أخبارالعدل

تدبير منازعات الدولة والوقاية منها: رهان استراتيجي لتعزيز الاستقرار الاقتصادي وترشيد النفقات العمومية في المغرب

في إطار المناظرة الوطنية الأولى التي انعقدت في الرباط يومي 15 و16 أبريل 2025، تناول السيد الحسن الداكي، الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض ورئيس النيابة العامة، موضوعًا حيويًا يرتبط بتدبير منازعات الدولة والوقاية منها، باعتبارها مدخلاً أساسياً لصون المشروعية، استقرار الاستثمار وترشيد النفقات العمومية.

افتتح السيد الداكي كلمته بتوجيه الشكر لمنظمي المناظرة، مشيدًا باختيار موضوعها الذي يعكس حاجة ملحة لتعزيز سيادة القانون وتحقيق التنمية المستدامة عبر تطوير آليات فعالة لإدارة المنازعات، وهو ما يضمن بيئة استثمارية مستقرة وآمنة، ويحفز النمو الاقتصادي وخلق فرص الشغل.
وأشار إلى أن الوقاية من المنازعات ليست مجرد إجراء تقني، بل فلسفة شاملة تهدف إلى بناء الثقة بين الأطراف، وتعزيز الحلول التوافقية التي تحترم حقوق الجميع، مما ينعكس إيجابًا على المناخ الاقتصادي والاجتماعي.

وأكد السيد الداكي على أن ترشيد النفقات العمومية يشكل تحديًا كبيرًا يتطلب تضافر الجهود لضمان الاستخدام الأمثل للموارد الوطنية، مشيرًا إلى أن تطوير آليات فعالة لحل منازعات الدولة يساهم في تقليل التكاليف المرتبطة بالإجراءات القانونية والقضائية.
واستعرض المتحدث المبادئ الدستورية التي تؤسس لصون المشروعية وسيادة حكم القانون، مثل ربط المسؤولية بالمحاسبة والحكامة الجيدة، كما استحضر الرسالة الملكية السامية التي أكدت على أهمية توحيد آليات تسوية منازعات الاستثمار، وإنشاء هيئات متخصصة قادرة على الفصل في النزاعات بسرعة وفعالية.
كما سلط السيد الداكي الضوء على المبادرات التي قامت بها رئاسة النيابة العامة، منها تنظيم ندوات علمية، وتبني التبادل الإلكتروني للوثائق مع النيابات العامة والوكالة القضائية للمملكة، مما ساهم في تحسين جودة الدفاع عن مصالح الدولة وضبط الآجال القانونية.
وأشار إلى استراتيجية النيابة العامة في تشخيص المخاطر القانونية المرتبطة بالمنازعات، والتي أسفرت عن خفض كبير في المبالغ المالية المستجيبة للمطالبات القضائية خلال السنوات الأخيرة، مما وفر مبالغ مهمة لخزينة الدولة.

وفي نفس السياق ،أكد المتحدث على أهمية نشر توجهات القضاء الإداري بين النيابات العامة، بهدف الوقاية من المنازعات والحد من المخاطر القانونية، مما ينعكس إيجابًا على كفاءة العمل القضائي وجودة الأداء.
وفي الأخير ،اختتم السيد الداكي كلمته بالتأكيد على أن التدبير الجيد لمنازعات الدولة لا يقتصر على حل النزاعات بعد وقوعها، بل يتطلب تبني سياسات استباقية تعزز الوسائل البديلة كالمصالحة والوساطة والتحكيم، وتطوير التعاون بين المؤسسات القضائية والإدارية، مستلهماً التجارب الدولية الرائدة.
تجسد هذه المناظرة الوطنية خطوة مهمة نحو ترسيخ آليات تدبير منازعات الدولة والوقاية منها في المغرب، بما يضمن استقرار البيئة الاستثمارية، ترشيد النفقات العمومية، وتعزيز سيادة القانون.
ويُنتظر أن تثمر هذه الجهود عن مخرجات عملية تسهم في دعم التنمية الاقتصادية والاجتماعية تحت القيادة الرشيدة لجلالة الملك محمد السادس.

نص كلمة م. الحسن الداكي
الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، رئيس النيابة العامة

المملكة المغربية

رئاسة النيابة العامة

ⵜⴰⴳⵍⴷⵉⵜⵏⵍⵎⵖⵔⵉⴱ

ⵜⴰⵏⵙⵙⵉⵅⴼⵜⵏⵜⵎⵓⵔⴰⵢⵜⵜⴰⵎⴰⵜⵢⵜ

كلمة
السيد الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض رئيس النيابة العامة
بمناسبة حضور المناظرة الوطنية الأولى
حول موضوع
” تدبير منازعات الدولة والوقاية منها: مدخل لصون المشروعية واستقرار الاستثمار وترشيد النفقات العمومية”
الرباط 15 و16 أبريل 2025

بسم الله الرحمان الرحيم والصلاة
والسلام على مولانا أشرف المرسلين

– السيد رئيس الحكومة؛
– السيد الرئيس الأول لمحكمة النقض، الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية؛
– السيدة وزيرة الاقتصاد والمالية؛
– السيد وزير العدل؛
– السيد الوزير المنتدب لدى وزيرة الاقتصاد والمالية المكلف بالميزانية؛
– السادة ممثلو الهيئات الأجنبية؛
– حضرات السيدات والسادة كل باسمه وصفته والتقدير الواجب لشخصه.
تلقيت باعتزاز كبير وشرف بالغ الدعوة الكريمة للسيدة وزيرة الاقتصاد والمالية للمشاركة في افتتاح أشغال هذه المناظرة الوطنية التي تتناول موضوعا في غاية الأهمية يرتبط بتدبير منازعات الدولة والوقاية منها ودورها في استقرار الاستثمار وترشيد النفقات العمومية.
وبهذه المناسبة، أود أن أتقدم بخالص الشكر لجميع القائمين على تنظيم هذه المناظرة وعلى جهودهم الرامية إلى إنجاحها، وعلى حسن اختيار موضوعها والذي يأتي استجابةً لحاجات ملحة من أجل تعزيز سيادة القانون وتحقيق التنمية المستدامة في بلادنا عبر تطوير آليات تدبير المنازعات والوقاية منها باعتبارها ركيزة أساسية لضمان الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي وتشجيع الإستثمار.
وفي هذا السياق ينبغي التأكيد على أن الوقاية من المنازعات وتدبيرها بفعالية لا يمثل إجراءً تقنيا فحسب، بل يـــَتَجَسَّدُ كفلسفة شاملة تهدف إلى بناء جسور الثقة بين الأطراف المعنية وتعزيز الحلول التوافقية، هذه الحلول التي ينبغي أن تضمن حقوق جميع الأطراف وتوفر بيئة استثمارية مستقرة وآمنة، باعتبار الاستثمار أحد ركائز الاقتصاد الوطني والذي يساهم بشكل مباشر في تعزيز النمو الاقتصادي وخلق فرص الشغل، ومن هنا تبرز أهمية إيجاد آليات مُبْتَكَرَة تساهم في صون المشروعية وتحقيق الاستقرار وتفادي المنازعات التي تؤثر سلبًا على تحقيق التنمية.
ولا يخفى على حضراتكم أن ترشيد النفقات العمومية يشكل تحديًا كبيرًا يتطلب منا جميعًا العمل سوياً لضمان الاستخدام الأمثل للموارد الوطنية، وتطوير آليات فعالة لحل منازعات الدولة والوقاية منها بشكل يسَاهِم في تقليل التكاليف التي قد تنشأ جَرَّاءَ مباشرة الإجراءات والمساطر القانونية والقضائية المرتبطة بهذا الموضوع.
حضرات السيدات والسادة
لقد تضمن دستور المملكة مجموعة من المبادئ والأحكام التي تشكل أرضية صلبة لصون المشروعية وسيادة حكم القانون، على رأسها ربط المسؤولية بالمحاسبة والحكامة الجيدة وتخليق الحياة العامة وخلق مناخ أعمال سليم وتنافسي، فضلا عن إجراءات قوية لزجر كل أشكال الانحراف في تدبير النفقات العمومية.
وفي هذا الإطار، لا يمكننا إلا أن نستحضر الرسالة الملكية السامية إلى المشاركين في الدورة الثانية للمؤتمر الدولي للعدالة، بتاريخ 21 أكتوبر 2019، حيث قال جلالته: ” ومن هنا تبرز أهمية توحيد آليات ومساطر تسوية منازعات الاستثمار، على الصعيد الوطني والجهوي والدولي، وتجاوز إشكاليات الاختصاص القضائي الوطني في هذا المجال، عبر إقامة نظام قانوني ملائم، يتوخى تفادي المشاكل والحد من المنازعات، وكذلك إنشاء هيئات متخصصة في فض هذا النوع من النزاعات، داخل الآجال المعقولة، وتراعي خصوصيات المنازعات المالية والتجارية، وتتسم بالسرعة والفعالية والمرونة” . انتهى النطق الملكي السامي.
حضرات السيدات والسادة
وعيا من رئاسة النيابة العامة بأهمية تدبير منازعات الدولة والوقاية منها في تحقيق الاستقرار الاقتصادي وترشيد النفقات العمومية، فقد بادرت بمعية شركائها لاسيما الوكالة القضائية للمملكة إلى بدل جهود متميزة في مسار التدبير الجيد والفعال لمنازعاتها، وبهذه المناسبة أود ان أشكر السيد الوكيل القضائي للمملكة ومن خلاله كافة أطر هذه المؤسسة على التواصل الإيجابي والفعال والتعاون المتواصل بشأن تدبير المنازعات المتعلقة بمجال تدخل رئاسة النيابة العامة.
وفي هذا الإطار، فقد سبق لرئاسة النيابة العامة أن نظمت بشراكة مع المجلس الأعلى للسلطة القضائية والوكالة القضائية للمملكة بتاريخ 12 ديسمبر 2019 ندوة علمية وطنية بمراكش خصصت لتدارس موضوع ” الخطأ القضائي في مجال الاعتقال الاحتياطي”.
وإيمانا منها بأهمية تجويد العمل والرفع من نجاعته والارتقاء به، وتبسيط المساطر وتوظيف التكنولوجيا الحديثة خدمة لحسن تدبير منازعات الدولة، فقد انخرطت رئاسة النيابة العامة بكل جدية من أجل تكريس التبادل الالكتروني للوثائق والمذكرات مع النيابات العامة لدى محاكم المملكة وكذا مع الوكالة القضائية للمملكة، وهو ما كان له الأثر الإيجابي في تسهيل تبادل المعلومات والمستندات ذات الصلة بقضايا المنازعات، مما مكَّن من تجويد الدفاع عن مصالح رئاسة النيابة العامة، وضمان تحقيق النجاعة من خلال ضبط الآجال القانونية واحترام الآجال المحددة من طرف المحاكم ، وهو ما انعكس إيجابا على مستوى مؤشر تدبير قضايا التعويض التي يتم رفعها في مواجهة النيابة العامة بسبب بعض القرارات التي قد تتخذها في إطار تدبيرها للدعوى العمومية حيث حققت نسبة نجاح قاربت 100% .
كما عملت رئاسة النيابة العامة على تجميع وتصنيف الاجتهادات القضائية واستخراج المبادئ والقواعد المتعلقة بها وتوظيفها بشكلٍ يضمن المهنية في الدفاع عن مصالحها.
وفي نفس السياق، عملت أيضا على تشخيص خريطة للمخاطر القانونية المرتبطة بمنازعات النيابات العامة وذلك بهدف تحديد مصادر المنازعات المحتملة وتقييم مخاطرها وآثارها والعمل على تقليصها أو تفاديها، ولقد أفضت استراتيجية رئاسة النيابة العامة في تدبير منازعاتها والدفاع عن مصالحها إلى خفض نسبة استجابة المحاكم للمطالب المالية للمدعين خلال الست (06) سنوات الأخيرة (2019-2024) إلى أزيد من أربعة وتسعين مليون درهم (94.491.017,00 درهما) وهي مبالغ مهمة تم توفيرها لفائدة خزينة الدولة.
كما تسعى رئاسة النيابة العامة إلى تعزيز الوعي لدى النيابات العامة بأهمية الوقاية من المنازعات من خلال تبليغها بنسخ الأحكام والقرارات القضائية الصادرة بشأن القضايا التي تكون النيابة العامة طرفًا فيها، ويأتي هذا النهج إدراكًا منها لأهمية نشر توجهات القضاء الإداري عند البت في هذه القضايا، حيث يُسهم ذلك بشكل فعال في الوقاية من المنازعات والحد من المخاطر القانونية وتؤدي إلى التقليل من المنازعات المعروضة أمام القضاء مما يُدَعِّمْ كفاءة العمل القضائي ويُعزز جودة الأداء.
حضرات السيدات والسادة
إن التدبير الجيد لمنازعات الدولة والوقاية منها اليوم، لا يقتصر على حل المنازعات بعد حدوثها، بل يتعدى ذلك إلى تبني سياسات وآليات استباقية تمنع نشوء هذه المنازعات، من خلال تعزيز الوسائل البديلة لحلها، مثل الوساطة والتحكيم والمصالحة التي تُعتبر أدوات فعالة لتخفيف الضغط على المحاكم وتسريع إيجاد حلول مُرضية وكذا الرقابة الاستباقية على أعمال وتصرفات المؤسسات والتقيد بالإجراءات القانونية التي تضفي الشرعية على أعمال الإدارة.
كما يتطلب منا العمل المشترك بين مختلف المؤسسات، سواء كانت قضائية أو إدارية أو مهنية، وتعزيز التعاون بين القطاعات واستلهام الممارسات الفضلى من التجارب المقارنة الرائدة في هذا المجال بما يساهم في تطوير حلول مبتكرة تستجيب للتحديات الراهنة وتستشرف المستقبل، ومن هذا المنطلق نأمل من كافة الجهات المعنية العمل سوياً على تطوير آليات الوقاية والتدبير الجيد والفعال لمنازعات الدولة بما يخدم مصلحة الوطن والمواطن.
ختاماً لا يسعني في هذه الجلسة الإفتتاحية إلا أن أعرب عن عميق امتناني وتقديري لجميع المشاركين في هذه الندوة، آملا أن تكون هذه المناظرة منطلقاً لنقاشات مثمرة وبناءة ومُخْرَجات عملية كفيلة بتحقيق أهدافها المنشودة في تعزيز الاستقرار القانوني والاقتصادي في بلادنا.
وفقنا الله لما فيه خير بلادنا تحت القيادة الرشيدة لمولانا المنصور بالله صاحب الجلالة محمد السادس أعز الله أمره وحفظه بما حفظ به الذكر الحكيم، وأقر عينه بولي عهده الأمير الجليل مولاي الحسن، وكافة أسرته الشريفة، إنه سميع مجيب.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
م. الحسن الداكي
الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، رئيس النيابة العامة

اظهر المزيد

حميد فوزي

رئيس التحرير
زر الذهاب إلى الأعلى
error: المحتوى محمي !!