات المحلية على الصعيد السياسي والإداري والمالي. كما أن شرعية المؤسسات العمومية تتوقف بشكل كبير على تحسين أدائها ومسؤوليتها، خاصة فيما يتعلق بتقديم الخدمات. حيث إنها في حاجة إلى محيط قانوني وسياسي ملائم للمشاركة في هذه العملية، فضلاً عن تعزيز قدراتها والمعلومات ذات الصلة.
أن تأخذ الجهات المانحة الدولية في عين الاعتبار هذه العلاقات السلطوية الداخلية، بحيث تقدم الدعم المادي والتقني للمؤسسات المنتخبة الأكثر فعالية وشفافية. لكن المساعدة الدولية قد تساهم في المقابل في “الترقية السلطوية”، (بيرغ، 2013)، أي سيطرة النخب القديمة على الهيئات والمؤسسات الجديدة من أجل تجديد الحكامة المركزية عن طريق تقويتها.
فهل ستخرج المناظرة الوطنية التيانعقدت باكادير يومي 20 و 21 دجنبر 2019 بمقترحات يمكنها ان تساعد على التنزيل الفعلي للجهوية المتقدمة ام سيبقى الحال كما عليه في السنوات الفارطة ؟

المناظرة الوطنية الأولى للجهوية المتقدمة

لقد قطع مسلسل الجهوية المتقدمة أشواطا هامة، منذ تنصيب اللجنة الاستشارية للجهوية المتقدمة سنة 2013، التي شكلت خلاصات تقاريرها أسس بناء النموذج المغربي، الذي يرتكز على المساهمة الفعلية للجهات وللجماعات الترابية في خلق التنمية المندمجة، على أساس الديمقراطية والفعالية والتشاركية.
ثم جاء دستور 2011، كتتويج لمسار من التراكمات السياسية، والإنجازات الاقتصادية والاجتماعية، التي أسست للمجتمع الديمقراطي الحداثي، في ظل دولة الحق والقانون. وقد كرس هذا الدستور دور الجماعات الترابية، وعلى رأسها الجهة، في هياكل المؤسسات المنتخبة للدولة، كما أقر بأن التنظيم الترابي للمملكة، تنظيم لا مركزي، يقوم على الجهوية المتقدمة. فضلا عن دسترة مجموعة من المبادئ الأساسية في التدبير اللامركزي، كما هو متعارف عليه في التجارب الدولية الرائدة في هذا المجال.
إلا أن التطبيق الفعلي لمختلف مضامين الجهوية المتقدمة ببلادنا، يظل رهينا بوجود سياسة جهوية واضحة وقابلة للتنفيذ، في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية، وذلك وفقا لسياسة عمومية مبنية على البعد الجهوي وعلى اقتصاد ناجع وقوي، يهدف إلى خلق النمو، وتوفير فرص الشغل، وتحقيق العدالة الاجتماعية. وكذا الرفع من نجاعة السياسات والبرامج والمشاريع على المستوى الجهوي، لضمان استفادة المستهدفين الفعليين منها، إحقاقا لمبادئ العدالة الاجتماعية والمجالية..
وقد حرص الملك محمد السادس منذ البداية على تجسيد هذا النهج على أرض الواقع، انطلاقا من أقاليمنا الصحراوية المسترجعة، وذلك باعتماد نموذج تنموي شامل يستجيب لخصوصيتها، قوامه أوراش مهيكلة ومتعددة، في خدمة انتظارات وتطلعات سكان هذه الجهات .
ومن اهم ماجاء في الرسالة الموجهة للمشاركين في المناظرة الوطنية الأولى للجهوية المتقدمة التي انعقدت بمدينة اكادير يومي 20 و 21 دجنبر 2019
“وإن تنظيمكم لهذه المناظرة الوطنية الأولى، واختياركم لمواضيع بالغة الأهمية، كأرضية للنقاش والحوار، ولا سيما تلك المرتبطة باختصاصات الجهات، والتعاقد والتنمية الجهوية المندمجة، والإدارة الجهوية، والحكامة المالية والديمقراطية التشاركية، ينسجم مع انشغالاتنا المتعلقة بأهمية التفعيل الحقيقي لكافة مستلزمات هذا الورش الإصلاحي الكبير، الذي ينتظر منه أن يقدم حلولا وإجابات للمطالب الاجتماعية والتنموية، بمختلف جهات المملكة، حلولا تعطي للشباب الآليات التي تمكنهم من الولوج لتدبير الشأن العام الجهوي والمحلي، كرأسمال لامادي وقوة ديناميكية بالمجتمع.
كما أن لقاءكم هذا، يمثل فرصة هامة لمناقشة تجربة السنوات الأربع الأخيرة، لتفعيل القوانين التنظيمية الثلاث، المتعلقة بالجماعات الترابية، ولتجاوز مختلف التحديات التي واجهت النخب الجهوية في تفعيل اختصاصات الجهات، وذلك قصد التوقف وقفة تقييم عميقة، تكون منطلقا للتأسيس لمرحلة عمل جديدة، تمثل استمرارية لمسلسل تفعيل هذا الورش المهيكل، والذي يجب أن يمكن من تجاوز كل التحديات التي تعرفها هذه التجربة إلى اليوم، وبترسيخ قواعد الحكامة في تدبير شؤون الجهات، وبما أن المرحلة المقبلة، ستكون حتما هي بلوغ السرعة القصوى، من أجل التجسيد الفعلي والناجع لهذا التحول التاريخي…………..”.
و بناء على الرسالة الملكية الموجهة للمشاركين في المناظرة الوطنية الأولى للجهوية المتقدمة وبعد يومين من التدارس و التباحث و النقاش خلصت نتائج الملتقى إلى 12 عشر توصية و هي كما يلي :

• تعزيز آليات التخطيط الترابي في تناسق مع السياسات العامة للدولة في مجال إعداد التراب، والعمل على التقائية وتناسق برامج التنمية الجهوية فيما بينها ومع المخططات القطاعية.
• تبني العدالة المجالية كأولوية في السياسات العمومية والترابية من أجل تقليص الفوارق المجالية والاجتماعية.
• دعوة الجهات إلى الانخراط في التنزيل الفعلي للمبادئ والأهداف التي حملتها المنظومة الجديدة للتدبير الميزانياتي والمالي باعتماد البرمجة متعددة السنوات التي تستحضر شروط الفعالية والنجاعة والجودة.
• حث الدولة على مواصلة مبادراتها لدعم قدرات الجهات في مجال الحكامة والتدبير المالي، والعمل على تنويع مصادر تمويل الجهات عبر حلول مبتكرة من أجل تمويل برامجها الاستثمارية.
• إبرام عقود برامج بين الدولة والجماعات الترابية حول الاختصاصات المنقولة لضمان مشاركة الجميع في برامج التنمية الجهوية وتعبئة الموارد الكافية لتنفيذها.
• ضمان انخراط المصالح المركزية للقطاعات الوزارية والمؤسسات العمومية في تنزيل ميثاق عدم التركيز من خلال إعطاء المزيد من الصلاحيات وتحويل الموارد الكافية للمصالح الخارجية قصد تمكينها من القيام بالمهام الموكولة إليها بشكل فعال وناجع.
• فتح الورش المتعلق بالملاءمة التشريعية والتنظيمية للاختصاصات المخولة لمختلف القطاعات الوزارية ذات الصلة باختصاصات الجهة المتعلقة بنفس الميادين.
• تحديد حد أدنى مشترك من الاختصاصات التي يتعين البدء بنقلها إلى الجهات، مع إعطاء الأولوية للصلاحيات المرتبطة بمجالات وخدمات تهم مباشرة المواطنين وتؤدي إلى تحسين مستوى عيشهم.
• دعم قدرات الجماعات الترابية حول آليات الديموقراطية التشاركية والإعلام والتواصل مع المواطنات والمواطنين والمجتمع المدني.
• تعزيز انفتاح الجهة على المواطن والمجتمع المدني لتمكينه من المساهمة بصفة عامة في التنمية الجهوية الدامجة.
• الرفع من القدرات التدبيرية لإدارة الجهة عبر تمكينها من استقطاب كفاءات عالية تهم اختصاصات الجهة، وتعزيز جاذبية إدارة الجهة عبر اعتماد نظام أساسي خاص بموظفي الجماعات الترابية يأخذ بعين الاعتبار خصوصيتها وطبيعة المهام الموكولة إليها.
• إرساء آليات الحكامة وتفعيل آليات التنسيق والتواصل بين إدارة الجهة وكافة المتدخلين.

مقترحات كلها تتماشى مع الإرادة الملكية الرامية إلى التنزيل الفعلي للجهوية المتقدمة، لكن السؤال الذي يبقى مطروحا : هل هناك إرادة سياسية للتسريع بخروج الجهوية المتقدمة إلى حيز الوجود مع كسب رهان التنمية ، والمساهمة في الحد من الفوارق، وتحسين جاذبية وتنافسية المجال الترابي ؛ وكذا ضمان الانفتاح على آليات عصرية للحكامة المالية، وتأمين فعالية كل أشكال الديمقراطية التشاركية، وجعلها رافعة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية المندمجة والمستدامة، ام ستبقى حليمة على عادتها القديمة؟.

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى
error: المحتوى محمي !!