أخبار

التعريف النسقي للسياسات العامة

عبد الواحد بلقصري

باحث في علم الاجتماع السياسي 

يعتبر المقترب النسقي من بين المقتربات التي حاولت تقديم للسياسات العامة استنادا الى مفهوم العلبة السوداء، الذي قدمه من خلال اعتبار السياسات العامة، عملية تتأثر بالبيئة المحيطة بها وتكون بالتالي نتيجة تفاعل للعديد من العوامل من خلال نظام ما يعرف “المدخلات والمخرجات” ونظام التغذية العكسية او الاسترجاعية التي تؤثر بدورها في البيئة وابعادها وجوانبها المختلفة.”*1*

     -1 التفسيرات بالمحيط :

حاول بعض الباحثين في السياسات العامة اعتمادا تعريفات قائمة على محدد المحيط بمستويه الداخلي والخارجي، كمصدر مهم للمشاكل العامة التي تشكل الباعث الرئيسي وارد القرارات العامة والممكنة من رصد مدى وجود علاقه ثابتة بين النسق السياسي ومحيطه وتأثيرها على المتدخلين والفاعلين في بناء قراراتهم الاستراتيجية، من هذا المنظور، فان المحيط الخارجي او الداخلي يشكل المكان الذي توجد داخله محددات سياسية عامة ما، ،سواء كانت اقتصادية او سياسية، لقد كان توماس دي، من اوائل الباحثين الذين بينوا العلاقة بين مخرجات سياسات العامة والمتغيرات الاقتصادية والسياسية ،من خلال دراسته لنموذج صناعة السياسات العامة القطاعية الولايات المتحدة الامريكية وعلاقتها بأربعة متغيرات اقتصاديه (التعمير، التصنيع، الصحة، التربية*2*.

3- التفسيرات بالنشاط او الأنشطة:

يمكن النظر الى سياسات العامة باعتبارها متوالية من الانشطة المترابطة التي يقوم بها الفاعلون او يساهمون فيها عبر توظيف الامكانيات المادية والرمزية لبلوغ اهدافهم، خاصة على مستوى السيرورات القرارية والتي تتحكم بشكل كبير في حجم ونوعية طبيعة رهاناتهم.

في السياسات العامة كأنشطة تخضع لهذه العقلية الا ذاتية والتي لا تزال تشكل تفسيرا متداولا ضمن التعريفات المقدمة للسياسات العامة، وتبقى لهذا النموذج التعريفي قيمته من خلال الافتراض السياسات العامة يخضع كنشاط عقلاني خاصة في مراحل الاختيار او التفاوض حول الجواب او الاجوبة لحل المشكل العام القائم لنموذج التفسير بالأنشطة لكن حدود نموذج النشاط، لكن حدود نموذج النشاط العقلاني، تظهر بالخصوص عندما نعتمدها في تفسير قرارات ملموسة كما يوضح التحليل الذي قدمه اليسون في كتابه حول دراسة اتخاد القرارات بالولايات المتحدة الامريكية خلال أزمة صواريخ كوبا في اكتوبر 1962، والتي اظهرت تحليلها مجموعة من المتغيرات التي واجهة اتخاذ هذا القرار( المعلومة، الوقت، تعدد الاختيارات، وتحويرات الفاعلين والمتدخلين…) وهو ما دفع اليسون الى اقتراح ثلاث نماذج تفسيرية بذيلة تركز على التفاوض مع المنظمات البيروقراطية و الفاعلين السياسيين.*3*

4- التفسيرات بناءا على العلاقات بين الفاعلين:

يستند هذا الجانب من التغييرات على اعتبار السياسات العامة على انها نتيجة لإرادة الفعل وللمشروع السياسي للفاعلين، التنظيم الذي ينتمون اليه والتحالفات القائمة بينهم وطبيعة حجم الصراعات التي تحدد علاقاتهم، بذلك تشكل تكتلات ترافعية، فالفاعلون هنا يشكلون مجموعات او تنظيمات مترابطة فيما بينها داخل المجتمع، وتشتغل من خلال تشكيلات وفي ذات السياق، فان الفاعل السياسي لا يمكن اعتباره مجرد عنصر فقط داخل النسق يتم اختزاله في ادوار اجتماعي.

كما دافع عن ذلك دفيد ايستون والابيغ، لان ذلك من شانه يؤدي الى اعمال ذاتيه الفرد، حسب تعبير بارل والطابع اللامنطقي لتصرفاتهم مقارنة مع هذه الادوار هكذا يقترح بارل ضرورة اعتبار الفاعلين بمثابة انساق، وهو التعريف الذي طوره مورين، عبر التأكيد على الطابع المركب والمعقد الفاعل الاجتماعي.*4*

اذن، إن السياسات العامة هي عبارةٌ عن نظامٍ معينٍ تسعى الحكومة المحليّة في الدولة إلى تطبيقها، والتحقق من التزامِ الجميع في هذه السياسة، سواءً كانوا مؤسسات او افراد، وأيضاً تُعرفُ السياسةُ العامة بأنها برامج عمل حكومية تحتوي على مجموعةٍ من القواعد، والتي يجب ان تلتزم الحكومة بتطبيقها، نجد أيضا تعريفات أخرى للسياسة العامة: فهي تعرف كمجموعةٌ من الاتجاهات الفكريّة التي تسعى الحكومات إلى تنفيذِ الأهداف الخاصة بها، من خلال الاعتماد على مجموعةٍ من الأدوات والوسائل، وقد تشملُ السياسةُ العامة تقديم مجموعةٍ من الفوائد العامة، مثل توفير الشبكة الطرقية المناسبة مما يساهم في المصلحة العامة للساكنة والمجتمع.*5*

يعرف المعهد العالي للدراسات العمومية في فرنسا السياسة العمومية على أنها: “هي مجموع القرارات والأعمال والتدخلات المتخذة من قبل الفاعلين المؤسساتيين والاجتماعيين لأجل إيجاد الحلول لمشكل جماعي”، بينما يذهب الباحثين الفرنسيين ـ مينه و جون كلود ـ في كتابهما السياسة العمومية ويعرفانها على أن السياسة العمومية برنامج عمل حكومي في قطاع اجتماعي أو مجال جغرافي. وباعتبار أن السياسات العمومية تندرج تحت قائمة التخصصات الأكاديمية، فإنها تحمل في دراستها بعض عناصر العديد من مجالات ومفاهيم العلوم الاجتماعية بما في ذلك مجال الاقتصاد، وعلم الاجتماع، والاقتصاد السياسي، وتقييم البرامج، وتحليل السياسات، والإدارة العامة، على أن يتم تطبيق كافة تلك المجالات على المشكلات الخاصة بالإدارة والتسيير والعمليات الحكومية. وفي نفس الوقت، تختلف دراسة السياسات العمومية عن العلوم السياسية أو الاقتصاد، من حيث تركيزها على تطبيق النظرية من خلال وضعها في حيز الإطار العملي.

يظل “مفهوم السياسات العامة موضوع عدة تعاريف تعكس على مر السنين مدى تعقيد مجال الدراسة السياسية هذا، وممارسة السياسة العامة نفسها”. فمدلين غرافيتز وجان ليكا وجان كلود ثوينيج (1985)، يعتبرون السياسات العامة “تدخلات سلطة مخولة للسلطة العامة والشرعية الحكومية في منطقة محددة من المجتمع أو الإقليم”. ومن زاوية أخرى يرى جان تورجون وجان فرانسوا سافارد (2012) أن السياسة العامة قد تكون وثيقة أو عملية، وهي وثيقة أعدتها الجهات الحكومية الفاعلة لعرض رؤيتها لمسألة يمكن معالجتها عن طريق العمل العام، بيد أنه يمكن وصف الجوانب القانونية والتقنية والتنفيذية للدعوى العامة بأنها سياسة عامة، 

وقد تكون أيضا عملية يقرر فيها الساسة المنتخبون الإجراءات العامة بشأن قضية يتطلب بعض صناع القرار العام الحكومي وغير الحكومي اتخاذ إجراءات بشأنها.

بما أن السياسة العمومية تتخذ رسميا باسم جهاز الدولة فإن لهذا الاعتبار تبعات مهمة وأساسية، وهذا ما يمنح للسياسات العمومية مميزات خاصة تنفرد بها وتعطيها أهمية بالغة. فالسياسة العمومية تعبر منطقيا وافتراضيا على الأقل عن المصلحة العامة، ثم إنها تصدر في إطار محدد مسبقا من المشروعية، ومن المفترض كذلك أن تعبر السياسة العمومية عن درجة محترمة من الانسجام، وأخيرا فإن ضخامة فعل السياسة العامة وخطورة المصالح التي تمسها تتطلب درجة كبرى من الواقعية لكي لا تؤدي السياسة العامة إلى إثارة آثار عكسية غير مرغوب فيها.

 

 

 

 

المراجع والهوامش :

عبد الله شنفار، الفاعلون المحليون والسياسات العمومية المحلية: دراسة في القرار المحلي، مطبوعات المعرفة، مراكش، 2015.

عبد الله شنفار، مرجع سابق، ص 11. 

عبد الله شنفار، الفاعلون المحليون والسياسات العمومية المحلية: دراسة في القرار المحلي، مطبوعات المعرفة، مراكش، 2015.

Cirille Nyeck, Politique publique, dans : Dictionnaire d’administration publique, 2014, pp 384-385.

عبد الله شنفار، مرجع سابق، ص 88.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى
error: المحتوى محمي !!