المجتمع المدني مقاربة الدلالة والاستعمال
عبد الواحد بلقصري
باحث في علم الاجتماع السياسي
تقديم:
إن توسع دائرة استعمال المجتمع المدني في حقل الكتابات السياسية العربية يدخل ضمن دائرة العناية المستجدة في الفكر العربي بالمنظومة السياسية الليبرالية، فقد انتعشت في العقدين الاخيرين ظاهرة الدفاع عن أطروحات المفاهيم الليبرالية والليبرالية الجديدة، لأن الملاحظ أن هذه الاعادة لم تعنى بالحفر في الاصول النظرية للمفاهيم المستعملة وفي الاستعمالات الرائجة لمفهوم المجتمع المدني ما يدل على عشوائية استعماله.
السياق النظري لمفهوم المجتمع المدني :
ان اغلب الذين يستعملون مفهوم المجتمع المدني؛ يوظفونه في سياق الاستعمال الايديولوجي الرامي الى اصابة غايات ابعد من الاحاطة النظرية بمحتواه، الا ان اطلاقه بدون ضبط ولا تحديد نظريين يساهم في تعميم البلبلة النظرية، وهي نتيجة لا نعتقد بفائدتها بالنسبة لكل الذين يجتهدون لاستثمار الدلالة الرمزية للمفهوم في سياق بناء دعاويهم وصياغة براهين هم فعندم تضيع الملامح النظرية الدنيا للمفهوم تختلط المقاصد السياسية ويصعب ادراكها وإدراك غايتها.*1*
وعندما تتوفر ارادة التأصيل النظري للمفهوم في الفكر السياسي تصبح الحاجة ماسة الى معرفة حدوده وصيرورة تطوره وذلك للتمكن من تجاوز استعماله الأداة الاعتباطي الى مستوى المساهمة في صياغة ابعاده الجديدة المرتبطة بصيرورة المجتمع العربي في علاقته بالدولة السائدة في مختلف اقطاره، وفي هذا بالذات تتحول خصوصية المجتمع العربي الى دائرة فاعلة في مجال اعادة انتاج المفاهيم الفلسفية و السياسية المساعدة على فهم الدولة والمجتمع .*2*
واضح اذن من التقديم السابق اننا نسلم بالدلالية الملتبسة والمتناقضة والمفتوحة لمفهوم المجتمع المدني في دائرة استعمالاته الرائجة في الفكر السياسي العرب المعاصر وضمن هذا الإطار نقدم محاولة اولية في باب حصر الدوائر الفكرية التي ساهمت في صياغة حدوده وذلك بالصورة التي تقربنا من رصد تنوع دلالاته وهو امر مفيد في مجال التاريخ الفكري للمفهوم وقد يساهم في تقليص درجة الارتباك الحاصلة اليوم في مجال تداوله في الكتابة السياسية المعاصرة.
عندما ظهر إذن مفهوم المجتمع المدني في القرن السابع عشر، وفي اطار المنظومة الفكرية السياسية الحديثة، كان يرادف مفهوم الدولة، الدولة باعتبارها اله اصطناعيه، ساعه كبيره ،تتجه نحو ضبط سلوك الافراد ،وحمايه امنهم وسلامتهم وما يملكون، وقد أبرز هوبز ان الانتقال من حاله الطبيعة الى حاله المجتمع المدني، حيث تنشا السلطة السياسية يعني الانتقال من حياه الاقتتال المتواصل الى حاله الامن والسلم.
وقد وضح كل من جون لوك وجان جاك روسو اهمية المجتمع المدني كمحصلة للتعاقد في تنظيم المجتمع انطلاقا من شرعية المصلحة وضد كل وصاية سماوية.*3*
اما فيما يخص التطورات التاريخية للمجتمع المدني بالمغربي، فتمت تنظيمات اجتماعية كثيرة بالمجال الحضري والقروي والدور الذي لعبته الاعراف والتقاليد في تشكيل هده التنظيمات
لكن المغرب في مرحلة الحماية سيقنن مجال عمل الجمعيات بعدما شعرت السطات الحماية بارتفاع عدد التنظيمات السرية التي اخذت المقاومة كهدف اهم لها سارعت الى اصدار ظهير شريف سنة 1914 وهو مأخوذ من القانون الفرنسية ل1 يوليوز 1901 حتى تتمكن من ضبط هده التنظيمات، وبالتالي تمكين شخصين او اكثر ان يؤسسا جمعية شريطة ان لا تهدف الى توزيع الارباح بين اعضائها او المس بالأخلاق العامة وامن الدولة وان العمل الجمعوي في مرحلة الحماية هيمنت عليه الغيرة الوطنية ولم يخلق لنفسه برامج متميزة عن الحركة الوطنية .
وقد عرف ظهير 1914 عدة تغييرات وصولا الى ظهير 15 نونبر 1956 الذي من خلاله ثم تثبيت الدائم الاساسية المتفي اغلبه من القانون الفرنسي المنظم للجمعيات والصادر سنة 1901، وسيعرف ظهير 1958 هو بدوره تغييرات كثيرة ثم ابرازها في ظهير 10 ابريل 1973 وخاصة على وجه التحديد القسم المتعلق بحرية الجمعيات .
لقد استمرت الجمعيات في شكلها التقليدي، ولم يستطيع النسيج الجمعوي في المغرب انتاج جمعيات جديده قادر على التطوير من ادائها والانتقال من دور تقديم المساعدات والاعانات الى حمل مشاريع تنموية بقدر كبير من المهنية . الا ان سنوات الثمانينات عرفت تميزا كبيرا بميلاد صنف جمعوي جديد، تختلف من حيث البناء التنظيمي والاهداف المنشودة وطرق الاشتغال واداره المشاريع ثم الفئات المستهدفة من تدخلاته، ومن هنا كانت الحاجه الى اجراء تعديل جديد على قانون الحريات العامة بهدف مواكبة التحولات التي عرفها المغرب على مختلف الأصعدة، ثم تطوير العمل الجمعوي بالمغرب تتجلى في مجمل السياسات التي اتبعها المغرب في مجال التنمية، والتي اثبتت اخيرا فشلها الملحوظ لان الدولة كانت تتبنى تنميه تفرض من الاعلى الى الاسفل، حيث ترتكز اولوياتها اكثر على توفير المواد الغذائية او مدهم بالخدمات.
كما أن قانون الحريات العامة بالمغرب ركز إهتمامه على التوجيه والاخذ بالعمل الجمعوي الى تطوير قدراتهم ووظائفهم؛ إذ يتم من خلال مؤسسات المجتمع المدني بلوره مواقف جماعية من القضايا والتحديات التي تواجه اعضائها وتمكنهم من التحرك جماعيا لحل مشاكلهم وضمان مصالحهم على اساس هذه المواقف الجماعية تمارس هذه الوظيفة بشكل اساسي من خلال النقابات المهنية والغرف الفلاحية اي ما يعرف في جماعه الضغط للدفاع على مصالح هذه الهيئات من خلال هذه الوظيفة يتعلم الاعضاء كيفيه بحث مشاكلهم ودراسة الاوضاع القائمة في المجتمع وتحديد كيفيه الحفاظ على مصالحهم في مواجهه مصالح فئات اخرى وصياغتي مطالبها المحددة الثالثة وظيفه حسم وحل الصراعات حيث يتم بوسائل وديه دون اللجوء الى الدولة وبذلك فان مؤسسات المجتمع المدني تجنب اعضائها الجهد والوقت وتساهم في تقويه اللحمة والتضامن الجماعي في ما بينهم واذا كانت الديمقراطية بالمفهوم الإجرائية لها هي صفه الإدارة الصراع في المجتمع بوسائل سلميه فان حل المنازعات بين الاعضاء وبوسائل الودية داخل مؤسسات المجتمع المدني هو اساس ممارسه الصراع سلميا على مستوى المجتمع بين الطبقات والقوى الاجتماعية والسياسية.
علقة بالحريات العامة في مغرب ما بعد الحماية .
-وظائف المجتمع المدني :
تقدم مؤسسات المجتمع المدني اسهامات في كافة مجالات المجتمع؛ حيث نجد وظائف مرتبطة ب : التعليم الصحة الرعاية الاجتماعية البيئية الى غير ذلك، كما ان المواطن ينشئون هذه المنظمات في مجتمعاتهم انطلاقا من وعيهم بكونه الوسيلة المناسبة لمواجهه مشاكلهم وتلبيه احتياجاتهم بضم جهودهم الى الجهود الحكومية فهذه التنظيمات تشكل حلقه وصل بين المواطنين والحكومة. ومنه يبرز أن المجتمع المدني هو عبارة عن مجموع المنظمات الواسعة النطاق مساعدة ؛ منظمات غير حكومية، غير ربحية ، النقابات العمالية والمهنية، المنظمات الخيرية والدينية ، والتي تتطلع بمهمة التعبير بإهتمامات المواطنين، وبفضل المكاسب الدستورية ــ لدستور سنة 2011 ــ أصبح للمجتمع المدني دور كبير في الإقلاع بعجلة التنمية .
المجتمع المدني وأدواره المتعددة :
إن الحديث عن المجتمع المدني يطرح بالنسبة لنا قضية معرفية كبيرة وهي اننا نلتقي مع هذا التعبير عند ثلاثة مفكرين غربيين اساسين :
المحور الاول : هو المفهوم الهيكلي للمجتمع المدني والذي ينبني على اساس التمايز بين الدولة كتعبير عن سمو الفرد الى الكونية و المجتمع على اعتبار ان هدا المجتمع هو في حد ذاته بالنسبة لهيكل –مجموعة في المؤسسات التي لها وجود كذلك ككيان فالمجتمع المدني عند هيكل هو كيان يتميز عن الكيان الدولي
أما المقاربة الثانية فنجدها عند جون لوك الانجليزي و الدي يعتبر احد المفكرين الاساسين في الفكر الديمقراطي ومقاربة جون لوك للمجتمع المدني مقاربة متميزة جيدا وان كانت غير معروفة لدى عديد من الباحثين باستثناء الباحثين في تاريخ الفكر السياسي ويعتبر جون لوك ان المجتمع المدني هو مجتمع المدينة بالنسبة اليه هو مجتمع التحضر و التحضر القانون في علاقة الافراد بعضهم بعض
فالمجتمع المدني عند جون لوك يختلف عن المجتمع الساسي لكن مجتمع الدولة لكونه تعرض القانون كمعيار ومرجعية لتنظيم العلاقات الاجتماعية بين الناس و المجتمع المدني هنا هو مجتمع القانون على اساس ان القانون هو ضمان للحرية لا محد لها ،وهنا نجد أن دستور2011 دعامة رئيسية للتأصيل الدستوري للديمقراطية التشاركية في المغرب، حيث ضمنت العديد من المقتضيات حق المواطن في المشاركة في اتخاذ القرار، وعليه جعل التصدير الذي يعد جزء لا يتجزأ من الدستور “المشاركة” المرتكز الأول للبناء الديمقراطي، وقد عزز ذلك بشكل مباشر في الفصل الأول بالتنصيص على الديمقراطية المواطنة والتشاركية وجعلها أحد المقومات والأسس التي ينهض عليها النظام الدستوري للمملكة بالإضافة إلى مبادئ الحكامة الجيدة وربط المسؤولية بالمحاسبة.*4*
ولقد نصت الوثيقة الدستورية على الدور الفعال الذي يلعبه المجتمع المدني في إطار الديمقراطية التشاركية وأكدت على حقه في تقديم العرائض والملتمسات، والمساهمة في بلورة السياسات العمومية.
خاتمة :
مما سبق نسستنج ان المجتمع المدني يلعب دورا كبيرا في بلورة السياسات العمومية وان تاريخ المغرب المستقل يعرف العديد من التجارب المدنية المتميزة ،كما ان العديد من مطالب المجتمع المدني اصبحت مكاسب بعد دستور 2011 لكن فعالية منظمات المجتمع المدني تقتضي الحسم في العلائقية بين ادواره السياسية والتنموية.
لائحة المراجع والهوامش :
T .HOBBES ;levrithon traduction François tricoud (paris ED SCERY 1976 PAGE
T .HOBBES ;levrithon traduction François tricoud (paris ED SCERY 1976 PAGE 124.
T .HOBBES ;levrithon traduction François tricoud (paris ED SCERY 1976 PAGE 125)
الشامي لأشهب، المجتمع المدني وإشكالية التنمية السياسية بالمغرب: حول المداخل السوسيوسياسية لفاعلية المجتمع المدني في تنمية الديمقراطية، أطروحة لنيل دكتوراه وطنية في العلوم القانونية والسياسية، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية السويسي، الرباط، السنة الجامعية 2013-2014، ص: 253.
حميد زيار، دور المجتمع المدني في تفعيل الديمقراطية التشاركية على ضوء دستور 2011 بالمغرب، رسالة لنيل شهادة الماستر في القانون العام تخصص العمل السياسي والعدالة الدستورية، جامعة محمد الخامس الرباط، كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، السويسي، سنة 2016-2017، ص55.