أخبارجهاتفن وثقافةمجتمع

المولد النبوي الشريف بالمغرب عربون محبة وتذكير الأجيال بالروابط بين الماضي والحاضر، وبين مختلف ثقافات ومجتمعات الوطن.

يتم الاحتفال بعيد ميلاد خاتم الانبياء والمرسلين سيدنا محمد، عليه الصلاة والسلام ،في اليوم الثاني عشر من الشهر الثالث من السنة الهجرية الذي صادف يوم الخميس الثاني عشر من شهر ربيع الأول من التقويم الهجري 1445 الموافق لتاريخ 28 سبتمبر 2023.. وفي المغرب، المولد النبوي هو عيد ديني ويومان عطلة رسمية في المغرب.

للنبي -عليه الصلاة والسلام- مكانة عظيمة في قلوب المسلمين، لما قدّمه للبشرية والأمة من خيرٍ لها في صلاح أمر دينها ودنياها، وجدير بالمسلمين استذكار ما كان له أثر وفضل، دون تخصيص ذلك في يومٍ معين؛ كيوم ميلاده أو ذكرى وفاته، إذ ينبغي على المسلم ذكر الرسول -عليه السلام-، والصلاة عليه في كلّ الأيام وكلّ الأوقات، والحديث في سيرة النبي -عليه أفضل الصلاة والسلام-، والاقتداء بأخلاقه، في جميع الأيام،[١] وذهب القائلون بمشروعية الاحتفال بيوم ميلاد النبي -عليه السلام- من أهل العلم إلى ضرورة أن يكون الفرح بذكرى المولد النبوي الشريف خالياً من المخالفات الشرعية، والاقتصار على ذكر ما كان للنبي -عليه السلام- من مواقف غيّرت سبيل الأمة من حال إلى حال، واستذكار سيرته العطرة، وتجديد العهد على اتباع سنته وهديه -عليه الصلاة والسلام-،[٢]

وذهبوا إلى أنّ الاحتفال بذكرى مولد النبي -صلى الله عليه وسلم- باجتماع المسلمين في المساجد أو غيرها، وقراءة ما تيسر من آيات القرآن الكريم، واستحضار مشاهد من سيرته، وإنشاد بعض المدائح؛ فيه دلالة على تعظيم قدر النبي -صلى الله عليه وسلم-، مستدلين بذلك بقول النبي -عليه السلام-: (من سنَّ في الإسلام سنة حسنة، فعُمل بها بعده؛ كُتب له مثل أجر من عمل بها، ولا ينقص من أجورهم شيء).[٣][٤]

عيد المولد، بمناسبة مولد النبي محمد عليه الصلاة والسلام، هي إحدى  المناسبات الدينية الأكثر احتفالا في العالم الإسلامي. ويهدف هذا المهرجان الروحي، المتأصل في التقاليد والتفاني، إلى تكريم النبي عليه الصلاة والسلام وتعزيز الروابط المجتمعية.

وفي المغرب، يتم الاحتفال بهذا الحدث الثمين بحماس، لتخليد تقاليد الأجداد النابعة من تقديس عميق للنبي عليه الصلاة والسلام محبته ومحبة آل بيته والارتباط القوي بالقيم الأصيلة والمثل العليا للإسلام.

احتفال المغاربة بعيد المولد

وكالعديد من شعوب البلدان الإسلامية، يحتفل الشعب المغربي،  بعيد المولد النبوي.  وهي فرصة للتعبير بطريقة قوية وجميلة عن حب خاتم الأنبياء وآل بيته عليهم الصلاة والسلام، وكذلك عن تمسك المرء بمبادئ الإسلام.

ويرغب المغاربة في الاحتفال بهذه المناسبة الشريفة في أجواء تتسم بالروحانية والعبادة الخالصة، خاصة من خلال تنظيم لقاءات مخصصة لقراءة القرآن الكريم ودراسة آياته والمدائح والخطابة وتلاوة أحاديث النبي عليه الصلاة والسلام. كما يتم تنظيم مواكب دينية وأمسيات الذكر بالمساجد ومواسم الزوايا بجميع جهات المملكة.

في المغرب، يعد الاحتفال بعيد المولد رحلة عبر التقاليد والعادات المتنوعة. تأخذ هذه الاحتفالية ألوانًا محلية معينة، مع أطباق تقليدية محددة يتم إعدادها والاستمتاع بها كعائلة.

وإذا كانت الفعاليات المنظمة لهذه المناسبة تختلف من مدينة إلى أخرى، إلا أن هناك عوامل وجوانب مشتركة بين جميع الاحتفالات، وهي استخدام الشموع والمشاعل، فضلا عن الأزياء التقليدية التي يرتديها الجميع للذهاب إلى المساجد وأثناء الزيارات للأقارب والأصدقاء.

في المدن الشمالية، على سبيل المثال، يعتبر “كالينتيه” طبقًا مرتبطًا تقليديًا بهذا الحدث، بينما في فاس، يعد الدجاج المغطى باليقطين المكرمل أمرًا ضروريًا.

يشترك البيضاويون  والرباطيون في نفس عادات الطهي تقريبًا خلال هذا اليوم حيث تجتمع العائلات لتناول وجبة “الفطور”، مع قائمة تتكون من الفطائر المغربية، “المسمين”، و”البغرير” و”الكراشيل” ويتكون الغداء غالبًا من الكسكس أو طاجن اللحم مع البرقوق واللوز.

بعيدًا عن جانب الطهي، يعد عيد المولد أيضًا فترة من الاحتفالات الثقافية والروحية.

وفي شمال شرق المغرب، و بالزاوية القادرية البوتشيشية بمداغ بإقليم بركان، يتم تنظيم وقفة روحية كبيرة كل عام، بقيادة  شيخ الطريقة وعلمائها ومريديها الذين يستذكرون أهمية الاقتداء بالنبي عليه الصلاة والسلام.

من جهتهم ،وبمكناس،يجتمع أتباع الطريقة “العيساوية” لأداء طقوس تقليدية في ضريح الشيخ الكامل سيدي امحمد بن عيسى، مع ليال من الموسيقى والرقص الاستعراضي إذ تنتقل هذه التقاليد من جيل إلى جيل، مما يوضح عمق الجذور الثقافية والدينية للاحتفال بعيد المولد النبوي بالمغرب.

وبمدينة سلا، ينظم موكب الشموع الذي يعد تقليدا قديما ورمزيا للغاية ويعكس التراث الثقافي والروحي الغني لهذه المدينة ويعود  إلى القرن السادس عشر في زمن السعديين، وبالتحديد تحت رعاية السلطان أحمد المنصور الذهبي.

يقام كل عام، تقليديًا عشية عيد المولد، بعد صلاة العصر مباشرة. ويتم اختيار هذه اللحظة  من اليوم بعناية، مما يمثل بداية مهيبة للموكب. وعادة ما يقود الموكب شخصيات دينية وأعيان مؤثرون في المدينة، أما المشاركون فيحملون الشموع المضاءة ويعبرون الشرايين الرئيسية للمدينة  ويعبرون معًا الطرق الرئيسية في المدينة ويتلون الصلوات بحماس ويغنون الأغاني الدينية تكريمًا للنبي محمد عليه الصلاة والسلام.

رمزية هذا موكب  الشموع غنية، إنه يمثل نور المعرفة والروحانية المنبعثة من النبي عليه الصلاة والسلام، وينير طريق المؤمنين نحو الحق والفهم. كما أنه يرمز إلى وحدة المجتمع وتماسكه.

ويشكل الموكب أيضًا تأكيدًا قويًا على ارتباط سكان سلا بتقاليد الأجداد والقيم الإسلامية، التي تشكل نسيج هويتهم الثقافية والروحية.

وعلى مر القرون، تم الحفاظ على هذا التقليد بمحبة  وبأمانة من قبل سكان سلا. واليوم، أصبح أكثر من مجرد تقليد، إذ يعتبر جزءًا حيويًا وقيمًا من التراث الثقافي والديني للمدينة.

باختصار، عيد المولد النبوي في المغرب هو احتفال يتجاوز مجرد الاحتفال الديني ،هو في حقيقته، احتفال يعكس تنوع وثراء التقاليد المغربية، وينسج الروابط بين الماضي والحاضر، وبين مختلف ثقافات ومجتمعات الوطن، متصلة جميعها بمحبة النبي المصطفى وآل بيته عليهم الصلاة والسلام.

في حواره مع صحيفة الاناضول ،قال هشام الأحرش، الباحث في التاريخ والحضارة المغربية،  إن “الدولة جعلت المولد النبوي عيدًا تتعطل فيه الإدارات والمؤسسات بخلاف المشرق العربي، بحيث إنها خصصت يومين للعطلة”.

وأضاف الأحرش في حديث للأناضول، أن “أول سنة يحتفل فيها المغاربة بالمولد النبوي هي 1250 ميلادية، في عهد الخليفة الموحدي المرتضى (1248–1266 ميلادية)، حيث أقام ليلة احتفالية بالذكرى في مدينة مراكش”.

وتابع أن “أبا يوسف يعقوب بن عبد الحق المريني، أحيا احتفالًا بمدينة فاس، وفي سنة 1292 ميلادية، أقرّ ابنه بتعميم الاحتفال، فأصبحت عادة متوارثة لدى المغاربة، يتبارون فيها بإظهار كل أشكال التعظيم، حيث تتقدمهم المساجد والزوايا في ذلك”.

وشدد الأحرش على أن “قيمة المولد النبوي توازي الأعياد الدينية، عيدي الفطر والأضحى”، مشيرًا إلى أن “مظاهر الاحتفال تتجسد في اللباس وبعض وجبات الطعام التي تعد خصيصًا للمناسبات.

 

مراجع

1-↑ محمّد بن بشير بن عمر الإبراهيمي (1997)، آثَارُ الإِمَام مُحَمَّد البَشِير الإِبْرَاهِيمِي (الطبعة 1)، صفحة 341، جزء 2. بتصرّف.

2-↑ سماحة المفتي العام السابق الدكتور نوح علي سلمان (22-04-2010)، “حكم الاحتفال بالمولد النبوي الشريف”، دار الإفتاء الأردنية، اطّلع عليه بتاريخ 24-10-2022. بتصرّف.

3-↑ رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن جرير بن عبدالله، الصفحة أو الرقم:1017 .

4-^  سماحة المفتي العام السابق الدكتور نوح علي سلمان (2-2-2012)، “بيان بمناسبة المولد الشريف”، دار الإفتاء الأردنية، اطّلع عليه بتاريخ 24-10-2022. بتصرّف

مقال هاجر توفيق بموقع لوبرييف

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى
error: المحتوى محمي !!