فن وثقافة

**حضور وغياب بين الواقع والخيال**

حكيم سعودي

يبدو أننا دائماً ما نتحدث عن الوجود والغياب، عن تلك اللحظات التي يرافقنا فيها الآخرون وتكون الحياة مليئة بالأصوات والأشخاص، وفجأة نجد أنفسنا وحيدين في غرفة صامتة تماماً، ولا نعرف كيف ومتى جاءت تلك اللحظة. هل تمنينا أن نكون وحيدين؟ أم أننا لم نتوقع ذلك؟

أحياناً نجد أنفسنا نرغب في وجود الآخرين حولنا، نرغب في مشاركتهم لحظاتنا وأفكارنا، ولكن في الوقت نفسه نشعر بالراحة والهدوء عندما نجد أنفسنا وحيدين، بعيداً عن ضوضاء العالم الخارجي وضغوطاته.

في بعض الأحيان، نجد أنفسنا نراقب الآخرين من بعيد، نلاحظ حركاتهم وتصرفاتهم، ونشعر وكأننا جزء من عالمهم، وفجأة ندرك أننا مجرد مشاهدين بلا دور في السيناريو. هل يعيشون حياة مماثلة لحياتنا؟ هل يشعرون بالوحدة مثلما نشعر؟ هل يتمنون وجودنا معهم؟

تلك اللحظات التي نجد فيها أنفسنا وحيدين، تلك اللحظات التي نشعر فيها بالحنين إلى وجود شخص ما بجوارنا، تلك اللحظات هي التي تجعلنا نتساءل عن الحقيقة والخيال، هل نحن مجرد أشباح نتجول في عوالم الأخرين دون أن يلاحظوننا؟ أم أننا جزء حقيقي من حياتهم ومشاعرهم؟

ربما يكون هذا الاستفهام هو الذي يدفعنا إلى محاولة فهم معنى الحضور والغياب، فما الذي يعنيه أن نكون مع الآخرين في الواقع، وما الذي يعنيه أن نكون معهم في الخيال؟ هل يمكن للواقع أن يكون أكثر حيوية من الخيال؟ أم أن الخيال يمكن أن يكون أكثر واقعية من الواقع؟

قد نجد أنفسنا نبحث عن الحضور في الأماكن والأشخاص، ولكن قد نكتشف في النهاية أن الحضور الحقيقي هو الذي يأتي من الداخل، وأن الغياب ليس سوى حالة من العقل، قد تختلف تأثيراتها باختلاف الأفراد والظروف.

لذا، فلنتعلم كيف نكون حاضرين بذهننا وقلوبنا، وكيف نستمتع بوقت الوحدة بدلاً من أن نخاف منه، فربما في تلك اللحظات نجد السلام والسكينة التي نبحث عنها، وربما نجد أنفسنا أكثر إبداعاً وتأملاً.

لذا، فلنبقى موجودين مع الآخرين وحيدين في نفس الوقت، فالحياة مليئة بالتناقضات والمفارقات، ولكنها في النهاية تجربة تستحق أن نعيشها بكل ما فيها من جمال وعمق.

في نهاية المطاف، يبدو أن الحضور والغياب هما جزء لا يتجزأ من تجربة الحياة، وربما تكون الحياة ذات معنى أكثر عندما نتعلم كيف نتعامل مع هذين الجانبين بحكمة وصبر. فالواقع قد يجلب لنا الفرح والحزن، ولكن الخيال يمكن أن يكون ملجأ لنا في اللحظات الصعبة، وقد يكون محركاً للإبداع والتفكير العميق.

لذا، دعونا نتقبل تلك التجارب بكل ما فيها من تنوع وتعقيد، ونحاول استخلاص الدروس والعبر من كل تجربة نمر بها. فالحضور مع الآخرين يمنحنا الفرصة للتواصل والتعلم، بينما الغياب يمنحنا الفرصة للاستمتاع بالهدوء والتفكير العميق.

فلنتقبل حياتنا بكل مكوناتها، سواء كانت حالات الحضور الكثيفة أو الغياب الساحق، ولنحاول العيش بحكمة وسلام داخل أنفسنا، متمسكين بالأمل والإيمان بأن كل شيء في النهاية سيكون بخير.

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى
error: المحتوى محمي !!