سياسة

مقومات النظام الجديد للثنائية البرلمانية في ضوء دستور 2011

محمد ايت موحتا

بعد أن خصصنا الحلقتين الماضيتين إلى موضوعين أساسيين : تقوية السياسة البرلمانية و العقلنة البرلمانية، ضمن مباحث كتاب البرلمان في ضوء الدستور الجديد للدكتور رشيد المدور، نلخص الحلقة الثالثة لمقومات الثنائية البرلمانية.
الحقلة الثالثة
تبنى المغرب نظام الثنائية البرلمانية اول مرة مع الدستور الأول للمملكة المغربية سنة 1962( الفصلين 44 و 45 )،غير أن هذا النظام لم يدم طويلا بعد إن أعلن الراحل الحسن الثاني، لظروف سياسية ، حالة الاستثناء بتاريخ 7 يونيو 1965.
وبصدور دستور 1970 ، بعد إنهاء حالة ألاستثناء تم التراجع عن الثنائية البرلمانية ، وأصبح البرلمان يتكون من غرفة واحدة هي مجلس النواب، لكن بنظام تمثيل مزدوج يجمع بين أعضاء ينتخبون بالاقتراع المباشر و آخرون بالاقتراع غير المباشر و هو ما تم تكريسه بدستوري 1972 و 1992.
عاد المغرب إلى نظام الغرفتين من خلال دستور 1996 ، لكن نقط النشاز بين النظامين الداخليين لغرفتي البرلمان ، وغياب التنسيق ، شكلت عوائق حقيقية في طريق عقلنة و إنتاجية العمل البرلماني.

في سنة 2004 و استجابة لدعوات الملك الراحل الحسن الثاني و الملك محمد السادس ، قام مجلس النواب بمراجعة شاملة لنظامه الداخلي . لكن بالرغم من هذا الإصلاح فان الاختلالات ظلت قائمة إلى جاء دستور 2011 و حافظ على نظام المجلسين و أعطى السمو والتفوق لمجلس النواب و بواه مكانة الصدارة.
و في ظل دستور 2011 يحق لنا أن نقول إن مجلس النواب هو الغرفة العليا و مجلس المستشارين هو الغرفة الدنيا.
إذن ما هي تجليات صدارة مجلس النواب على مجلس المستشارين في إطار تكاملي لما يسمى الثنائية البرلمانية؟

و هم ما سنسعى إلى الإجابة عنه من خلال النقط التالية:
على مستوى تعيين رئيس الحكومة و تنصيبها و إسقاطها ،
على مستوى العمل التشريعي ،
على مستوى الأنصبة الواجب توفرها لممارسة الصلاحيات،
على مستوي حل احد مجلسي البرلمان و المعارضة البرلمانية،
على مستوى التراتبية و عدد أعضاء و مدة الولاية و رئاسة الاجتماعات المشتركة.

على مستوى تعيين رئيس الحكومة و تنصيبها و إسقاطها :
يمكن تلخيص مظاهر الصدارة التي بوأها المشرع الدستوري لمجلس النواب بالمقارنة مع مجلس المستشارين فيما يلي:
اولا – تعيين رئيس الحكومة على أساس نتائج انتخابات أعضاء مجلس النواب ( الفصل47)
ثانيا- اختصاص مجلس النواب بتنصيب الحكومة و مسالة الثقة: باعتبار الحكومة منصبة مباشرة بعد حصولها على ثقة مجلس النواب ( الفصل 88) كما إن طرح مسالة الثقة يطلب من مجلس النواب فقط ،طبقا للفصل 103 من دستور 2011.
ثالثا- ملتمس الرقابة اختصاص حصري على مجلس النواب، بعد أن كان ملتمس الرقابة الذي تؤدي الموافقة عليه إلى استقالة جماعية اختصاصا مشتركا بين مجلس النواب و مجلس المستشارين في نطاق دستور 1996 ، أصبح حصريا من اختصاص مجلس النواب ، طبقا للفصل 105من دستور 2011 . و أعطى المشرع الدستوري ملتمس المساءلة لمجلس المستشارين (الفصل 106) ، لكن جواب الحكومة و النقاش الذي يليه لا يعقبه تصويتا. بالتالي ليس لملتمس المساءلة نفس الأثر الذي لملتمس الرقابة الذي يتقدم به مجلس النواب.
على مستوى العمل التشريعي
في كتابه ” البرلمان في ضوء مستجدات الدستور الجديد” ،يبرز الدكتور رشيد المدور معالم السمو ،التي لمجلس النواب، و الصدارة التي بوأها له المشرع الدستوري في ممارسة السلطة التشريعية، بالمقارنة مع مجلس المستشارين، إن على ايداع المشاري او على مستوى الحسم و التصويت النهائي على النصوص المعروضة على البرلمان عند اختلاف المجلسين:

أولا- إيداع مشاريع القوانين بالأسبقية لدى مجلس النواب: في الدستور السابق كان المشرع يخير الحكومة في الإيداع بالأسبقية مشاريع القوانين التي تبادر لدى أي من مكتبي مجلسي البرلمان ( الفصل52 ،55، 62 , 75 ). لكن مع دستور 2011 منح المشرع حق الأسبقية و التفوق في إيداع مشاريع النصوص التشريعية بأنواعها لدى مكتبه ( الفصول 75 ، 81 و 85 ) .

ثانيا- لمجلس النواب امتياز التصويت النهائي عند اختلاف المجلسين
بعد أن كان الدستور السابق ينص على تشكيل لجنة ثنائية مختلطة من أعضاء المجلسين يناط بها اقتراح نص مشترك بشان الأحكام التي مازالت محل خلاف، جاء دستور 2011 و اختصر المسطرة، فحذف اقتراح لجنة ثنائية مختلطة من أعضاء المجلسين، و أعطى مباشرة لمجلس النواب حق امتياز التصويت النهائي على مشاريع و مقترحات المختلف فيها بين المجلسين على أن يكون هذا التصويت بالأغلبية المطلقة لأعضائه الحاضرين إذا تعلق الأمر بنص يخص الجماعات الترابية، و المجالات ذات الصلة بالتنمية الجهوية و الشؤون الاجتماعية،وفي غير ذلك، يكون بالأغلبية المطلقة و هو ما نص إليه الفصلين 81 و 82 من الدستور الجديد.

الأنصبة الواجب توفرها لممارسة الصلاحيات : تيسير على النواب و تشديد على المستشارين

حاول الكاتب أن يبين حالات منهج التيسير و التشديد الذي خص به المشرع الدستوري مجلس النواب و مجلس المستشارين لممارسات بعض الصلاحيات و الاختصاصات:
أولا- طلب جمع البرلمان في دورات استثنائية
بعد ان كان الشرط ، في الدستور السابق ( الفصل 41 )، في إمكان عقد دورة استثنائية هو توقيع الطلب من لدن أغلبية أعضاء احد المجلسين، أصبح انعقاد الدورات الاستثنائية مرتبطا بطلب ثلث أعضاء مجلس النــواب و بأغلبية أعضاء مجلس المستشارين ،بمقتضى الفصل 66 من الدستور .

ثانيا- حق الإحالة الاختيارية للقوانين على الرقابة الدستورية

في الدستور الحالي أصبح حق الإحالة الاختيارية للقوانين العادية على الرقابة الدستورية مقتصرا على ربع حمس مجلس النواب و أربعين عضـــوا بنسبة مجلس المستشارين اي انه ارتفع من الربع الى الثلث بعد كان النصاب منحصرا في ربع أعضاء المجلسين .

ثالثا- حق الإحالة الاختيارية للمعاهدات التي يصادق عليها البرلمـــــان على الرقابة الدستورية.
وفقا للفصل 55 من دستور 2011 أصبح نصاب حق الإحالة الاختياريـة للمعاهدات التي يصادق عليها البرلمان على الرقابة الدستورية هو الســدس بالنسبة لأعضاء مجلس النواب و الربع لأعضاء مجلس المستشارين, و هكذا يتبين أن النصاب كان مخففا على النواب و شددا على المستشارين.

رابعا- طلب تقديم الحصيلة المرحلية لعمل الحكومة

جعل المشرع الدستوري النصاب مخففــا بالنسبـــة لمجلـــس النواب و حدده في الثلث، بينما جعله مشددا بالنسبة للغرفة الثانية و خصص لـــه الأغلبية المطلقة لأعضائها.

عند إرادة حل مجلسي البرلمان و أولوية المعارضة في مجلس النواب.

يلخص الدكتور رشيد المدور مظاهر النظام الجديد للثنائيـــة البرلمانيــة التي يبوئ فيها المشرع الدستور مكانة الصدارة بالمقارنة مـــــــــع مجلـــس المستشارين في نقطتين مهمتين: أولهما أن الأغلبية الحكومية في مجلـــس النواب على التي في مجلس المستشارين عند إرادة حل احدهما( الفصــــل من دستور 2011 )، و ثانيهما أن المعارضة في مجلس النواب أولى منها في مجلس المستشارين ( الفصل 10 من الدستور الحالي) .

أتى دستور 2011 بمتغيرات على قدر كبير من الأهمية، تتعلق بالبرلمان و مكانته في النظام السياسي و دوره في ممارسة السلطة، من اجل تثمين العمل البرلماني و الرفع من جودته و مردوديته.
لكن، تبقى الممارسة الجيدة و حسن التنزيل و التطبيق الديمقراطي المحك الحقيقي لاختيار مدى نجاعة هذه التغييرات، وهل هي كافية ام ان الحاجة ماسة إلى إدخال إصلاحات دستورية أخرى تتوخى مزيدا من تقوية مكانة البرلمان السياسي و التخفيف من قيود العقلنة البرلمانية.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى
error: المحتوى محمي !!